«على الرغم من الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الرياض في نيسان/أبريل وزيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة هذا الأسبوع، لا يزال التوتر ملموساً في العلاقات الأمريكية - السعودية. ويعتبر خبير الشؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سايمون هندرسون أن السعوديين "فقدوا أساساً إيمانهم بإدارة البيت الأبيض برئاسة أوباما" و"هم ينتظرون اليوم الذي تنتهي فيه ولاية إدارة أوباما". بيد، يضيف هندرسون أن المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة في توفير الأمن لها، و"ترغب في توطيد العلاقات الأمريكية - السعودية عبر إقامة علاقة إمدادات عسكرية قوية"».
ذي سايفر بريف: ما هو الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية؟
سايمون هندرسون: العلاقة ليست جيدة في الوقت الراهن، وهذه نتيجة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة الماضية. وإذا أردنا تحديد تاريخ لتدهورها، فهو يوم اتخذ الرئيس أوباما القرار بوضع خط أحمر في سوريا (بشأن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية) ثم الابتعاد عن هذا الخط. ومنذ ذلك الحين تفاقمت الشكوك السعودية حول ما إذا كان الرئيس أوباما إلى جانبهم. وبكل صراحة، لم يفقد السعوديون إيمانهم بالولايات المتحدة، بل بالبيت الأبيض في ظل حكم أوباما.
وقد تأكدت صحة ذلك، على الأقل في ذهن السعوديين، حين أجرى الصحفي جيفري غولدبرغ مقابلة مع الرئيس الأمريكي لمقالته عن "عقيدة أوباما" في مجلة "ذي أتلانتيك". فقد تعرّضت السعودية لتعليقات انتقادية، بشكل مباشر أم غير مباشر، أكثر من أي دولة أخرى في العالم، سواء من الدول الحليفة أو غيرها. فالمملكة تتحيّن لحظة انتهاء ولاية الرئيس أوباما. أما الخيار المتأرجح ما بين هيلاري كلينتون المدعومة من الديمقراطيين اليساريين أو دونالد ترامب الذي يشكل لغزاً بالنسبة للسعوديين بقدر ما هو لغز لأي أحد آخر، فيُعد ذلك مشكلة سيتطرقون إليها يوماً ما في المستقبل. لكنهم يتطلعون حالياً، إلى الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد أوباما، بغض النظر عّما ستكون عليه.
ذي سايفر بريف: ما هي الخطوات التي يمكن للرئيس المقبل اتخاذها لرأب الخلافات التي نشأت في هذه العلاقات؟
سايمون هندرسون: ثمة تداخلات جمّة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، كما هناك بعض الخلافات أيضاً. إنها علاقة تحتاج للإدارة بقدر أي علاقة أخرى، ولعلها تحظى بقدر أكبر من الإدارة من أي علاقة أخرى. والأمر الذي لا يساعد هو أن موقف السعودية من دور المرأة غير مستحبّ في الولايات المتحدة، وخاصة عندما يقوم السعوديون بقطع رأس شخصٍ ما في الشارع. وهذا ليس بالأمر الذي يمر مرور الكرام في عصر الـ "يوتيوب". وكذلك الأمر حين يجلدون أحد المدوّنين، فهذا أمرٌ آخر لا يمر مرور الكرام. وقد يعزى هذا كله إلى الفوارق الثقافية.
وينظر السعوديون بشكل عام، والعائلة الملكية السعودية بشكل خاص، نظرة تعاطف إلى الولايات المتحدة، فهم يرون فيها صديقاً وحليفاً ومكاناً يودون زيارته، ويرون فيه الغطاء الأمني الأمثل على الأقل في الماضي. لذلك يجب على الرئيس المقبل، أياً كان، أن يكون قادراً من وجهة نظر السعوديين على إعادة هذه العلاقة إلى مسارها المتوزان.
ذي سايفر بريف: نظراً إلى هذا التوتر الحاصل في العلاقات، هل من الممكن أن تلجأ المملكة العربية السعودية إلى شركاء آخرين - روسيا، الصين، إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر - بحثاً عن روابط أوثق؟
سايمون هندرسون: خيارات المملكة من الشركاء الدبلوماسيين محدودة - لا سيما في مجال الأمن. فالمملكة المتحدة وفرنسا مستعدتان في الواقع للقيام بدور [في نشر] قوة بحرية وجوية في الخليج، وتحتفظان بعلاقات في مجال الإمدادات العسكرية للقوات المسلحة السعودية. ولكن هذه مجرد إضافات على مصدر الاعتماد الرئيسي للسعودية، أي الولايات المتحدة. فالسعوديون يريدون توطيد أواصر العلاقة الأمريكية - السعودية عبر إقامة علاقة إمدادات عسكرية قوية.
