شؤون خليجية -
دونالد ترامب: "سندرس وقف شراء النفط من السعودية إذا لم تقدم الرياض قوات لقتال تنظيم الدولة"، تحمل تهديدات المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية للرياض ودول الخليج، دلالات خطيرة، على الأمن القومي السعودي والخليجي، فهي محاولة ابتزاز ومقايضة ومساومة للمملكة والخليج، بهدف جرهم إلى حرب برية مفتوحة ضد داعش، مقابل ما أسماه بثمن "الحماية الأمريكية"، وإلا فإنه سيهدد مبيعات النفط، أو يطلب أموالًا لتمويل الحرب الدولية ضد داعش.
الخطير أن "ترامب" يريد إعادة تشكيل خارطة التحالفات بالمنطقة، وبالذات التحالف (الأمريكي - الخليجي) على أسس ومفاهيم تحمل نبرة إهانة واحتقار ونظرة استعلائية فوقية، فأمريكا هي "حامي المنطقة" برأيه، وعلى دول المنطقة النفطية أن تدفع الثمن بأموال وبنشر قوات برية، بما يعزز رغبة أمريكية في أن تكون دول الخليج أداة وترسًا يدور في الفلك والمخطط الأمريكي، ويأتمر بأمرها، وإلا فلا حماية ولا نفط، وتكريس لمعادلة جديدة الحماية مقابل الحرب والمال. حرب برية مفتوحة ضد داعش، تمثل مستنقعًا كبيرًا، ليس له حدود زمانية أو مكانية في ظل الانتشار الكبير لداعش في دول آسيوية وإفريقية، ما سيجعل مشاركة أي قوات برية (سعودية - خليجية) بمثابة استنزاف طويل الأمد بحرب (سنية - سنية) خطيرة.
الأكثر خطورة أن تصريحات "ترامب" لا تعكس مجرد وجهة نظر لمرشح محتمل، بل سياسة الحزب الجمهوري وأعضاء له بمجلس الشيوخ الأمريكي ووزارة الدفاع الأمريكية، حيث طالبوا بدور أكبر للدول السنية في محاربة داعش، وبذل المزيد من الجهد من قبل ما أسموه القوات المحلية.
وإذا كانت هذه هي تهديدات ترامب فوق الطاولة، فهل هناك تهديدات أخرى خفية لم تعلن بعد، لكنها تجري في الخفاء؟
دونالد يطلب ثمن الحماية
قال دونالد ترامب: إنه "ينبغي على الدول التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن هذه الحماية، حتى الدول التي تملك موارد ضخمة مثل السعودية"، وأضاف "ترامب" المتقدم في المنافسة للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنه قد يوقف استيراد النفط من السعودية ما لم تشارك الأخيرة، بجيشها في قتال تنظيم "الدولة الاسلامية"، أو تعوض الولايات المتحدة عن الجهود التي تبذلها في محاربة التنظيم.
وجاءت تعليقات ترامب التي أدلى بها يوم الجمعة، ضمن مقابلة مطولة تمحورت حول السياسة الخارجية نشرتها الصحيفة يوم السبت، وكان ترامب يرد على سؤال حول ما إذا كان ينوي- في حال انتخابه رئيسًا- وقف شراء النفط من الدول الحليفة للولايات المتحدة، ما لم تتبرع هذه الدول بقوات لمحاربة التنظيم المذكور، واجاب ترامب، "الجواب هو ربما نعم."
وقال ترامب: "إنه ينبغي على الدول التي تتمتع بحماية الولايات المتحدة أن تدفع ثمن هذه الحماية، لن تبقى السعودية طويلًا دوننا.. لا نسترد مقابل ما ننفقه من خدمات ضخمة نقوم بها لحماية العديد من الدول، الآن السعودية واحدة منها من هذه الدول".
دونالد ترامب المرشح المحتمل بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الثامن من نوفمبر 2016، معروف بمواقفه العنصرية والعدائية ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين، ويرى أن "الإسلام يكره الولايات المتحدة".
