مركز العلاقات الخارجية الهندية- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
بعد ثمانية أشهر من زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، يتجه رئيس الوزراء الهندي «ناريندا مودي» إلى شبه الجزيرة العربية مرة أخرى، هذه المرة إلى المملكة العربية السعودية. هناك أسباب واضحة لهذه الرحلة التي تمتد لمدة يومين وتبدأ يوم السبت المقبل الموافق 2 أبريل/نيسان. تعد المملكة العربية السعودية هي المورد الأكبر للنفط إلى الهند وهي تستضيف 2.8 مليونا من المغتربين الهنود. وتعد المملكة العربية السعودية أحد أبرز المرشحين للاستثمار في الهند. إلى جانب ذلك، فإن المملكة العربية السعودية والقادة الهنود قد اعتادوا بشكل روتيني تبادل الزيارات رفيعة المستوى على مدى العقود الماضية. ولكن هذه الرحلة تحمل ما هو أكثر من البروتوكول المعتاد.
منذ تنصيبه رئيسا للوزراء في مايو/أيار عام 2014، شارك «ناريندرا مودي» في إصلاح الدبلوماسية الهندية، ليس بإعادة ضبطها كلية ولكن عبر صقل المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية للهند. وقد توقع العديد من المعلقين أن تكون أول زياراته إلى غرب آسيا موجهة إلى (إسرائيل) وقد ذهلوا بشكل كبير عندما اختار السفر إلى أبوظبي ودبي. والآن، حان دور المملكة العربية السعودية.
وقد جاءت نقطة التحول في العلاقات بين البلدين مع زيارة الملك الراحل «عبد الله» إلى الهند في يناير/ كانون الثاني عام 2006، عندما حل كضيف شرف في عيد الجمهورية. المملكة العربية السعودية، أيضا، قد شرعت في «سياسة التوجه نحو الشرق» الخاصة بها. يحتاج السعوديون إلى تأمين عملاء طويلي الأمد للنفط الخاص بهم في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة تحتاج إلى خدماتهم بفعل الصخر الزيتي. الهند والصين هما القبلة المثلى للمملكة العربية السعودية حيث الاقتصاديات سريعة النمو مع عدد مرتفع من السكان واحتياجات متزايدة من الطاقة.
بين الرياض وإسلام أباد
بغض النظر عن حالة علاقاتها مع الولايات المتحدة، المنخفضة جدا في الوقت الحالي، فإن المملكة العربية السعودية تواصل البحث عن شركاء مستقرين وموثوق بهم وليس حلفاء جدد ليحلوا محل الأمريكيين. وقد نجا التحالف السعودي الأمريكي من الكثير من الاضطرابات خلال العقدين الماضيين تجعل من الأسلم أن نفترض أنه لن يحل كليا خلال المدى المنظور. في أي حال، لا الصين ولا الهند لديهما اهتمام أن يحلا محل الولايات المتحدة في منطقة الخليج، حتى لا يكون هناك أي سوء فهم حول أدوار أي من القوى.
وبالإضافة إلى النقطتين المذكورتين أعلاه (الاقتصاد والجالية الهندية الكبيرة في البلاد) فسوف يتطرق النقاش إلى عدد من القضايا السياسية. ربما يكون أكثرها حساسية هي تلك المتعلقة بباكستان وإيران.
قبيل زيارة «مودي»، أصر وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» أن تؤكد على أن علاقات السعودية مع باكستان لن تأتي على حساب العلاقات مع الهند. ما لم يذكره «الجبير»، ولكنه مفهوم ضمنا بالضرورة، هو أن تعزيز العلاقات السعودية مع الهند لن يؤدي إلى تهدئة علاقاتها مع بلد «كان وسيظل حليفا تاريخيا لها».
