في 2025/06/09
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
الحج فريضة من أهم وأعظم الفرائض الإسلامية، ولا تقتصر فلسفتها على المناسك وانما لها فلسفة اجتماعية ووحدوية، وهي رسالة سياسية وانسانية كبرى تحمل قيم المساواة والجهاد والوحدة الاسلامية.
والوقوف بعرفة هو الركن الأعظم بالحج، وخطبة عرفة في مسجد نمِرة، هي رسالة إسلامية موجهة إلى جميع الأمة وجميع شعوب العالم، توهي خطبة ُلقى في اليوم التاسع من ذي الحجة،
تأسيًا بالنبي (ص) بعد فتح مكة المكرمة في حجة الوداع، ويوم الوقوف بعرفة، حيث ألقى الخطبة في الموضع الذي بُني عليه مسجد نمِرة، الذي يُعرف أيضًا باسم "مسجد إبراهيم".
وجرت العادة في السعودية على تعيين الخطيب الذي يُلقي خطبة عرفة بتكليف رسمي من ملك المملكة العربية السعودية، وعادة يتحدث الخطيب عن موضوعات وقضايا تخص أمور المسلمين، ويستعرض فيها تطلعاتهم، ويدعوهم إلى التعاون والتراحم فيما بينهم، كما يحثهم على الترابط العائلي، والتمسك بالمبادئ الإسلامية في جميع معاملاتهم اليومية، والإحسان إلى المحتاجين.
وهذا العام،ووفقا للتقارير الرسمية، استقبل مسجد نمرة نحو 1.5 مليون حاج للاستماع إلى خطبة عرفة التى تُنقل بـ 35 لغة مختلفة ؛ حيث أعلنت رئاسة الشؤون الدينية بـ المسجد الحرام والمسجد النبوي إتاحة خدمة الاستماع إلى خطبة يوم عرفة لعام 1446هـ، مترجمة بـ 35 لغة، لتمكين الحجاج من الاستفادة من معاني الخطبة بلغاتهم الأم.
وما يرد بمضامين الخطبة من دعوة للترابط ودعوات للقيم الاخلاقية والدينية، لا يشكل خلافا، وهو أمر محمود، ولكن هناك قصور كبير في الجانب السياسي والذي لاغنى للدين عن تناوله، بل ولا غنى لخطبة عرفة عن التطرق اليه .
ولا تكاد خطبة لعرفة تخلو من التطرق الى السياسة رغم دعاوى عدم تسييس الحج، وهو ما يعني أن العدوان على الأمة يتجاوز نطاق التسييس المقصود حتى من جانب الجهات الرسمية السعودية.
فجميع الخطب بعرفة تتطرق إلى فلسطين، وربما تم توجيه النقد لخطب سابقة بعد تعيين بعض الخطباء ممن لهم نشاط تطبيعي فتم فهم بعد الدعوات الى التسامح على انها دعاوى مبطنة للتطبيع والتمهيد له.
إلا أن ما يهمنا مناقشته حاليا هو تجاهل المعتدين وتعيينهم والاكتفاء بالدعاء العام دون توجيه للامة وللمسلمين تجاه عمل إيجابي.
وهنا يجدر بنا تناول فقرة من خطبة عرفة لهذا العام لبيان مانود قوله، حيث دعا خطيب عرفات لهذا العام بهذا الدعاء:
"اللهم كن لإخواننا في فلسطين اللهم تولى شأنهم اللهم أطعم جائعهم واكسي عاريهم وآوي طريدهم وأجبر كسيرهم وأمن خائفهم وأكفهم شر أعدائهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم بقوةتك وبعزتك يا قوي يا عزيز.. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لكل خير وأجعلهم من أسباب الهدى والتقى اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان اللهم واجزيهما خير الجزاء على ما قدما ويقدمانه للإسلام والمسلمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.."
وهنا نلاحظ انه قدتم تجهيل العدو دون ذكره صراحة، وتم الدعاء الى الله ان يتولى امر اطعامهم دون اشارة الى الاسباب والى تكليف المسلمين الشرعي لنصرتهم، فهل من اللائق ان نسأل الله ان يدخل المساعدات ويهلك الاعداء ونحن صامتون، اليس هذا هو التواكل المنبوذ بعينه؟
وهل ولاة امور المسلمين قاموا بما عليهم ام انهم مولوا عدو الله وعدو الامة وأمدوا خزائنه بالاستثمارات وضيقوا على المقاتلين ولم يدعموهم حتى سياسيا، بل شاركوا في وصفهم بالارهاب.
ان المأمول من الحج ان يزيد اللحمة بين المسلمين ويوحد رؤيتهم ولا يجعل القضايا المصيرية خلافية، بل يكون اجتماع الحج اهم واكثر ردعا من اجتماع القمم السياسية، ويترك المجال للمسلمين ليعبلاوا عن احيازهم وعن غضبهم من العدوان، ليكون غضبهم رادعا للعدو.
كما أن المأمول من خطبة عرفة ان تحدد من هم الاعداء صراحة وان تحدد تكليف المسلمين ولو حتى اضعف الايمان المتمثل في المقاطعة الاقتصادية والتعبير عن وجدانهم وارسال رسالة للعالم بأن هذه الأمة غاضبة ولها حقوق وهو ما يؤدي لاحترام الامة وعدم استضعاف أي جزء بها والاستفراد به واقتطاعها جزءا جزءا.
هناك فجوة بين المتاح سياسيا في أهم اجتماع للمسلمين، وبين المأمول والمفترض والكامن وراء فلسفة ومقاصد الحج وخطبة عرفة.