ابتزاز وخلل استراتيجي
تكشف تصريحات ترامب عن محاولة ابتزاز ومقايضة للسعودية والدول الخليجية النفطية، بمحاولة إقحامها بقوة في حرب برية مفتوحة ضد داعش، الخطير أن ترامب لو جاء رئيسًا لن يساوم فقط على ملف بيع النفط السعودي، بل يملك أدوات ضغط كثيرة، منها حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان والقواعد العسكرية الأمريكية، وملف صفقات السلاح الأمريكية للخليج، بتوقيت تخوض فيه حربًا على عدة جبهات ضد إيران وأذرعها بالمنطقة.
المثير للقلق أن طلب ثمن الحماية يعكس خللًا كبيرًا في سياسة التخطيط الاستراتيجي لدول المنطقة، ويتطلب قوة ردع خليجي، بتنويع مصادر التسليح، وتعزيز أنظمتها الدفاعية، وتقليل الاعتماد على القواعد العسكرية وحاملات الطائرات الأمريكية، فقد يكون التهديد القادم لدونالد ترامب سحب حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" المهمة لأمن الخليج، وتأمين حركة الملاحة التجارية، والتي جاءت لتسد فراغ سحب حاملة الطائرات الأميركية ثيودور روزفلت نهاية العام الماضي.
أمريكا والقوات البرية السنية
كشفت سلسلة من التصريحات المتتالية لأعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري، ووزارة الدفاع الأمريكية، عن توجه مشابه لدونالد ترامب فيما يتعلق بضرورة الزج بقوات برية سنية لمواجهة داعش، بما يحمل من مخاطر كبيرة تنذر بالمزيد من التفتت وتفخيخ دول المنطقة، التي ستتعرض لردات فعل انتقامية، وقد تشعل نار الحرب المذهبية في حال مواجهة هذه القوات البرية للميليشيات الشيعية، بحسب مراقبين.
فهل هناك فخ أمريكي لدول الخليج للسقوط بمستنقع داعش، وسط تحليلات تتهم الولايات المتحدة نفسها بصناعة داعش، لإعادة الاحتلال التقليدي لدول المنطقة والهيمنة على ثرواتها النفطية، في ظل سيناريو عرقنة ليبيا ودول المنطقة.
في 29 نوفمبر 2015، دعا عضوا مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الجمهوري جون ماكين وليندسي غراهام، إلى تشكيل قوة من 100 ألف جندي أجنبي معظمهم من دول المنطقة السنية، إضافة إلى جنود أميركيين، لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا، فيما اعتبر ماكين أن حشد العدد الأكبر من هذه القوة لن يكون صعباً على مصر.
ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وغراهام، العضو في تلك اللجنة، انتقدا بشدة الاستراتيجية الأميركية الحالية، ووصفاها بأنها غير كافية وغير ناجحة في التصدي للتنظيم، وهو رأي "دونالد ترامب" المرشح عن الحزب نفسه.
وتتلخص هذه الاستراتيجية في شن غارات جوية على مواقع داعش في العراق وسوريا، لدعم القوات البرية المحلية التي تتلقى أسلحة أميركية وتدريبًا، ماكين، قال للصحفيين في بغداد ردًا على سؤال حول حجم القوة اللازمة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية: "أعتقد أن 100 ألف سيكون الإجمالي المطلوب، حشد هذه القوة لن يكون صعبًا على مصر، سيكون صعبًا على السعوديين، كما سيكون صعبًا على الدول الأصغر"، ولكن تركيا كذلك يمكن أن تساهم بقوات.
البنتاجون طالب بإرسال قوات خاصة
ليس فقط أعضاء بمجلس الشيوخ، بل إن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر نفسه قال في 9 ديسمبر 2015، في جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، حول الاستراتيجية الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، إن استراتيجية الرئيس أوباما تنص على نقل الحرب إلى العدو حيثما كان، والعمل مع قوات محلية على الأرض بصفتها السبيل الوحيد لتحقيق انتصار دائم، وشدد على أن "القوات الأميركية يمكنها أن تساعد القوات المحلية وستعمل على مساعدتها، لكن لا يمكن أن تعوضها."
وقال أيضًا: إن الإدارة الأميركية طلبت من حلفائها إرسال وحدات خاصة لتفعيل الحرب ضد داعش، مؤكدًا عزم وزارة الدفاع إرسال المزيد من القوات الأميركية الخاصة إلى العراق وسوريا، من أجل تدريب وتجهيز القوات التي تحارب داعش على الأرض، إضافة إلى شن عمليات محددة