وفي المقابل، يسعى السعوديون للحصول على المعدات والذخائر من أوروبا الشرقية. فـ "القوات الخاصة السعودية" تستخدم أحد أنواع بندقية كلاشنيكوف، وفي ذلك شيءٌ من الغرابة. أظنّ أنهم يأملون بذلك فتح خط دبلوماسي مع موسكو. والحقيقة هي أن السعوديين لا يثقون بالروس على الإطلاق، بل يجدون فيهم منافسين في إنتاج النفط ويعتبرونهم أساساً غير جديرين بالثقة.
أما الصين فليست مرشحة فعلية.
بيد أن الخطر الأكبر على السعودية هو إيران، ما يعني على الأرجح وجود رؤية مشتركة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل من الناحية النظرية. ومع أن الاتصالات قائمة بالتأكيد بين الطرفين - وبعضها شبه ظاهر - إلا أن هذا المسار لم ينتهي بعد، ولا أظن أنه يفضي إلى شيء. لقد سُئلت قبل عدة أيام عن إمكانية توجّه السعودية إلى باكستان أو إسرائيل للتزود برادع نووي إذا ما امتلكت إيران السلاح النووي، وأجبتُ بأنني واثق من أنها لا تزال تتطلع إلى باكستان. أما العلاقة الواضحة والعلنية مع إسرائيل فمستحيلة، على الأقل في الوقت الراهن، ذلك أنه لم يتم تحضير الشعب السعودي لمثل هذا الأمر كما أنه لن يكون مقبولاً في كل من العالم العربي والإسلامي الأوسع. من هنا، إذا حدث أن سلكت المملكة هذا المسار، فلن يكون ذلك أكثر من مجرد إضافة في علاقاتها الخارجية. وسيتعيّن عليها إجراء الكثير من التحضيرات الأساسية الأولية في هذا الصدد.
ذي سايفر بريف: ما هو مستوى التعاون الحالي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب؟
سايمون هندرسون: ثمة مجهودٌ مشترك كبير يُبذل في هذا المجال، فالولايات المتحدة تضطلع بمهام الارتباط والتدريب مع الجيش السعودي، ولها مهام ارتباط وتدريب مستقلة مع "الحرس الوطني السعودي" للتأكد من عدم حدوث أي انقلاب عسكري على العائلة الملكية، هذا بالإضافة إلى علاقات أخرى مع وزارة الداخلية. فبخلاف وزارة الداخلية الأمريكية، لا تعنى وزارة الداخلية السعودية بالغابات أو الحياة البرية إنما بالأمن الداخلي.
من ناحية القوة المسلحة الفعلية ، ربما تشكلّ القوى المختلفة التابعة لوزارة الداخلية، سواء من رجال شرطة المرور أو قوى الأمن الداخلي أو حرس الحدود، أكبر قوة مسلحة في المملكة متفوقةً بأشواط على الجيش أو "الحرس الوطني".
وحالياً، هناك علاقة قائمة بين الجانبين، لكن تصنيفها بالعلاقة الجيدة يعتمد على المعيار الذي تتبعه. لقد سمعت أخباراً كثيرة عن وجود علاقة عمل وثيقة بين الولايات المتحدة والسعودية، ولكن قيل لي إنها علاقات شاقة، فهي تسير جيداً على المستوى العملي، إلا أن أي قرار مهم أو ما يشابهه يستدعي تدخل أعلى قيادات المملكة للحصول على الإذن بتعزيز العلاقات أو تطويرها.
ذي سايفر بريف: ما الذي يمكن توقعه من زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة؟
سايمون هندرسون: إن ما استطيع قوله هو أن السبب الرئيسي لوجود الأمير محمد بن سلمان هنا في الولايات المتحدة هو الترويج لرؤية بلده الاقتصادية عن مبادرة «السعودية 2030». وإذا وضعنا جانباً أي تعليقات مسيئة قد تبدر عن البيت الأبيض ومفادها أن الولايات المتحدة لا تملك علاقة طيبة ومستمرة مع السعوديين، فإن المناقشات لن تكتفي بالتركيز على شؤون الطاقة والأمن الإقليمي المعهودة بل ستركّز على قضايا معينة هي: مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتقييد التصرفات المؤذية التي تمارسها إيران في المنطقة. لذلك، طالما أن للأمير محمد اتصالات مع البيت الأبيض وربما أيضاً مع الرئيس، أنا واثق من أن الاسئلة ستطرح من الجانب الأمريكي.
صحيحٌ أن الأمير محمد قوي، ولكنه لا يملك قوة مطلقة. فلائحة الأمور التي تهمّ الولايات المتحدة قد تكون من اختصاص وزير الداخلية السعودي، أي ولي العهد الأمير محمد بن نايف. وهذا يعني أن الأمير [محمد بن سلمان] ليس بالضرورة الشخص المناسب لإجراء محادثات معه في أمور معينة. فهو قادمٌ للترويج للخطة الاقتصادية «السعودية 2030» أمام مجتمع الأعمال الأمريكي، وأعتقد أن رجال الأعمال من هذا المجتمع سيكونون متشوقين للقائه من أجل الاستحواذ على حصة مما يبدو قالباً كبيراً جداً.
سايمون هندرسون- معهد واشنطن-