الراية القطرية-
أكّد فضيلة الشيخ عبدالله النعمة أن الأمة ما أحوجها للرجوع إلى الدين والركون إلى الكتاب والسنة لا بالرجوع للشرق أو الغرب ولا بالركون إلى الذين ظلموا "ولَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ". وقال في خطبة صلاة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، إن الأمة في أيام محنها وشدائدها وهي تعصف بها النكبات ويتحكم فيها أعداء الدين ما أحوجها إلى دروس من تاريخها الأصيل تتأمل من خلالها سمات النصر والهزيمة وعوامل الضعف والقوة.. إنّ الأمة ما أحوجها إلى وقفات اعتبار عند مناسباتها الخالدة تستعيد فيها كرامتها وتقف في وجه كل منافق خبيث أو عدو عنيد يخطط للقضاء على كيان المسلمين.
روى الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نزلت به فاقة فأنزلها في الناس لم تسد فاقته ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل.
وقال إن صرخات الأبرياء وآهات المستضعفين حكمة الله في تمحيص الصفوف وتثبيت المؤمنين رفعة في درجاتهم وتجاوزًا عن سيئاتهم "وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "، وإن من القواعد المقررة والسنن الكونية الثابتة أن الصراع بين الحق والباطل قائم منذ بداية الخليقة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها ولن يكون المسلمون أبدًا في أي وقت من الأوقات بأفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين حاربهم قومهم وأخرجوهم من ديارهم وقاتلوهم.
وأكّد خطيب الجمعة أن الغلبة للحق وأتباعه إذا تمسكوا به فالباطل جولة والحق إلى قيام الساعة والتاريخ يشهد فما من أمة نصرت الله تعالى بفعل أمره واجتناب نهيه إلا نصرها الله تعالى وأعزها.
وقال الشيخ عبد الله النعمة إن الليل والنهار يقربان كل بعيد ويأتيان بكلام موعود والمؤمن بين مخافتين، أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه وما حقيقة الأعمار إلا أعوام وما الأعوام إلا أيام وما الأيام إلا أنفاس وإن عمرًا يقاس بأنفاس لسريع الانصرام. وأوضح أن تعاقب الليل والنهار عبرة في انقضاء الأيام والليالي وتصرم الشهور والأعوام، فما إن يستفتح العام الجديد بالمحرم حتى تجد أن شهر ذي الحجة قد أذن بالنزول وهذا مصداق حديث المصطفى في تقارب الوقت في آخر الزمان.
روى الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالضرمة بالنار"أي كالنار في سرعة اشتعالها وانتشارها وبين هذه الأيام حوادث عدة وعبر جمة ومدائن تعمر وأخرى تدمر ويصبح ابن آدم معافى في صحته ثم يمسي في أطباق الثرى ولسان حاله يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك":
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا
وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
وكم من صغار يُرتجى طول عمرهم
وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبر
ولفت إلى أن التاريخ مدرسة لمن أحسن قراءته وتأمل عبره وأفاد من أحداثه، أحداث السنين وأنباء السابقين وتجارب الأمم وتقلبات الدول. وزاد "لقد مضت سنة الله في خلقه أن تمر الأمم بمراحل من المد والجزر والضعف والقوة والذلة والعزة فكم عاشت أمم في الأرض ثم أدبرت وسارت في البشر جحافل من الكفر والظلم فسبت وقتلت ثم اندثرت سادت أمم ثم بادت وقامت للظلم صروح ثم انتهت..
وتساءل النعمة " أين قوم عاد وثمود ؟ وأين قوم إبراهيم وقوم لوط ؟ وأين فرعون ذو الأوتاد "الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد" الكل زال وزالت ممالكهم وما بقيت ولا يبقى إلا ملك الله تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام".
وقال إن أمة المسلمين ليست ببدع من الأمم وقد كانت في مرحلة من مراحل التاريخ تتبوأ مكانة الصدارة بين الأمم إيمانًا وعلمًا وحضارةً وملكًا وعزًا ثم ها هي اليوم الأمة المسلمة تنزل دركات إلى التخلف والضعف والقهر والاستعباد والذل والتحكم وتلك سنة الله تعالى تتخلف ولا تتبدل "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
وقال إن ما تمر به الأمة من أزمة وحروب ونكبات ومصائب ومحن ما هي إلا امتحان واختبار وتمحيص ليتبين الصحيح من الخبيث والشاكر من الكافر والأمين الصادق من الخائن الكاذب.
وأشار إلى حدث الهجرة النبوية وقال إنها جمعت المسلمين على الحق وأعزت الإسلام وأهله وكانت موقعًا من مواقع التأمل العظام في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والوقوف عندها وقوف يستثير الهمم ويزيد الإيمان ويحرك القلوب ويزكي الخلق ويقوم المسيرة، لا سيما في هذه اللحظات المصيرية من حياة الأمة وقد تكالب عليها الأعداء من كل صوب وحدب.
وقال إنه وقوف تأمل وعظة وتفكر واعتبار بحال محمد صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه المستضعفين معه في مكة وما أخلف الله تعالى من بعد من عز ونصر وتمكين بفضل الله ثم بفضل إيمانهم وصبرهم وجهادهم وتضحيتهم وثقتهم بموعود الله تعالى.
وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر من بلده الحبيب فرارًا بدينه وخروجًا بعقيدته ليكون درسًا لأمته من بعد فلا يساوم في العقيدة، ولا حاد عنها بل عليه أن يجاهد في سبيلها ويستهين بالشدائد والمصائب من أجلها.
ولفت إلى أن طريق الدعوة ليس هينًا ولا سهلاً بل هو طريق شاق محفوف بالمخاطر مملوء بالأشواك مغروس بالدماء والأشلاء. وأشار إلى أنه في هجرته برزت ثقة المؤمن بربه وتصديقه بوعده ونصره، مضيفًا أن المشركين كانوا يطاردونه هو وصاحبه حتى يصلوا إلى باب الغار ثم يلتفت إلى أبي بكر الصديق قائلاً في هدوء واطمئنان: ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
وقال إنّ الرسول كان في أعلى قمة الثقة بالله واليقين بوعده والرضا عنه ولم يعفه ذلك من الأخذ بالأسباب وبذل الجهد البشرى بقدر المستطاع فقد خرج خفية وسار مع صاحبه جنوبًا تضليلاً للمشركين ثم اختفى في الغار ثلاثة أيام حتى هدأ الطريق واستأجر دليلاً ماهرًا بالهداية، كل ذلك ليبين لأمته أن الأخذ بالأسباب المشروعة لا ينافي أبدًا التوكل على الله واليقين بنصره والثقة بتأييده ووعده.