الراية القطرية-
أكّد فضيلة الشيخ الدكتور محمد حسن المريخي أن من أكبر الأمانات اليوم بعد أمانة دين الله هي أمانة حراسة البلدان والأوطان في هذا الزمان الذي كثر فيه الخونة لبلدانهم وأوطانهم وأهليهم ومن أحسن إليهم.. مضيفًا: من الأمانات، أمانة إتمام المشاريع وإنجازها وبنائها والوفاء بما تعهّد عليه بالكمال والتمام، كما أن من الأمانات رعاية المرأة والقيام بما أوجب الله نحوها من الستر والحياء والوقوف عند حدّ الله وتوجيهها التوجيه الكريم المؤسّس على دين الله القويم.
وقال الشيخ المريخي، في خطبة صلاة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب أمس، إن الأمانة خلق كريم وشرف عظيم ووشاح ووسام وتاج على الرؤوس، من تحلّى به قولاً وعملاً وظاهرًا وباطنًا فقد فاز فوزًا عظيمًا، ونال شرف الدنيا الرفيع والدرجة العليا بإذن الله في جنات الخلد عند مليك مقتدر.. إن خُلق الأمانة من أجلِّ ما يقوم به الإنسان في هذه الحياة، بها تسمو ديانته، ويتأكد إيمانه، ويتميز بها نجمه، وتشرق بها شمسه، إنها خلق ثابت في النفس، قد أخذ بخطامها فأدبها وروّضها ووجهها إلى صيانة ما يجب صيانته وحفظه.
وأضاف إن الله سبحانه وتعالى أمر بالاعتناء بها ورعايتها، حيث إنها تحفظ النفوس والحقوق والحوائج، وتصان بها البلدان والديار، وتعمر بسببها الأرض، ويبارك الله سبحانه وتعالى بسببها في أرزاقهم وأعمارهم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها....).
وتابع أنه على الرغم من أن الأمانة فضيلة عظمى ومنزلة عليا، إلا أنها حمل ثقيل لا يستطيع حملها المهازيل، ولا يقوى عليها الظلوم الجهول، ولا من يزن الناس بشهواتهم ودنياهم ومتع الحياة، ولا من لا يكترث بإيمان وإسلام وكفر وفسق، وصلاح ورشاد وإخلاص ونفاق.
وقال إن السماوات عجزت عن حملها والأرض والجبال واعتذرت إلى ربها بعدما علمت أن الله سيعاقب على خيانتها والإخلال بها (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً).
وأكّد أن أعظم الأمانات التي أمّن الله عليها عباده هي القيام بدينه والاهتمام بشريعته ورعاية حدوده (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون).. بل أخذ العهد على جميع الرسل وحملهم أمانة متابعة نبيه ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام إذا بُعث وأدركه أحدٌ منهم، كما قال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنّه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).. فيعبد الله تعالى وحده لا شريك له، بما شرع على منهج رسوله صلى الله عليه وسلم، ويؤمر العباد بالقيام بالدين والاعتناء والعض على سنّة سيد المرسلين، ويرفع من شأن الدين ويحكم في كل صغير وكبير، ويستفتي في الفتيل والقطمير.
واستدل بقول الكفوي رحمه الله : الأمانة كل ما افترض الله على العباد فهو أمانة، كالصلاة والزكاة والصيام وأداء الدّين، وأوكد الأمانات الودائع وكتم الأسرار.
وأضاف فضيلته إن في آخر الزمان يعز وجود الأمانة، ويقل الأمناء بسبب طغيان الدنيا على الناس حتى يتذاكر الناس فيما بينهم أن أمينًا يوجد في المكان الفلاني أو في بني فلان، لقلة الأمناء يومئذٍ، وكثرة الخائنين والخبثاء، بهذا أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت - سواد يسير - ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط - انتفخ - فتراه منتبرًا وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدّي الأمانة فيقال : إن في بني فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله، وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبةٍ خردل من إيمان) رواه البخاري ومسلم.
وخاطب المصلين قائلًا: إن تضييع الأمانات وخيانتها علامة على النفاق الذي سكن القلب وبدأ يستولي عليه جزءًا جزءًا، حتى يتربع فيه ويملكه نسأل الله العافية.. مستشهدًا بقول رسول الله (آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
ولفت إلى أن رسول الله اعتبر تضييع الأمانات والاستهتار بها من علامات اقتراب الساعة وقيام القيامة كما في قوله عليه الصلاة والسلام لسائل سأله عن الساعة قال: أين السائل عن الساعة، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري.