أفضل طريقة لتوضيح أهمية باكستان للمملكة العربية السعودية هي الزيارات المتسارعة إلى إسلام أباد التي قام بها كل من «عادل الجبير» وزير الخارجية ونائب ولي العهد ووزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان» بشكل منفصل في يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن تحفظت باكستان على إعلان مشاركتها ضمن التحالف الإسلامي الذي يضم 34 دولة والتي كانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت عنه في وقت سابق. ومع ذلك، فإن الرياض لا تستطيع أن تخفي انزعاجها من الرفض الباكستاني، بداية من رفض إرسال قواتها إلى اليمن بعد قرار من البرلمان الباكستاني في إبريل/نيسان 2015 وانتهاء إلى التحفظ بشأن الانضمام إلى تحالف مكافحة الإرهاب التي أعلنت عنه السعودية في ديسمبر/كانون الأول. كانت هذه فرصة سانحة يمكن للهند الاستفادة منها على سبيل المثال من أجل الحصول على موافقة المملكة العربية السعودية على بيان مشترك يدين الدول التي تستخدم الدين لرعاية الإرهاب كما فعلت ذات الأمر بنجاح مع دولة الإمارات العربية المتحدة في أغسطس/آب الماضي.
التعامل مع طهران
سوف يكون الاختبار الحقيقي متمثلا في إيران. تتمتع دلهي بعلاقات جيدة مع طهران، وعلى شاكلة سلوك الهند مع باكستان، فإن المملكة العربية السعودية تميل إلى الحكم على شركائها مقياس علاقاتهم الخاصة مع إيران. من غير المرجح أن الرياض ستضغط علنا على الهند من أجل النأي بنفسها عن إيران، ولكن إذا حدث ذلك، فإن الهند لن يكون لديها خيار سوى مقاومة هذه الضغوط. ن الناحية الاستراتيجية، الهند تحتاج إيران: للمساعدة في استقرار الوضع في أفغانستان؛ لتوريد النفط والغاز؛ وكممر إلى آسيا الوسطى عبر ميناء شاباهار. وعلاوة على ذلك، فإن الهند يجب عليها أن تنأى بنفسها بأي ثمن عن الفتنة الطائفية وتأليب المملكة العربية السعودية ضد إيران، على الأقل نظرا لكون الشيعة يشكلون ربع نسبة المسلمين الهنود.
يجب على الهند أيضا مقاومة إغراء لعب دور الوساطة بين الغريمين الخليجيين. كل من الرئيس الصيني «شي جين بينغ» ورئيس الوزراء الباكستاني «نواز شريف»، عند زيارة الرياض وطهران في يناير/ كانون الثاني، لم يجرؤا على القيام بذلك. في الواقع، هذا هو الانقسام الذي لا يمكن لأحد أن يعلب خلاله دور الوسيط في الوقت الراهن.
بالإضافة إلى ذلك، سوف يجد الملك «سلمان» و«ناريندرا مودي» أرضية مشتركة لتكثيف التعاون ضد «الإرهاب الجهادى». وهناك بالفعل قدر من التعاون الاستخباراتي الفعال، رغم عدم الإعلان عن تفاصيله، والذي أدى إلى ترحيل عدد من الإرهابيين المشتبه فيهم إلى الهند، بما في ذلك «أبو جندل»، المرتبط بهجمات مومباي. «الدولة الإسلامية» أيضا تمثل عدوا مشتركا، لقد جعلت من الواضح أن العائلة المالكة السعودية في قمة أهدافها، في الوقت الذي يمثل فيه التنظيم مصدرا رئيسيا للقلق بالنسبة إلى المخابرات الهندية.
قد يختلف القادة الهنود والسعوديون على مجموعة واسعة من الموضوعات ولكن من غير المرجح لكنهم من غير المرجح أن يظهروا هذا الخلاف علنا على كل حال. من ناحية أخرى، فإن البلدين يبدوان بحاجة إلى بعضهما البعض في قضايا يعتبرها كل البلدين حيوية من وجهة نظره الخاصة. وهذا هو الأساس المتين الوحيد لعلاقات طويلة الأمد بين البلدين.