عادل الحربي- الرياض السعودية-
لا أعتقد أن أي جهة حكومية تتجرأ على اقامة فعالية دون الحصول على إذن رسمي من مرجعيتها النظامية، والكثير من الفعاليات التي يطاردها من يسمون أنفسهم ب "المحتسبين" هي مناسبات رسمية ضمن برامج رسمية؛ الاعتراض عليها هو بحد ذاته مخالفة للأنظمة، واعتراض على جهات حكومية تتحرك وفقاً للنظام.
ولمن يسمون ب "المحتسبين" أساليبهم في مراوغة اشكالية "الأجهزة الحكومية" ومأزق "نظامية الفعاليات" وذلك عبر شخصنة الاختلاف وربطه بشخصية المسؤول عن هذا الجهاز ورميه بتهمة "التغريب واستهداف المجتمع"؛ فيغدو الأمر أن لا خلاف لهم مع الأجهزة الحكومية وإنما قضيتهم مع الشخص "التغريبي".
الأدهى أن يتحول موظف حكومي إلى "محتسب" يسترشد بدليل من "عندياته" يحدد المنكر وفقاً لاجتهاداته، فلا إدارة توجهه وتضبط سلوكه ولا دليل إرشادي يحدد مهامه.. وربما "يحتسب" على أجهزة حكومية أخرى تساوي جهازه في مسؤولياتها ومرجعيتها.
ثم الأدهى أيضاً أن يلبس المجتمع على هذا "المخرب" صفة مخففة ومجاملة ويسمى "محتسبا" تسليماً بسلطته وإذعاناً لتماديه، ويصبح الذي يقتحم مناسبة بقصد تعطيلها محتسباً، وليس مخالفاً للأنظمة؛ يستحق العقوبة النظامية شأنه شأن أي مخرب يعتدي على الناس بالقول أو الفعل، وجزاؤه في الحالات الطبيعية إحالته للأجهزة المعنية ليعود سوياً وتهدأ روح التخريب في داخله.
ويفترض أن يكون لنا في نص بيان وزارة الداخلية بشأن موظفي "الهيئة" الذين تجاوزوا صلاحياتهم في قضية "فتاة النخيل" مثال؛ لما يجب أن يكون عليه التعامل مع كل من يخالف النظام ويتعدى على الناس استجابة لهواجسه وأوهامه، حيث قالت الداخلية في نص بيانها إنه تم "إيقاف المتورطين.. للتحقيق معهم فيما نسب إليهم من مخالفة نظامية"، وهنا نلاحظ أن وزارة الداخلية أوقفت "متورطين" يعملون في جهاز حكومي..
وغني عن القول أن حكم "المحتسبين المتطوعين" سيكون أشد لو تعاون المجتمع لوقفهم عند حدهم وعدم الانصياع لهم وإبلاغ الجهات الرسمية بأي تجاوز من هذا النوع وعدم تبريره بأنه اجتهاد أو احتساب، لأن ما يسمونه اليوم ب "الاحتساب" هو بذرة لما هو أخطر.. إذ يمثل سلوك اعتراض موجه لرفض فعالية تمت تحت عين ورعاية جهات حكومية، لمجرد أنه يعتقد باستيعابه البسيط أنها مخالفة لوعيه وإدراكه وما اعتاد عليه، لذلك تكمن الخطورة في تحول هذا "الاحتساب" إلى عمل أكثر تنظيماً يخرج من عباءة الاجتهاد إلى سراديب التنظيم وتوزيع المهام ثم إلى مجاهيل الاعتراض بالتفجير والتفخيخ.
ومن المهم ألا نأخذ "الاحتساب" بحسن نية ونعتقد أنه مجرد "اجتهاد" حتى لا نلدغ من جحر "الغفوة" مرتين.