بسم الله الرحمن الرحيم
نُخْبَةُ الإعْلامِ الجِهَادِيِّ
قِسْمُ التَّفْرِيغِ وَالنَّشْرِ
يقدم
تفريغ الكلمة الصوتية :
لماذا محمد بن نايف ؟
لفضيلة الشيخ إبراهيم الربيش حفظه الله
الصادرة عن مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي
رمضان 1430 هـ
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد ..
في ليلة الجمعة الموافق للسابع من شهر رمضان من هذا العام 1430 تعرض محمد بن نايف لمحاولة اغتيال قدّر الله له النجاة منها , قام بتنفيذها الأخ أبو الخير عبد الله حسن عسيري رحمه الله , ولقد كان للحادث صدى وصوت وأحدث ضجة عظيمة في العالم وبقيت وسائل الإعلام تتحدث عن الحدث وتتناوله بأشكال مختلفة خاصة قنوات آل سعود , وتكلم في هذا الحدث كل المناهج وجميع التيارات على اختلاف مشاربهم وأهوائهم , وكان القاسم المشترك بين الغالبية هو التقرب إلى آل سعود وخطب ودهم إذ لو كانوا منصفين في زعمهم لتكلموا عن الحدث بتجرد ولبينوا الحق بوضوح .
ولي مع الحدث وقفات , أولاً :
إن اغتيال أئمة الكفر ورؤوس الظلم أمر شرعه الله وسنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم , قال تعالى : { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} قال القرطبي عند هذه الآية : هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة , وندب لذلك رسول الله صلى عليه وسلم عندما قال : " من لكعب بن الأشرف فإنه قد أذى الله ورسوله " , ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبقون إلى اغتيال أئمة الكفر , فلما قتلت الأوس كعب بن الأشرف استأذنت الخزرج في قتل سلّام بن أبي الحُقيق لكي يدركوا من الفضل ما أدركه الأوس , ولقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل خالد الهذلي فانتدب له عبد الله بن أنيس ثم جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عصاه لتكون آية بينهما يوم القيامة , وغير ذلك من القصص التي حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نستفيد منها جميعاً أن اغتيال أعداء الله وأخذهم على غرة سنة لا ينكرها إلى ضال مضل أو جاهل مركب , وهذه السنة بين أيدينا تشهد على ذلك , إننا بحاجة إلى إحياء هذه السنة في أعداء الله لأن إحياءها يعني بث الرعب ونشر الخوف في صفوف العدو , وهي التي تجعل المرتزقة في صف العدو يعيدون النظر في عملهم فهم وإن كانوا عبيد درهم إلى أن أرواحهم أهم عندهم من مرتباتهم , وإنها تجعل من يتلقى الأوامر من جنودهم يتذكر فرق الاغتيال قبل أن يفكر في تنفيذ الأوامر , إنها تجعل العدو يعيش الرعب وهو في بيته بين زوجه وأولاده فلا يدري في أي لحظة يهجم عليه الأسود الضواري ! فهو يعلم أنهم سيجتهدون في الانتقام منه ولو أودى ذلك بحياتهم مما يجعل انتقامهم أشد إرهاباً وإخافة .
ثانياً :
لماذا محمد بن نايف ؟ لقد منّ الله علي فلم أقابل محمد بن نايف - عليه من الله ما يستحق - غير أني دخلت سجونه وتعاملت مع سجانيه ورأيت وعاشرت من اكتووا بنار ظلمه وشهدتُ عليه كما شهد غيري ونحن شهداء الله في أرضه في حربه للجهاد والمجاهدين بإقرار وسائل إعلامه عليه .
إن محمد بن نايف وقف بجنوده حامياً وحارساً للأمريكان يحول بين المجاهدين وبينهم , وقد كان بوسعه أن يقف موقف المتفرج لكنه ذاد عنهم كما يذود الابن البار عن حمى أبيه .
