دول » السعودية

هكذا يدعشن الليبراليون أوطاننا!

في 2015/07/30

الراية- الحديث عن بعض القضايا الشائكة كدخول حقل ألغام، كل حركة يجب أن تكون محسوبة، وعلى الماشي فيه أن يتحسّس مواضع أقدامه قبل أن يخطو أي خطوة، وقبل أن يضع قدمه في المكان الخطأ فتكون القاضية. المبالغة في الحرص مُهلكة، والاستهتار وعدم الاكتراث مُهلك، كما في مقاربات البعض لدى أحاديثهم عن تنظيم الدولة الإسلامية، التي يتخللها الكثير من العشوائية والعاطفة، فإن بعض ما قيل لا يخدم إلا أهداف التنظيم في حربه النفسية والإعلامية التي يقودها ضد خصومه، وما يترتب على ذلك من آثار لا تقل ضراوة عن تأثير معاركه القتالية التي يخوضها على الأرض. تنظيم الدولة في خطاباته يريد أن يقول للناس إنه يحظى بتأييد شعبي في المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، والعالم العربي؛ ليوهم غير المؤيد أنه المتخلف الوحيد عن اللحاق بركبه، والمدعشنون المختلفون معه يساعدونه على ذلك.

القول بأن فكر داعش يعشش في كل بيت سعودي، كما زعم ذلك رئيس تحرير سابق، لا يخدم سوى هذه البروبغندا التي يسعى التنظيم لتكريسها في معركته لحشد المزيد من الأنصار والمؤيدين. هناك صورة ذهنية تتبلور للتنظيم في مخيلة الناس، وتتشكل عبر أكثر الأفكار تأثيرًا في وجدانهم، وفي التقائها تعمل كجزئيات اللوحة المتفرقة، التي تتمّم كل قطعة منها الناقص من أجزاء اللوحة، وهنا لا شيء يطغى على قوة تأثير وسائل الإعلام المختلفة. وحين نستعيد ما انطبع في العقل مما كرّسته أفكار مسلسل "سيلفي" المعروض في رمضان المنصرم، وما دار في أحد مشاهد حلقاته عن هذا التنظيم، يظهر لنا أبو عبدالله "ناصر القصبي" مجسدًا شخصية أب يسافر من السعودية إلى سوريا لاستنقاذ ولده، وفي أثناء ذلك يقول لمحاوره: "ظنيت أني ماشي في شارع التحلية من كثر السعوديين"!، مثل هذه العبارة وما قبلها مضافًا إليها ما قاله عضو مجلس شورى سابق لدى زعمه أن الشباب السعودي جاهز بنسبة 60% للانضمام إلى داعش، ومثيلاتها من العبارات السلبية، كلها تقوم بدور قطع اللوحة المركزية التي تجعل خطاب التنظيم وصورته الذهنية ذات مصداقية في ادعاءاته بقوة التأييد الشعبي الذي يحظى به على الأرض، وهو الهدف الذي يعمل لأجله، لحشد المزيد من الأنصار، عبر خطب، ومقالات، وتسجيلات مسموعة ومرئية، وأفلام وثائقية، وأناشيد عاطفية، كأنشودة "يا عاصب الراس وينك" التي أنشدت خصيصًا لمخاطبة الشباب السعودي والخليجي لتقول لهم إن الكثير نفروا للجهاد فما تنتظرون؟!.

القول بأن 60% من شباب السعودية جاهزون للانضمام إلى داعش محض هراء، لغة الأرقام لغة دقيقة وشفافة بعيدة عن تقديرات اللغة البيانية ولعبها البلاغية التي تترك مجالاً خصبًا للتكهن والاحتمالات، حين تقول 7% أو 12% أو 60% فعلوا أو قالوا أو متصفون بكذا فيفترض أنك تعني ما تقول، بناء على إحصاءات دقيقة، واستبيانات صحيحة، وليس مجرد توقعات ورجمًا بالغيب. خطورة تصريح الـ 60% تكمن في أنه يقول للتنظيم بأسلوب غير مباشر، نفذوا تهديدكم بغزونا، لأن 60% من شبابنا معكم، وفي دولة كبيرة كالمملكة الـ60 بالمئة تعني ملايين الشباب، أي أن ثمة جيشًا يفوق الجيش الصيني ينتظر الانضمام للتنظيم، وهذا ما يجعل التصريح متهافتًا وساذجًا وفاقدًا لأدنى درجات المصداقية.

وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) قدّرت أعداد تنظيم الدولة في عام 2014 بنحو 30 ألف مقاتل في العراق وسوريا، ومن مختلف الجنسيات، وغالبًا هذه التقديرات قريبة من الصحة، بناء على أن من قاتلوا في تكريت قبل سقوطها لم يزيدوا عن الـ400 مقاتل، فكيف يكون أنصاره داخل المملكة 60% من الشباب السعودي؟!. العبارات المرسلة تهدم ولا تبني، وتضلل ولا تهدي، وغالبًا تأتي بعكس ما قيلت لأجله، ولا أحسب أن أحدًا أسعد بهذا التصريح من تنظيم الدولة، كونه اختصر له المسافات ليدعي أن غالبية الشعب معه، بدلالة الـ 60% فمن بقي؟!.

نظام الولي الفقيه أيضًا سُر بتصريح الـ 60% فاحتفى به، وعمل له تغطية صحفية ليسيء للمملكة من خلاله، ويبقى تأييد التنظيم ومعارضته في دول الخليج والعالم العربي خاضعًا للكثير من الاعتبارات والتقاطعات والتوازنات، وما أحسبه أن معظم العرب يؤيدون تنظيم الدولة في العراق ليس حبًا فيه بقدر ما هو بغض للصفويين، وفي سوريا معظم العرب ضده كرهًا منهم لانقسام الصف وتفرّق الكلمة الذي خدم بشار وساعده على الصمود، لكن حين يهدّد التنظيم بغزو بلداننا فنحن ضده، لأن الأمن والاستقرار مكتسبان غير قابلين للمقامرة في الحروب المدمّرة والصراعات الدموية، والمزايدة باتهام كل مختلف بالانتماء للتنظيم ديكتاتورية فكرية، لا ينقصها سوى القوة ليقمع المختلف كل مختلف معه، وهذا ما نلمسه في الخطاب الليبرالي، القائم على دعشنة وشيطنة كل مختلف معهم من التيارات الإسلامية، التي ينسبونها للتنظيم واستعداء السلطة عليهم، ليحققوا انتصاراتهم الفكرية على حساب أمن الوطن واستقراره، وكمن كسر خلية النحل ليحصل على القليل من العسل!.