خالد السيف- الشرق السعودية-
سمنون بن حمزة الخواص المتوفى في العام: «298» أحد مشايخ الصوفية الأكثر اعتدالاً والأوفر تأثيراً فيمن يتلقّون عنه إذ كان يُضرب به المثل في: «المحبّة» وله مقامٌ مشهودٌ – من مقامات العبودية – مشهور، حتى روي عن إبراهيم بن فاتك أنّ أموراً كانت تجري لسمنون حين يُحدّث الناس في المسجد الحرام مالم تكن تَحدث لغيره بحسبانها ضرباً من: «كرامات» اشتهرت له وعُرفت به!.. وذكر المترجمون له – كابن كثير وآخرين – أنّ له من الأوراد قرآناً وذكراً ما ليس ينشط لمثله إلا قلة من العُبّاد الخُلّص.. قال ابن كثير: كان ورده من التنفل في كلّ يومٍ وليلة خمسمائة ركعة..!
واختُّص بنظم جّل قصائده في: «المحبة الإلهية» على نحوٍ لم يُسبق إليه، ما جعل معظم أشياخ البصرة وأكابر صالحيها لا يفترون عن الثناء عليه.. وما كان اسمه بالذي يُتداول مجرّداً بل إنهم – الأشياخ – فضلاً عمن سواهم يتقدمون اسمه بـ: «المحب» بين يدي الحديث عنه.. ولئن ذُكر هذا الوصف مطلقاً: «المحب» فإنه لا يُمكن أن يَنصرف في عصره إلا له بيد أّنه أضاف بنفسه إلى لقب: «سمنون المحب» لقباً آخر وهو: «سمنون الكذّاب» جراء قصة مشتهرةٍ/ معروفةٍ قد حدثت له إذ كان قدح شرارتها بيتين من الشعر قال فيهما:
وليس لي سواك حظٌ/ إن كان يرجو سواكَ قلبي/ فكيفما شئت فامتحنِّي/ لا نلتُ سُؤلي ولا التمنِّي
فأخذه العُسر من ساعته أي: «حصر البول» فكان يدور على المكاتب – لتعليم القرآن – ويُفرّق الجوز على الصبيان وهو يقول: ادعوا لعمكم الكذّاب.
وحكى أبو نعيم الأصبهاني عن أبي بكر الواسطي أنه قال سمنون: يارب قد رضيتُ بكلّ ما تقتضيه عليَّ فاحتبس بوله أربعة عشر يوماً فكان يتلوّى كما تتلوى الحية يتلوى يميناً وشمالاً فلمّا أُطلق بوله قال: قد تُبت إليك. قال أبونعيم: فهذا الرضا الذي ادعى سمنون ظهر غلطه فيه بأدنى بلوى!! مع أنّ سمنون هذا كان يضرب به المثل وله في المحبة مقام مشهور.
انظر: «الاستقامة والتحفة العراقية لابن تيمية وحلية الأولياء لأبي نعيم والرسالة القشيرية والبداية والنهاية لابن كثير»
(ادعوا لعمكم الكذاب) تشي بتراجعه – وضعفه – إذ لم يقو على هذا الابتلاء وتبدّى لكلّ من يراه في حالة «جزعٍ» لم تكن تتصوّر ممن هو في مقامه!! ليؤوب ثانيةً إلى التأدب بآداب: «العبودية» في حالة افتقارٍ لتوبةٍ تُعيده إلى رشده ويكفُّ عن: «طلب الامتحان» الذي لم يفقه ويعرف أنه لوازم وعواقب لا قِبل له استطاعةً بالصبر عليها.. وسؤال ربه: «طلب الامتحان» ابتغاء تحقيق منزلة: «الرضا» كان مبعثه فيما يظهر من سيرة: «سمنون» تحقيقاً لمنازل مقامات: «إياك نعبد وإياك نستعين» إلا أنه قد شابه شيءٌ من: «إعجاب» خفيٍّ قد جاء في سياق: «المحبة» وتلك عَرضٌ من حالات: «الشهوة الخفية» التي لا يُتفطنُ إليها.!!
وفي الترمذي عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلامٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَعَدَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة الحديد آية 1، يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ سورة الصف آية 2، حَتَّى خَتَمَهَا»، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: «فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى خَتَمَهَا»
وقد قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»
وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ، قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ. قَالَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ شَيْئًا؟» قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَذِّبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ، لَنْ تَسْتَطِيعَهُ أَوْ لَنْ تُطِيقَهُ فَهَلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
وفي الصحيحين أنّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -:
قام في النَّاس فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمنَّوْا لِقَاءَ العدُوِّ، وَسلُوا اللَّه العافِيةَ، فإذا لقِيتُمُوهُم فَاصبِرُوا»
تبقّى أن أسألكم عمّا يلي:
* كم من: «سمنونٍ كذّاب» يعيش بيننا اليوم؟! وإلى متى ونحن نداريهم على حساب صحة المنهج واستقامة طريقة التدين؟!
* في زمن: «التصوير.. وهياط الاحتساب عبر تويتر» وذبح «الإخلاص» من الوريد إلى الوريد هل يصحّ السكوت عن تنامي مثل هذه الظواهر «المشينة» بدعاوى زائفةٍ ليس عليها أدلةٌ صحيحة ولا عقول صريحة..؟!
* مَن هم الذين يتولّون إشاعة مثل هذه الثقافة (ثقافة التزكية للأنفس)؟! بطرقٍ خرجوا بها عن سنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – قال ابن تيمية «والرسل – صلوت الله عليهم – أعلم بطريق سبيل الله وأهدى وأنصح، فمن خرج عن سنتهم وسبيلهم كان منقوصاً مخطئاً محروماً..»
* أليس في افتضاح شأن: «الكذّابين» ما يُجنّبنا «ترميز» من ابتلوا – عافاهم الله – ببلوى التمحور حول ذواتهم حتى إن بعضهم جعل من نفسه هو «الدين» فمن يختلف معه/ أو يخطئه إنما هو يُناصب الدين العداء ويُخشى عليه بالتالي أن يكون – مَن اختلف مع فضيلته – قد أتى ناقضاً من «نواقض الإيمان» ثُمّ يأتي من يسأل: من أين أتت «داعش» وكيف تأتى للداعشين الاعتقاد بصحة مسلكهم فانتهى بهم الأمر إلى التخوض بالدماء المعصومة والقتل باسم الله وفي ابتغاء ما عند الله؟…!