دول » السعودية

(داعش) واستهدافه السعودية

في 2015/08/22

علي العنزي- الحياة-  يبدو أن تنظيم داعش مدرك منذ البداية أن الدولة الحصينة التي سوف تقف في وجه مخططاته وتمدده، بل ستكشف كذبه وادعاءه للإسلام هي السعودية، فهو يعلم كذلك أن السعودية تحظى باحترام الجميع، سواء في العالم الإسلامي أم المجتمع الدولي، لما تملكه من رصيد وتاريخ في الاحترام والتقدير، في العلاقات الدولية، وعلى المستويات كافة، لذلك أراد «داعش» أن يستهدف السعودية مباشرة، ظناً منه أنه سيستطيع تحقيق بعض أهدافه، علماً أنه يدرك مدى صعوبة تحقيق أي منها؛ لوعي الشعب السعودي والتفافه حول قيادته، بعد ما رأى وشاهد ما يحدث لشعوب المنطقة من حوله، لكنه يبدو أنه أخذ هذه المرة بالمقولة المشهورة «العيار إلي ما يصيب يدوش»، لذلك جاءت هذه العملية الإرهابية الإجرامية، في هذا السياق، وليظهر مرة أخرى مدى حقد «داعش» وأخواته على السعودية، وكاشفاً مدى بشاعة فعلته، مستهدفاً حلقة من حلقات أمن السعودية، من خلال تسلله إلى مسجد لقوات الطوارئ في مدينة أبها بمنطقة عسير، حيث استشهد في تلك الجريمة الغادرة 15 فرداً، معظمهم من رجال الأمن؛ اعتقاداً منه أنه بجريمته البشعة تلك يزعزع استقرار الدولة ويرهب شعبها.

يبدو أن المنطقة العربية، ولاسيما الخليج، دخلت في دائرة الاستهداف المباشر من منظمات إرهابية ينسق العديد منها مع بعض القوى الإقليمية والدولية، سواء أكان ذلك تنسيقاً مخابراتياً أو بأسلوب التغاضي؛ ليتسنى لها تنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية وتحقيق بعض المكاسب التي تستهدف مقدرات المنطقة، وفي النظر لأي من الدول العربية الفاعلة والمستقرة نجد أن السعودية هي الدولة الفاعلة الآن والتي تقود المنطقة إلى الاستقرار، بالتعاون مع مصر ودول مجلس التعاون الأخرى، لذلك ليس مستغرباً أن تكون السعودية ومصر في دائرة الاستهداف من «داعش» وغيره؛ تنفيذاً لمخططات دول إقليمية ودولية أخرى.

يعتقد الخبراء بأن غالبية الدول والمجتمعات، عدا السعودية، لم تأخذ تهديدات التنظيم وغيره من الحركات الإرهابية بشكل فاعل إلا بعد احتلال الموصل واستيلائها على الرمادي وتمددها الخطير في سورية والعراق، فقد حذرت السعودية قبل تلك الفترة من خطورة التهاون في تهديداته هو وغيره، ورفعت من وتيرة تحذيراتها بعد تمدده في العراق وسورية، وشاركت في التحالف الدولي لمحاربته، وحذرت من وصوله إلى أوروبا، وفعلاً أظهرت الأيام مدى صدقية الرؤية السعودية للإرهاب وخطورته، لذلك جاءت هجمات «داعش» واستهدافها السعودية لتؤكد للمشككين في الموقف السعودي أنها هي أول من يقف ضد هذه الحركات الإرهابية، وأول من انكوى بناره، وهو ما عزز الاعتقاد بأن هذا الاستهداف جاء خوفاً من تبني العالم لرؤية المملكة التي حذرت وتحذر العالم من التهاون في مواجهة «داعش» وغيره من المنظمات الإرهابية المتطرفة.

