مها الشهري- عكاظ السعودية-
كتبت رأيا سابقا أثار الجدل حول مسألة تعدد الزوجات بمخالفة رأي من طرحها كطريقة علاجية لظاهرة التأخر عن الزواج أو ما يسمى «بالعنوسة»، وإن كان التعدد في الزواج يؤخذ كحل شكلي مما يسهل تناوله في الأحاديث كأحد الحلول الجاهزة التي لا تتعمق في دراسة الحالة والسلوك الاجتماعي من حيث التركيز على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، كذلك النفسية.
التعدد في الزواج يجد مبرره القوي لسهولة تمثل فكرته واستيعابها في مجتمع يطغى عليه التقليد بسُلطة خارقة، فتجد البعض يقدم المبادرة في موضوع التعدد ويشجع عليه كفرد فاعل في خدمة مجتمعه من باب أنه يساهم في «إنقاذ» الفتيات من أشباح العزوبية والعنوسة، ولو أنه يمتلك شيئا حقيقيا يتجاوز متعة نفسه لتنازل عن قصة «السيد وجواريه» ثم قدم اقتداره المادي وساعد في تحفيز غيره من العاجزين الشباب عن الزواج والذين لا يقلون عجزا عن فتيات «عوانس» تطرح قضية العنوسة نسبة إليهن في كل موقف أكثر منهم كرجال.
إن حصر رغبة الموقف في الزواج واختياره ومبادأته على الرجل «الراغب» أسقطت عنه عيب حالته كفرد غير متزوج باختلاف الظروف ولو بلغ الخمسين، بينما جعل المرأة كطرف تابع في صورة السلعة المعابة وغير المرغوب بها إذا تجاوزت السن المحدد للزواج رغم اختلاف ظروفها أيضا، لكن لا أحد يناقشها في تلك الظروف أو يجعل منها مبررا، فالمجتمع يخضع لمنطق محدد في ظل غياب الأفاق الأخرى، حيث يربط حظها ومستقبلها بالرجل حتى ولو كان على حساب دراستها أو عملها، إذ لا ينظر لمجال التعليم والعمل كجانب حيوي في حياة المرأة، إنما ينظر إلى أن جوهر وجودها في الكينونة ليس مرتبطا إلا بإسعاد الرجال، مما جعل الحالة خاضعة لمزاج الرفض أو القبول لدى الرجال، الأمر الذي يعني بالضرورة منحها القيمة أو سلبها منها!
وضع المرأة كمحور إشكالية لظاهرة العنوسة يرسخ دونيتها ويحدد دورها في إطار يجردها من كل معنى إنساني، ثم يصورها كأداة للمتعة والإنجاب فقط، فالتربية التقليدية ساعدت في إنتاج ممارسات اجتماعية تمييزية تقوم على معايير خاطئة تجاهلت مشاكل الشباب وأفكارهم حول الزواج في الوضع الافتراضي، إضافة إلى مسألة العزل الطويلة التي حجبت من إمكانيات التعامل بين الجنسين مما صعب التعارف والارتباط في ظل استيعاب اجتماعي مسؤول يغيب بشكل تام في مجتمعنا المكبوت والمهووس بالعفة.
ظاهرة العنوسة نتاج لتعقد اجتماعي ثقافي واقتصادي وقع المجتمع بجنسيه ضحية له، فالحلول تبدأ بالمعالجة من خلال دراسة هذه الأبعاد والبحث في طرق إصلاحها بالشكل الذي يعيد البناء الإنساني إلى طبيعته.