إن محمد بن نايف هو الذي قتل بجنوده الشيخ يوسف العييري , وهو الذي قتل أبا هاجر , وهو الذي غدر بعلي الفقعسي ومنصور الفقيه , وهو الذي اعتقل الشيخ سليمان العلوان وعلي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي وفارس الزهراني وسعيد آل زعير ووليد السناني , ولم يقدر شيبة الشيخ محمد رشود رحمه الله حيث اعتقله وولده وحفيده , والشيخ عبد الكريم الحميد الذي هدم مسجده وسجنه ثم أخرجه ليهجره من مدينته ويضعه تحت الإقامة الجبرية , وأخيراً الشيخ محمد الصقعبي .
ولإن كان خدع الناس بسؤاله عن زوجة سعيد الشهري فهو الذي سجن زوجة علي الفقعسي وزوجة صالح العوفي رحمه الله وزوجة سلطان القحطاني رحمه الله وغيرهن من أخواتنا .
إن جنود محمد بن نايف هم الذين عذبوا إخواننا في السجون فحرموهم من النوم وعلقوهم وضربوهم بالعصي والسياط الكهربائية , وهم الذين سبوا الله في غرف التحقيق فلم يخافوا الله ولم يستحيوا من خلقه , وهم الجنود البواسل الذين داهموا البيوت على الآمنين فكسروا الأبواب وحطموا الأثاث وأبكوا الأطفال وسرقوا المال ثم انصرفوا بعدما تركوا أماً ثكلى وزوجة أيماً وأطفالاً يتامى .
إن محمد بن نايف وجنوده اعترفوا بألسنتهم أنهم ما اعتقلوا فلاناً من الناس إلا لأنه دعم المجاهدين في العراق وأفغانستان , وهم الذين قَدِمُوا إلينا في غوانتانامو لا ليطمئنوا علينا أو يسعوا في إخراجنا لكن ليحققوا معنا وليمدوا الأمريكان بالمعلومات التي كانت سبباً في زيادة التعذيب على البعض وحسبنا الله ونعم الوكيل ! فأي مظاهرة لأعداء الله أشد من هذه ؟ وأي ردة أعظم ؟!
إن محمد بن نايف هو الذي لاحقنا في اليمن لما هربنا من جنوده الذين أرادوا القبض علينا , فهل سيفهم محمد لماذا استهدفه المجاهدون ؟ وهل سيفهم هو وأبوه لماذا ندعوهم طغاة ؟ إن المجاهدين قاتلوا الروس والأمريكان واليهود , ولم يتعرضوا ليهود العرب من حكام العمالة , لكن لما وقف يهودنا في طريق المجاهدين رأى المجاهدون أن لزاماً عليهم أن يردوا هذا العدوان وأن يتبعوا سنة الصديق رضي الله عنه في قتال المرتدين من العرب قبل فارس والروم .
إن أبا الخير رحمه الله أراد بفعله أن يقول لمحمد بن نايف لقد حان الوقت لكي تشرب من الكأس الذي سقيت إخواننا منه فها نحن نسفك دمك كما سفكت الدماء ونروعك كما روعت المؤمنين ونخرب بيتك كما خربت بيوت الناس , كما تدين تدان , والجزاء من جنس العمل .
ولتعلم يا محمد أنت وأبوك أنكم بُليتم بقوم يتمنون القتل في قتالكم كما تتمنون دوام ملككم , وليأتنكم بما لم يخطر لكم على بال ولا يمر على خيال , فارفقوا بأنفسكم فما ظلم من عاقب بالمثل { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ } .
لقد انتقم أبو الخير لتلك الأم الثكلى والزوجة الأيم والأطفال اليتامى , وانتقم لأولئك الذين يقفون في كل يوم أمام سجون المباحث ليزوروا ذويهم ويرد بعضهم بلا داع سوى الأذية , ويدخل بعض بعدما يطول انتظارهم ويدقق تفتيشهم ليزوروا ساعة يتجسس عليهم فيها الرقيب. لقد انتقم أبو الخير لأُسَر المسلمين الذين يؤذون على علم محمد بن نايف وأبيه , وانتقم لله ممن حارب دينه وظاهر أعداءه وعادى أولياءه المؤمنين , بعد كل هذا هل يعقل محمد لماذا استهدف ولماذا اعتبر من أئمة الكفر الذين قال الله فيهم : { وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } .
