في 2025/06/09
سناء أحمد إبراهيم
كعادتها في كل عام، شدّدت السعودية، قبيل موسم حجّ 2025، قيودها على المسلمين الراغبين في أداء الفريضة، مقيّدةً حصص عدد من الدول بدعوى «المحافظة على حياة الحجاج وتقديم خدمات متكاملة لهم»، ومطلِقةً حملة أمنية ضدّ وافدين ومواطنين يحاولون دخول مكة المكرمة من دون الحصول على تصريح، وذلك تحت شعار «#لا_حج_بلا_تصريح». إلا أن الإفراط في تسويق شعار «حماية الحجاج» لم يخفِ الخشية من بروز أيّ صوت أو تحرك يمكن أن يعكّر صفو الرؤية السياسية التي تتبنّاها المملكة، أو يشوّش على الفعاليات التي ترعاها «هيئة الترفيه» بقيادة تركي آل الشيخ. ودلّ على ما تقدّم، إقدام السلطات في 27 أيار على احتجاز رجل الدين الإيراني غلام رضا قاسميان، وهو عضو هيئة التحكيم في برنامج «محفل»، على خلفية نشره مقطعاً مصوراً على حسابه في منصة «إكس»، ينتقد فيه تلك الفعاليات من دون أن يسميها، باعتبار أنها «أفقدت مكة والمدينة قيمتهما الإسلامية» (أُطلق سراح قاسميان بعد أيام، ورُحّل إلى بلاده من دون السماح له بأداء المناسك). وكانت منعت السلطات، في 26 أيار، رجل الدين النيجري، أحمد بكر غومي، من دخول مطار المدينة رغم حصوله على تأشيرة حج وتصريح، في ما يبدو مردّه مواقفه الداعمة لغزة والمنتقدة لسياسات السعودية، والتي جدّد تمسكه بها وفقاً لما نقلت عنه صحيفة «دايلي بوست» في 31 أيار، عنه، مشدّداً على أن «له الحق في التعبير والرأي»، ومعتبراً أن «المملكة بوليسية». وفي هذا الإطار، يقول القيادي في «لقاء المعارضة في الجزيرة العربية»، جاسم المحمد علي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «النظام السعودي يضع أي شخصية إسلامية تتفاعل مع قضايا الأمة وتنتصر لها في الدائرة الحمراء، وهذا سلوك بارز في أداء الحكم السعودي وعلاقاته العربية والإسلامية». ويضيف أن «هذا النظام يبحث عن موقع التسيّد على العالم العربي والإسلامي، حتى يحافظ على حضوره الأداتي في المشروع الأميركي؛ ولذا، لم ولن نجده يقف داعماً لقضية الأمة»، واصفاً موقف المملكة من القضية الفلسطينية بـ«السلبي».
وإلى جانب عمليات التضييق تلك، عمدت السعودية إلى تقليص حصص الدول من موسم الحج، مستهدفةً بشكل خاص كلّاً من الهند التي تراجعت حصتها بنسبة 80 في المئة، وباكستان التي حُرم 67 ألفاً من مواطنيها من أداء المناسك، وإندونيسيا التي علّقت المملكة إصدار آلاف التأشيرات الخاصة بها والمعروفة باسم «الفورودا»، علماً أن هذه التأشيرة تُمنح مباشرة من الحكومة لعدد محدد عبر دعوة ملكية شخصية بدلاً من نظام الحصص الرسمي. كما فرضت الرياض قيوداً مؤقتة على مواطني 14 دولة على الأقل، بينها الجزائر، وبنغلاديش، ومصر، وإثيوبيا، والهند، وإندونيسيا، والعراق، والأردن، والمغرب، ونيجيريا، وباكستان، والسودان، وتونس، واليمن، ممن يتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرات زيارة لأغراض العمل أو السياحة أو الزيارات العائلية. وبالمجمل، بلغ عدد الممنوعين من أداء المناسك ضمن حملة «لا حج بلا تصريح»، حتى بداية حزيران/ يونيو الحالي، ما لا يقل عن 269 ألف حاج. وإذ يرى المدير القانوني في «المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان»، المحامي طه الحاجي، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «من حق السعودية أن تضع ضوابط وإجراءات تنظيمية لإدارة الحج وتمنع دخول المخالفين، لضبط المناسك بطريقة تحمي أرواح الحجاج وتسهل عليهم»، فهو ينبه إلى أن «منع الحج لأسباب سياسية، تسييس للفريضة، وهو ما تكرّره السلطات بمنعها أشخاصاً من الحج بسبب آراء أو مواقف سابقة»، لافتاً إلى أن «هذا الإجراء انتهاك لحقوق الأفراد وانتهاك للحريات، فضلاً عن أنه تسييس مرفوض للحج».
