محمد الساعد- عكاظ السعودية-
عندما توفي الوزير والشاعر غازي القصيبي -رحمه الله - قبل بضعة أعوام، قال بعض أدعياء التدين إن موت «القصيبي» إثر مرضه العضال، جاء بعد دعائهم عليه وبسبب أمنياتهم فيه، يمضون في قولهم ذلك وكأن الله الرؤوف الرحيم يسير في مشيئتهم – لا سمح الله، بينما «الرحمن» يقول: «لقد سبقت رحمتي غضبي».
لم تمض بضعة أشهر أخرى حتى خرج دجالون آخرون، يدعون أن مفاتيح الموت والحياة معلقة في بيوتهم، والمرض والشفاء في جيوبهم، وسيرسلونها على من يريدون، وكان على رأس أجندتهم الوزير عادل فقيه لأنه وظف النساء الفقيرات، ولم ينفذ أجندتهم الحزبية.
القصيبي وفقيه ليسا وحدهما، فطوابير المغضوب عليهم الماضين إلى «عذاب» الحزبيين كثيرون، من طارق عبدالحكيم وطلال مداح ومحمد عبده، وناصر القصبي والسدحان، إلى محمد الثبيتي ومحمد العلي، وليس انتهاء بمحمد علوي مالكي، وعبده يماني، مرورا بالمصورين والنحاتين، والفنانين والشعراء والروائيين والكتاب، وكل من لا يسير في ركبهم ويتبع ملتهم.
غاية أمنياتهم أن يحكمونا في الحياة، ففي الغيب يطلقون أحكامهم، وجزمهم وادعاءاتهم، فلا أحد يعلم ما وراء هذه الدنيا غير رب الكون، ولذلك يستثمرون هذه الغيبيات لصالحهم، إلا أن ذلك لم يرو عطش نفوسهم التواقة للانتقام من الآخرين، ولو قدر لهم ما قدر للبغدادي لرأينا ما تشيب له الولدان.
بالأمس سار الكاتب السعودي عبدالرحمن الوابلي -رحمه الله- إلى ما يسير إليه كل البشر، فخرج نفس المرضى دميمو الأنفس والخلق يشمتون بموته، فرحين بمغادرته، مخاصمين من يترحم عليه، مؤكدين في تأل آخر على الله، أنه ذاهب ليلقى عقابهم الشديد.
أسأل ماذا لو أن «الخريف العربي» اخترقنا كما تمنى الحزبيون الانقلابيون، ونجح قطاع الطرق والحياة في الاستيلاء على حياتنا وأقدارنا، أي بحور من الدم سيسيلونها في شوارعنا، وأي مشانق سترفع في ساحات مدننا، وأي سيوف ستمضي في أجساد شعبنا.
هذا هو برنامجهم الحزبي، السياسي والديني الذي يقدمونه لنا، والذي طبقوه واقعا في الرقة والموصل وسرت وحلب وتدمر.
الغريب أن نفس الجزارين حزازي الرقاب، ممن يدعون أن لديهم مفاتيح الجنة والنار، لم يتحدثوا بكلمة سوء واحدة عن الإرهابي المقبور بن لادن ولا عن عبدالعزيز المقرن، كما لن يسيئوا لـ«سويلم الوريلي»، وهو المتورط في عمليات تخريب وقتل وتفجير، ووجد عنده امرأة صديق له مختف في سوريا، يعاشرها بالحرام مدعيا أنه تزوج «المتزوجة».
مدهش أن نفس الأشخاص الذين يدعون دوما أنهم وكلاء الله في الأرض، ولديهم حق حصري للعقاب والجزاء والموت والحياة، لم تحركهم أي مشاعر ضغينة تجاه «الداعشي» الذي ارتكب كل المحرمات باسم الجهاد -والجهاد والتدين منهم براء، فالرويلي استباح المحرمات، وقتل الآمنين، وعاشر المرأة المتزوجة، وخان صاحبه ورفيقه في عرضه، وقبل ذلك خان وطنه.
نحن نعيش اليوم واحدا من أكثر عصور الكراهية سوادا، حيث الطفيليون الذين حملتهم الأقدار من مشارف الجهل إلى منابر الكره، هم الواقفون على أبواب التدين، فشوهوا الدين العظيم، ونفروا الناس من الولوج إلى رحماته.