ثالثاً :
تكلم كثير ممن تكلم واصفين العملية بالغدر , ولو عقل أولئك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لعلموا أن هذه العملية ليست من الغدر في شيء , يُظهر ذلك تتبع تفاصيل العملية .
لقد ذكر الشيخ ابن جبرين رحمه الله في شرح عمدة الأحكام أن للإنسان أن يخدع عدوه بإظهار التسليم , وهو عين ما فعله الأخ عبد الله عسيري رحمه الله , حيث أظهر التسليم فأوصلوه إلى كبيرهم ولما تمكّن منه نفذ العملية ولم يعطهم عهداً ولا أماناً , وإنما خدعهم بطلب المقابلة وظنوا ذلك تسليماً , والحرب خدعة , وهذا تسجيل العملية نشره آل سعود ليكون شاهداً عليهم , ومن اعتبر ذلك غدراً فما عرف الفرق بين الغدر والخدعة , إن الخدعة هي إيهام العدو والتلبيس عليه , أما الغدر فهو ما كان بعد عهد وميثاق , فهل يعقل ذلك من تكلم وحكم بناء على تقرير وزارة الداخلية ؟ ولو كان صادقاً في إدانة الغدر لأدان غدر محمد بن نايف بعلي الفقعسي وغيره من ضحايا الغدر , فهل محمد بن نايف غُفر له ذنبه أم رُفع عنه القلم ؟!
لقد انتدب محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف , ولما قابله فوضه على أن يسلفه ثم وعده أن يأتيه في نفر من أصحابه , ولما أتوه تماشوا وإياه قليلاً ثم استأذنه محمد أن يشم رأسه حيث تفوح ريح العطر , فأذن له فشم , ثم استأذنه أن يشم أخرى فإذن له , فلما استمكن منه قال دونكم عدو الله فقتلوه , فهل كان ذلك غدراً أم أنه من نفس الخدعة التي خُدع بها محمد بن نايف ؟ وانتدب عبد الله بن أنيس رضي الله عنه لقتل خالد الهذلي فقتله بعدما أظهر له أنه جاء ليقاتل معه , فهل كان ذلك غدراً أم هي الحرب والمكيدة ؟ مع أن في القصة ضعفاً لكن يستأنس بها , ولقد قام عبد الله بن عتيق بقتل ابن أبي الحقيق وهو في بيته بين أهله بعدما فعل ما أوهم بواب الحصن أنه من أهل الحصن , فهل يقال أن ذلك غدر ؟ لقد حرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل اليمن على قتل الأسود العنسي فقتله فيروز الديلمي بعد ما أظهر متابعته , فقال رسول الله صلى الله عليمه وسلم : " قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين " , وقال الطبري في ذلك : إن فيروز ومن معه احتالوا على الأسود وأظهروا متابعته حتى تمكنوا من قتله غيلة وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على فيروز .
رابعاً :
لقد أظهرت العملية إفلاس كثير ممن يُحسبون على العلم الشرعي وكشفت عمالتهم للسلاطين , فتكلموا بما يرضي سلاطينهم , ولم يكن في كلامهم ريح الإنصاف , وزاد سوؤهم عندما ضللوا الناس ولبسوا الحق بالباطل , ظهروا في القنوات يحمدون الله على سلامة من يشهد القاصى والداني أن أقل أحواله الفسق والظلم , وأنه لو مات لاستراح منه البلاد والعباد والشجر والدواب , وتمادى بعضهم حتى وصفوه بالمجاهد ! وهو من هو في حرب الجهاد وأذية المجاهدين , وليس في ذلك عجب فقد قال ابن المبارك رحمه الله : وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبارُ سوء ورهبانها , لو كان هؤلاء صادقين في إنكارهم لهذه العملية لقالوا كما قال الله : { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ } فمن الذي تخفى عليه جرائم طغاة آل سعود ؟! لكنهم طلبوهم رغبة ورهبة فتكلموا فيما يرضيهم وسكتوا عما سوى ذلك .
