(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)
من المفترض والمنطقي أن تجربة مؤلمة واحدة كافية لتعليم الإنسان، خصوصًا إن كان مسؤولًا واسع السلطات والصلاحيات، وتتعلق مسؤولياته بحياة الناس، بالمعنى الحرفي.. منذ عامين فقط؛ شهدت المملكة العربية السعودية أسوأ شتاء في 75 عامًا، ومع غياب البلديات والمناطق والمسؤولين والهيئات كانت النتيجة كارثية، وفيات كثيرة كان يمكن تجنبها وخسائر اقتصادية بالجملة، وتوقف كامل في الأنشطة الاقتصادية والتعليمية والخدمية، ولولا العمل المضني لفرق الإنقاذ لكانت المصيبة أعظم وأفدح.
تكرر هجوم الشتاء القاسي في العام الماضي 2023، لكن بدرجة أقل، الغريب أن الفشل كان يسابقه إلى حيث يريد، في العام الحالي 2024 استبق "المركز الوطني للأرصاد" فصل الشتاء بشهر كامل، وأعلن "الإنذار الأحمر" لمنطقة القصيم وعدد من المناطق الأخرى من بينها المنطقة الشرقية المطلّة على الخليج العربي، والعاصمة الرياض ومنطقة المدينة المنورة، محذرًا من أمطار غزيرة تصاحبها رياح شديدة السرعة، وانعدام الرؤية الأفقية، وتساقط البرد وجريان السيول وصواعق رعدية في هذه المناطق.
هل قرأ احد من المسؤولين هذه التحذيرات وبدأ بالفعل في التعامل معها والتجهز لها؟!..
الإجابة سترويها الأيام، كما رأيناها في الأعوام السابقة بالضبط، الواجب الأول على الحكومة والحاكم هو تعزيز الأمن النفسي والمعيشي للمواطن، من دون ذلك لا حديث عن إنجازات أو تطور أو تحديث، إذا كانت مشكلات البنية التحتية في كل المدن السعودية الكبرى بهذا الشكل، فكيف تكون في مناطق أخرى أقل أهمية وأبعد عن الأنظار؟
الرياض التي يسكنها 8 ملايين نسمة تعاني سنويًا أزمة تراكم الأمطار والسيول.. أما مدينة جدة، ومع بنيتها التحتية المهترئة، تتعرض لحوادث مميتة سنويًا، من دون أدنى تفكير في أي حلول لهذه المدينة الحيوية، فضلًا عن المدينة المنورة ثم المنطقة الشرقية.
الأوقح من الأزمة والفشل السنوي في التعامل معها، هو دخول الشركات الأجنبية والبنوك والمؤسسات الكبرى في "مزاد" على "توفير احتياجات المواطن السعودي، وكلها إعلانات ممولة حقيرة، توجه طعنة غائرة للكرامة الوطنية، حين يقف موظفون خلفهم كاميرات لتصوير حصول المواطنين على المساعدات الغذائية والمعيشية، هذه المشاهد وحدها كفيلة، لو كان لدى مسؤول سعودي بعض الكرامة أو الشرف، أن يتنحر على الطريقة اليابانية "الهاراكيري"، هذا لو أدرك ما فيها من إهانة له ولبلده ولمواطنيه.
هذه الظاهرة الساقطة كان لا بد أن يُتعامل معها منذ البداية بكثير من الحزم والحسم، الدولة هي المسؤولة عن مواطنيها، وفي ظروف كوارث طبيعية، فإن ترك الناس لكفالة "المعلنين والمتاجرين" غباء وحقارة معًا. ولم نعاين قبل 5 سنوات هذه الصور على الإطلاق، ولم تكن الدولة تنتظر تدخل هذا المجتمع المدني للقيام بدورها الأساسي في ضمان وصول الاحتياجات الإنسانية الأساسية لمواطنيها وقت أزمة طبيعية، هذه التصرفات لا تخصم من الحكومة، فهي فاشلة غبية قصيرة النظر، لكنها تدمر صورة المملكة التي تنتظر المن والإحسان من أي جهة تريد أن تشارك في حملة الإهانة السنوية الكبرى، تحت شعار أكفل مواطنًا!
في النهاية؛ لم تترجم المشروعات الضخمة، في نيوم والعلا، والتي أهدرت مئات المليارات من الريالات من دون عائد على الإطلاق للأغلبية من المواطنين، بل ويعاني المجتمع الأمرين في ظلّ فيروس التضخم المنفلت، والذي زاده التدخّل المُرتبك للهيئات الحكومية اشتعالًا.. وقد ساعد العجز السنوي المستمر والمزمن في اقتصاد المملكة على تنامي أزمة الفقر، وعلى زيادة أثرها على المجتمع والدّخل الحقيقي للمواطن، والفشل في توفير فرص عمل تدعم الحقّ الإنساني للمواطن السعودي في صناعة فرصته في الحياة، أو في توفير حاجاته بعيدًا عن تجار الكوارث ومنتهزي الفرص.