علي القاسمي- الحياة السعودية-
لا يجهل عاقل أن أخطر معسكرات التجنيد الإرهابية الحالية يتمثل في وسائل التواصل، ولو عدنا فقط إلى آخر المنتجات الإرهابية والخريجين الحديثين لمشاريع الغسل المريضة لوجدنا أن التجنيد يبدأ من الألف للياء في أحضان هذه الوسائل، وبغض الطرف عن مسلسل التجنيد لكنك تتسمر قطعاً، حين تعرف أن مدة المصافحة والترحيب والحقن والغسل تمثل مدداً قصيرة تحرجك مع الفهم وتستثير ضميرك الحي، بل وتجعلك في حال عجز عن تفتيت الحالة الصريحة لمشهد التجنيد المأسوي. المعسكر يعمل على قدم وساق، وقد يواجه بعض التحديات نظير الوعي المنتظر إذا ما حملنا راية الإيجاب في هذا التحليل. وربما تكون التحديات نتيجة الخوف من النتائج والنهايات الدموية الأليمة تلك التي تصل إلى أنظارنا، من خلال لقطات الختام لمآسي التفخيخ والتفجير وجز الرؤوس والتضحية بأي جسد لذريعة شك أو عصيان.
ما يجب قوله حقاً إن الخطاب المضاد تجاه هذه المعسكرات ليس بالخطاب الشجاع والمباشر والضارب على المفاصل، فهو لا يعدو عن كونه تفاعلاً لحظياً مع أي حدث جديد، وهذا التفاعل ينطلق في أحيان كثيرة من التوجيه الرسمي أو التعميم الصريح بحديث لازم جبري، وأحمل عبء السؤال القائل: لماذا تكون الحركة عشوائية مضطربة وحاقنة في كثير من الملفات القابلة للأخذ والرد والتجاذب على أكثر من رأي، فيما ترتدي عباءة الخجل إذا ما كان الميدان يتحدث عن غسل وخيانة وضرر فعلي وتراجع للخطوط الخلفية؟ مع أن الموقف النقي يتطلب تعرية وصداماً مباشراً لا قفزاً من على الأسطر وإحضار نص متوسط على حساب نص مستحق للتفكيك والتفتيت.
كثير من جمل التناول مع الأحداث الدموية الفائتة والجراح المتنوعة تراوح ما بين تعاطف أعمى لا يفكر إلا في تصفية الحسابات المتأخرة وإغضاب طرف على حساب آخر أو رضا ملموس وملقى بعناية في مرمى الجمل الملغمة للاطمئنان إلى أننا لم نمض ولن نمضي بعد في محاسبة من يستثير الآخرين، ويتحدث بوصفه وصياً على البشر والسياسات ومتحدثاً رسمياً باسم القطيع الذي يعطل تفكيره، وليست لديه قدرة على طرح أي سؤال ولا تغيير أية إجابة لقناعته التامة بأن التفكير والبحث مهمة آخرين، ولا علينا تجاه المفكرين الباحثين سوى وجوب الطاعة العمياء والدفاع المستميت والإعجاب المنقطع النظير.
أعود إلى المفصل في حكاية المعسكرات اللئيمة وما يصاحبها من ألم وعمل، خطابنا المضاد مع بالغ التقدير للمجتهدين فيه لا يــزال مزيـــجاً من الخجل والتنظير الذي لن يأتي بنتيجة تلمس ولو ببطء، الخجل معيــب والتنظير يذيب القلوب ويسطح العقول. هناك آراء تنمو على هيئة حصص المراوغة والهجوم الأعمى من دون أن تذهب لقصف أسرار التحريض وفوائد التأجيـج ومـكاسب توزيع التهم على القريب قبل البعيد ولم يتصد أحد لها، ولا أظن ملامسة الجراح من الأشياء التي تستدعي الغضب أو التعصب لرأي واستدعاء حقيبة التصنيفات سهلة الحمل، لكن الجراح التي تعنينا تقودنا لمعرفة ملف الأولويات في شكل جيـــد. ربما أن هذه الأولويات مختــلة أو مبـعثرة بـتغليـب حسن النوايا لدى أشخاص من دون أشخاص، ومن لا يــتـفـق معنا على ترتيب الأولويات وأيها يجب أن يـــكون الرقم واحد فذاك جزء رئيس في تردي الخطاب المضاد وبقائه في خانتي الجهل والتنظير وبكمية كافية من الضحك المستمر على العقول.