إن علماء السوء الذين كانوا في بني إسرائيل لا بد أن يكون لهم في أمتنا خلف , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح : " لتتبعن سنن من كان قبلكم " , وإني أقول لهؤلاء : لا شك أنكم تخافون من الصدع بالحق لأن الصدع بالحق سيؤدي بكم إلى الحائر والرويس وغيرهما من سجون المباحث , ولكن إذا كنتم تدعون العجز عن الصدع بالحق فإن ذلك لا يجيز لكم الجهر بالباطل والتلبيس على الناس , فاتقوا الله في آل سعود ولا تتقوا آل سعود في الله , إن شمس آل سعود التي تستضيؤون بها أشرقت بعد مغيب وستغيب بعد شروقها فأرضوا الله على كل حال فهو الذي يدوم سلطانه ولا يزول ملكه , وكأني بكم إذا أعز الله دينه وأظهر المجاهدين أعدتم مثال سلفكم { وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } .
إن تقرير مثل هذه المسائل لا نريد أن نسمعه في قنوات آل سعود لأنه لا بد أن يكون في صالحهم , وليس أهلاً لتقريره من يأخذ الإذن في الفتوى ونشر العلم من آل سعود لأنه لن يعارضهم , ولا يستحق أن يبين الحكم في هذه المسألة من يستلم مرتبه من آل سعود لأنه سيتكلم وعينه على الخامس والعشرين من كل شهر ! ولا بد أن يعتذر من يتكلم ويتذكر قيود المباحث ويرهب سطوتهم . وإنما نريد أن نسمع تقرير هذه المسألة وغيرها من المسائل المهمة ممن تحرر من كل هذه القيود , يتكلم في الهواء الطلق لا يخاف إلا الله , أولئك الذين يُرجى منهم التجرد من خوف السلاطين , أما غيرهم فيحتاج إلى أن يقال له : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " , وإن الأمة في غنى عن سماع صوتك إذا كنت لا تجرؤ على الصدع بالحق.
خامساً :
إن في هذه العملية لمعتبراً لمن كان ذا قلب , وهي بمثابة دعوة لجنود آل سعود , أيها الجنود المرتزقة أما آن لكم أن تتركوا إفساد دينكم من أجل صلاح دنياكم ؟ إلى متى تكونون حماة لأولئك الطواغيت الذين يتخذونكم أداة يضربون بها عباد الله ؟
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لجلسائه : "أخبروني بأحمق الناس" . قالوا : "رجل باع آخرته بدنياه" , قال : "ألا أنبئكم بأحمق منه ؟" قالوا : "بلى" , قال : "رجل باع آخرته بدنيا غيره" .
كيف ترضون لأنفسكم أن تكونوا جنوداً لمن يحاربون الله ورسوله وعباده الصالحين حرصاً على رواتبكم ؟ كيف تفسدون دينكم لأجل أرزاق ضمنها الله لكم ؟ فوالله لأن تعملوا بكنس الشوارع خير من أن تغتنوا من حرب المجاهدين ولا تغتروا بفتاوى المضللين من علماء السوء الذين يقولون لكم إنكم في جهاد , فلو كانوا صادقين لجاهدوا معكم ! واعلموا أن لله يوماً سيُظهر فيه المجاهدين ويمكّن لهم في الأرض , فما أنتم فاعلون في ذلك اليوم ؟ إن المجاهدين بفضل الله وصلوا إلى كبيركم الذي تقدمون أمره على أمر الله , وهم على الوصول إليكم أقدر بإذن الله , فهل أنتم متعظون ؟
لقد حان الوقت لكي تتركوا هذه الوظائف المقيتة إن كان لكم في أنفسكم حاجة , وإن كنتم باقين فيها ولا بد فكفوا عن المجاهدين عدوانكم , فإن سنة المجاهدين ألا يتعرضوا إلا لمن وقف في طريقهم , ولكم عبرة في مصير الصواط والعثمان وأخيراً محمد بن نايف.