وجدّد خطابه للمصلين قائلاً إن الساعة أقرب عندما يُخوَّنُ الأمين ويُحتقر ويصدق الخائن ويؤمن، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يُخوَّنُ الأمين، ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار. وتساءل فضيلته: كيف تضيع الأمانة أو متى تصبح الناس لا أمانة عندهم؟، وأجاب: عندما يُدعى الناس إلى غير الدين الحنيف والملة المحمدية وعندما تُصور البدعة بأنها سنّة وينعق الناعق بها، وعندما يوجه الأبناء إلى غير الفطرة (يا بَنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، وتضيع الأمانة عندما يقال إن المرأة المسلمة مظلومة حين تسربلت باللباس الإسلامي وحينما وقفت عند حدود ربها عزّ وجلّ واقتدت بأمهات المؤمنين. كما تضيع الأمانة بالخوض بالكتاب والسنّة من باب حرية الرأي، فيطعن في الآيات ويشكك في السنّة، ويشتم الرسول صلى الله عليه وسلم وتخالف العقائد الإسلامية ويهوّن منها باسم قبول الرأي الآخر وثقافة السلام، وعندما يستحيا أن يقال: نحن مسلمون أو مؤمنون بالله وبمحمد رسول الله، مراعاة لكافر أو مشرك يتبجح بكفره وطاغوته ويتوارى المسلم بحقه وصوابه (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)، وعندما لا يعاقب السارق ولا يؤاخذ المفرط ولا يجازى المستهتر ولا يكرم الكريم (يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، (لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلاً إذًا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرًا).
وتعجب من تضييع الأمانة قائلاً، كم من الأمانات اليوم مضيعة، وكم من الحقوق مهدرة وكم من الواجبات مهملة .. لقد صدق الله العظيم حيث قال (وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً) كان ظلومًا لنفسه وغيره حين رضي بحمل الأمانة، وكان جهولاً بعواقب خيانتها والتفريط فيها.
وتساءل: كم من الأمانات في أيدينا سيسألنا الله عنها؟، أعظمها دينه الحنيف وعبادته وطاعته والأخلاق ومنهج الرسول ومتابعته، كم في أيدينا من الأمانات للعباد، وكم من الحقوق والواجبات لله ورسوله والوالدين والأرحام وولاة الأمر والناس، كم من التكاليف التي كلفنا بها أنفسنا، كم من الالتزامات التزمنا بها أو أعطينا العهد والوعد بالوفاء بها.
وقال إن من الأمانات أيضًا رعاية الأجيال والناشئة والمحافظة عليهم وتسليحهم بالإيمان بالله ومتابعة رسوله عليه الصلاة والسلام والعلم النافع والثقافة النافعة المستقيمة وحراستهم من الثقافات المشرقة والمغربة وتصحيح المفاهيم وبيان الهدى المستقيم لهم.
ودعا المصلين إلى صون الأمانة قائلاً: صونوا أمانة الله في أنفسكم ودينكم وعقيدتكم وناشئتكم وأجيالكم وأهليكم وما حملكم الله إياه من الأمانات، واعلموا أن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، ولا تتبعوا أهواء الناس.
وأكّد أن رعاية الأمانات والقيام بحقها يعود على الجميع بالخير والعافية والسعادة والطمأنينة والعيش الهنيء والحفظ من الضياع والذهاب والفشل سواء كانت الأمانات بلدانًا وأوطانًا أو مشاريع تنموية ومعمارية أو مشاريع دعوية وتعليمية أو أخلاقية أو مناهج وثقافة وأفكارًا أو أموالًا وخزائن أو كانت الأمانات أسرارًا وما يتطلب ستره وحفظه.
ودعا للحفاظ على أسرار البيوت والمجالس والمقاعد واللقاءات وكل ما ائتمن عليه الإنسان، يقول رسول الله (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سترها) رواه مسلم.
وختم الخطبة قائلاً، صونوا الأمانات إن كنتم ترومون الحياة الطيبة المباركة والكرامة، صونوا أمانات البلدان والمجتمعات والناس ومن حملكم أمانته من الزوجات والأبناء والأرحام.