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام نيجيرية بأن الحكومة السعودية أوقفت إصدار التأشيرات الإلكترونية للحجاج قبل أيام من بدء الموسم، وهو ما حرم نحو 2717 حاجّاً من المشاركة في المناسك، وحمّلهم خسائر مالية بعد أن دفعوا تكاليف الرحلة والحجز وغيرهما. وعن ذلك، يقول المحمد علي إن «تمركز إدارة الحرمين بيد النظام السعودي، والتعامل بمزاجية مع المسلمين، يبيّن لعامة الأمة وكأن النظام يملك المقدسات، الأمر الذي يحتّم أن ترتفع الأصوات بأهمية إعادة ترتيب الملف الإداري للحرمين الشريفين، عبر تدويل إدارة الموسم». وفي الإطار نفسه، شدّد «مرصد انتهاكات الحج والعمرة»، في بيان موقع من جمع من الشخصيات الدينية والعلمائية الناشطة في عدد من الدول العربية والإسلامية وغيرها، ومن بينها الهند وبريطانيا ومصر والجزائر، على أن «بيت الله الحرام ليس ملكاً لسلطة أو نظام، بل هو وقفٌ للأمة الإسلامية جمعاء، ويجب أن يبقى مكاناً آمناً، محرراً من التوظيف السياسي، متاحاً لكلّ من قصده مخلصاً، من دون خوف أو قيد».
وإلى أبعد من ذلك يذهب المحمد علي، معتبراً أن «الموسم كان ليكون مناسبة عفوية لتجسيد شمولية الرفض الشعبي على مستوى العالم الإسلامي، للاحتلال، والإسهام في الضغط في اتجاه وقف الحرب على غزة، وهو ما تقول السعودية إنها تريده وتسعى إليه. وما كان ذلك ليشكل لها أي حساسية، باعتبار أنه منسجم مع ما يشعر به السعوديون العاديون تجاه فلسطين، ومع الاتجاه العالمي العام الذي يضغط نحو وقف الحرب. لكن ما تقوم به السعودية حالياً هو السير عكس التيار، ما سيرتّب خسائر سياسية على النظام، الذي ينتهج سياسة تستبطن الوقوف عملياً مع قتلة الفلسطينيين في غزة أو على الأقل السكوت على جرائمهم». ومن هنا، يفسر القيادي المعارض سياسة ما يسمّى «ضبط أمن الحج» بأنه «قد يكون من الصعب ضبط سلوك ملايين عدة من الحجاج يُفترض أنهم ذاهبون للتطهّر من الذنوب، وكثيرون منهم يرون أنّ إدانة الاحتلال إحدى طرق التطهّر والتقرّب إلى الله». كما يفسّر تقييد حصص الدول من الموسم بما يعتقد أنه «تقصير متعمّد رغم القدرات العالية لدى المملكة»؛ إذ يعتبر أن «السلطة لا تستطيع أن تنهض بكامل المتطلبات اللوجستية والفنية والأمنية والقانونية التي تحتاجها فريضة الحج، وهذا ما يرجع في الكثير منه إلى الإصرار على الاستمرار في مسار تشكيل عوائق تربك مسيرة الحج والحجاج»، مضيفاً أننا «نجد أن الإخفاقات تتكرر كل سنة من دون القيام بأي معالجة جدية لها». وفي هذا الإطار، يذكّر بـ«ظاهرة الوفيات البشرية التي تكاد لا تنتهي، والغلاء المادي الناتج من استثمار النظام السعودي اقتصادياً للموسم، والمشكلات السكنية التي تتفاقم بين مدة وأخرى».