سادساً :
هذه العملية مصداق قول الله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً } , وعند البيهقي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها " , وهذا يرسخ ما نعتقده واقعاً عملياً وهو أن للموت زماناً ومكاناً قدرهما الله وليس لذلك أن يتقدم ولا أن يتأخر طرفة عين , وكما قيل : ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها , فلا يزيد في العمر الحذر ولا يقصره الإقدام , وكم قد رأينا ورأى غيرنا من مات مع اجتهاده في أسباب النجاة ومن نجا مع تفريطه فيها , و من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحدُ , وليس ذلك دعوة إلى إهمال الأسباب فإن الذي علمنا الإيمان بالقدر صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يجتهد في أخذ الأسباب مع اهتمامه بالتوكل على الله .
ولكني أتخذها فرصة لأقول لمحمد بن نايف : لقد أراد الله لك عبرة إن كان في قلبك حياة , ها قد رأيت الموت بين عينيك ثم أنجاك الله ليجعل لك فرصة للتوبة والرجوع , أليس جديراً بك أن تحسن العمل وتقلع عن ما أنت فيه من الظلم و حرب الإسلام ؟ إن الجدير بمن هو في مثل سنك ورأى ما رأيت أن يتوب من حلق لحيته وإسبال ثوبه فكيف بما هو أعظم من ذلك من موالاة أعداء الله وحرب المجاهدين ؟ وأما إذا أبيت إلا التمادي فيما أنت فيه من الطغيان فلا يغرنك حلم الله عليك وتذكر قول الله سبحانه : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال كما في الصحيح : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته , ثم تلا : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } . واعلم أنك مهما علوت فإن الله أعلى منك , ومهما تكبرت فإن الله أكبر , ومهما قدرت فإن الله على كل شيء قدير , إن سجونك قد امتلأت بالآلاف من الصالحين أفلا يكون بين هؤلاء ولو رجل واحد إذا أقسم على الله أبره ؟ وإن الأكف لترتفع كل ليلة بالدعاء عليك , ألا تخشى أن يكون منها دعوة واحدة يرفعها الله فوق الغمام ويقول لها : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين . أما لك في هذا عظة ؟ لقد كان آخر كلمة تكلم بها أبو الخير رحمه الله عندما كان بجوارك أن قال : أحسنوا الظن بالله إحسان الظن بالله مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة , فجدير بك أن تحسن الظن بالله , و من إحسان الظن إحسان العمل , ولا تغرنك ألسنة المنافقين الذين يرضونك , يعطونك دينهم لينالوا من دنياك , هذه نصيحة نرسلها لك كما قال الصالحون من بني إسرائيل : { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } , فإن اهتديت فوالله الذي لا إله غيره لهدايتك أحب إلي من قتلك على هذه الحال , وإن أبيت فأسألُ الله الذي هو على كل شيء قدير أن ينتقم منك وأن يشفي صدور من ظلمتهم من عباده المؤمنين وأن يرينا فيك سنته في الجبابرة والظلمة , وأن يريك سوء صنيعك في الدنيا والآخرة , وأن يجمع لك خزي الدارين وأن يجعل خزيك على يد المجاهدين .
وأسأل الله أن يتغمد بواسع رحماته الأخ عبد الله عسيري وأن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , وأن يدخله الجنة بلا حساب ولا عذاب ويسكنه الفردوس الأعلى منها .
اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين , اللهم أنزل عليهم سكينة من عندك تشرح بها صدورهم ورحمة تحفظهم بها من ظلم الظالمين وعدوان المعتدين , اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان وأمدهم بمدد من عندك , ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
والحمد لله رب العالمين