الكل مجمع على أن الشعب السعودي متمسك بوحدته وقيادته، المستمسكة بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، ولن يهزه أو يخيفه أو يؤثر فيه عملية انتحارية غادرة هنا أو هناك، بل ستزيده مثل هذه الجرائم منعة ووضوحاً للرؤية بأن خياره هو الخيار الصائب، فهو يتعرض منذ أكثر من 15 عاماً للإرهاب، واحتواه وضربه، وسيستمر في ضربه في كل مكان، ولن يدع له أي مجال أو مكان لتنفيذ جرائمه البشعة في هذا البلد، وسيجتثه من جذوره، إذ تعرضت السعودية لكثير من جرائم الإرهاب في السابق.

ولكن هذه الجريمة هي بشعة جداً في مكانها وتوقيتها والمستهدف فيها، فالمكان بيت من بيوت الله يشعر المسلم بالأمان والروحانية عندما يدخله، لكن الإرهاب ليس له ملة ولا دين أو حرمة لأي مكان، والدليل أن حتى التوقيت في جريمة مسجد قوات طوارئ أبها، جاء في وقت الصلاة وكذلك في وقت تخوض السعودية حرباً على حدودها الجنوبية، فبدلاً من الوقوف مع الشعب والقيادة والوطن في حربهم، اختار الإرهابيون ليضربوا رجالاً آمنين يحرسون أمن الوطن والمواطن، لتتبين للجميع أنها جريمة بشعة جداً تعكس مدى حقد وبشاعة من خطط لها وقام بتنفيذها، فهم بعيدون كل البعد عن الإسلام ولا يمتُّون له بصلة، فهم مستأجرون من أعداء هذا الشعب وهذا الوطن وهذه الأمة. لقد أظهرت جريمة مسجد الطوارئ في أبها، أن محاربة الإرهاب هي مسؤولية الجميع في السعودية، فلا يقتصر على منسوبي الأمن، فالكل مطالب بوقفة حازمة في وجه هذه الآفة التي تواجهها السعودية، فالمستهدف هو الوطن بكل مكوناته، فزعزعة استقرار الوطن هو هدف الإرهاب ومموليه، وسوف يخسر الجميع في حال نجاحهم لا قدر الله، لذلك لا بد من الوقوف صفاً واحداً في وجه هذا الإجرام والقائمين عليه، فالمؤسسات التعليمية عليها مسؤولية، ومؤسسات المجتمع المدني كذلك عليها مسؤولية، والمؤسسات الدينية عليها المسؤولية الكبرى، في مواجهة فكر هذه الجماعات بفكر صحيح، يقوم على تعديل أفكارهم الهدامة وتفنيد ادعاءاتهم المضللة، القائمة على القتل والإقصاء في كل شيء، أي مواجهة الفكر بفكر، إضافة إلى الجانب الأمني؛ لمنع تغلغلهم في المجتمع ونفاذ أفكارهم الهدامة إليه.

إن هذه العملية سيكون لها ارتدادات سلبية جداً على من تبناها وسيخسر كثيراً، بل ستكون نقطة تحول كارثية عليه وعلى من سانده وتعاطف معه، فاليوم تكشفت الكثير من الحقائق وانجلت الغشاوة بالنسبة إلى الشعب السعودي، وكذلك لشعوب العالم، فاستنكرت كل دول العالم هذه الجريمة، وهو دليل على تقدير المجتمع الدولي للسعودية وأهمية دورها في المنظومة الدولية، ولاسيما في المرحلة الحالية والحساسة جداً في المنطقة، علماً أن المحللين والمراقبين يتفقون على أن «داعش» لن يستطيع أن تخترق المجتمع السعودي سياسياً واجتماعياً، حتى لو غرر وضلل بعضاً من أفراده، واخترق هنا أو هناك، فاستهدافه السعودية لن يحقق أهدافه.

كل من كان لديه تشكيك في أهداف «داعش» الهدامة والمجرمة، تجلت له الرؤية بعد تبنيه عملية مسجد قوات الطوارئ في «عسير»؛ لأنه استهدف البلد الذي يرعى الحرمين وفيه قبلة المسلمين، والذي يقف مع المسلمين في كل مكان، المملكة العربية السعودية.