دول » السعودية

العمليات الأمنية الاستباقية في السعودية.. هل تنجح في هزيمة الإرهاب؟

في 2015/10/05

شؤون خليجية -

استطاعت الأجهزة الأمنية السعودية توجيه ضربات استباقية متتالية وكثيفة ضد خلايا إرهابية، في إطار حملة أمنية واسعة ومتصاعدة، وبخاصة عقب التفجيرات الانتحارية بمساجد للشيعة في القديح والعنود، وللسنة بمسجد قوات الطوارئ، في ظل حملة وقائية لتجفيف منابع الإرهاب وإجهاض وكشف هذه الخلايا قبل القيام بمخططاتها الإرهابية، فهل ستنجح هذه السياسة الأمنية في اجتثاث جذور الإرهاب نهائيًا؟

سؤال لا توجد عليه إجابة شافية أو نهائية، إلا أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن هذه الضربات الاستباقية تحمل دلالات إيجابية وأخرى سلبية بحسب مراقبين، حيث تعكس من ناحية جهدًا مكثفًا للجهات الأمنية وانتشارًا أمنيًا واسعًا، وقدرة على التتبع والرصد وتنفيذ العمليات بأقل خسائر بشرية ممكنة، وملاحقة خيوط شبكات الإرهاب وأعضائها وتتبع منابعهم، ولكنها في الوقت نفسه تكشف عن انتشار الخلايا الإرهابية وكثافة تواجدها، وخطورة استهداف المملكة بعمليات إرهابية نوعية، ما يطرح مجددًا علامات استفهام مثيرة للقلق بشأن مدى قدرة تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى على اختراق السعودية وتجنيد شبابها.

تمثل البيئة الإقليمية المحتقنة والتي تشهد قيام روسيا وإيران بتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية والدينية، بيئة خصبة لاستقطاب وتجنيد ضحايا جدد للتنظيمات المتطرفة، ما يمثل تحديًا جديدًا وكبيرًا للجهات الأمنية، ويستدعي تفكيرًا بحلول غير نمطية لإزالة أسباب الاحتقان وتحقيق العدالة والإطاحة بالأنظمة المستبدة، وإنهاء الحروب بالمنطقة كحلول جذرية ناجعة، حيث تظل الحلول الأمنية عاجزة عن احتواء أسباب تجنيد الشباب وإغوائهم.

يشار إلى أن السعودية تخوض حربًا استباقية ضد تنظيم "داعش" عبر الكشف والقبض المبكر على التنظيم في المملكة، فالسلطات الأمنية السعودية أصبح لديها تمرس واسع على مواجهة المخططات الإرهابية، من خلال الضربات الاستباقية بعد الحوادث التي تعرضت لها من القاعدة، التي قامت بتنفيذ عمليات تفجير وإطلاق نار في المملكة اعتبارًا من مايو 2003؛ مما دفعها إلى تطوير استراتيجيتها الأمنية التي بدأتها بالإعلان عن اعتقال 172 شخصًا في أبريل 2007 م.

ونجحت وزارة الداخلية في ضبط عدة خلايا لداعش والتي تم ضبطها في السعودية، ففي 14 مارس الماضي تم ضبط ثلاثة متهمين خططوا لتفجير سفارة واشنطن، وفي 28 أبريل في العاصمة الرياض ضبط 93 متهماً شكلوا سلسلة خلايا، و95 آخرين شكلوا سلسلة أخرى. وفي 8 يوليو 2015 تم ضبط 431 متهماً شكلوا سلسلة خلايا، وفي 15 سبتمبر ضبط شقيقين ضمن خلية للتفجيرات، وفي 28 سبتمبر القبض على خلية من 5 عناصر، القبض على 3، وقتل اثنين.

سلسلة عمليات استباقية

كثفت وزارة الداخلية السعودية حملاتها الاستباقية ضد الإرهاب، وبخاصة عقب تفجيرات انتحارية تبناها تنظيم داعش في مساجد القديح والعنود في مايو الماضي أهمها:

كشف معمل للتفجير

في عملية وصفت بالنوعية أعلنت وزارة الداخلية السعودية، أمس السبت، الكشف عن معمل للتفجير داخل منزل في حي الفيحاء بالرياض، والقبض على سوري ومعه فتاة فلبينية، الموقوف السوري فخخ المنزل بمواد شديدة الانفجار، واحتاجت سلطات الأمن إلى 12 ساعة لإخلاء محيط المنزل المفخخ وتفكيك المتفجرات.

وأضافت أن: السوري المقبوض عليه يدعى ياسر محمد البرازي، اتخذ من الفليبينية ليدي جوي سبية أسكنها معه، حيث تولت خياطة وتجهيز الأحزمة الناسفة، وقد تم ضبط حزامين ناسفين معدين للتفجير. وبموازاة ذلك، أعلنت الوزارة أنها كشفت وكراً في حي الجزيرة في الرياض لإيواء الانتحاريين وتجهيزهم.

وقال المتحدث الأمني للوزارة بأنه امتداد للجهود والمتابعة الأمنية المستمرة في تعقب أنشطة الفئة الضالة، وفي إطار التحقيقات الشاملة التي تجريها الجهات الأمنية على ضوء ما اتضح من خلال إحباط عدد من العمليات الإرهابية، والإطاحة بالخلايا المكلفة بها، وما نتج عن ذلك من ضبط كميات من المواد المتفجرة ومعملين لتجهيز الأحزمة الناسفة بمنطقة الرياض، وكمية من الأسلحة تستخدم لتنفيذ عمليات إجرامية.

أربع عمليات متزامنة

أعلنت وزارة الداخلية السعودية في 28 سبتمبر الماضي، الكشف عن خلية جديدة لداعش في مدينتي الرياض والدمام، وكشفت وكراً للقاءاتهم في حي الفيحاء في الرياض.

وقالت في بيان لها، إن القوات الأمنية قامت بأربع عمليات متزامنة في الرياض والدمام لضبط هذه الخلية، ونتج عنها قتيلان، والقبض على ثلاثة، موضحة أن الخلية لها علاقة بانتحاري مسجد الطوارئ في أبها يوسف السليمان. وأوضحت أنه خلال الاشتباك الأمني في الدمام تم القبض على المطلوبين مهند محمد العتيبي وفهد فلاح الحربي، وفي الرياض تم القبض على المطلوب فيصل حامد الغامدي.

تفكك خلايا عنقودية مرتبطة بـ"داعش"

كشف المتحدث الأمني بوزارة الداخلية في 19 يوليو الماضي، بأن الجهات الأمنية تمكنت خلال الأسابيع القليلة الماضية، من الإطاحة بتنظيم مكون من خلايا عنقودية مرتبط بتنظيم "داعش الإرهابي"، وذلك ضمن مخطط يُدار من المناطق المضطربة في الخارج، ويهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى، وقد بلغ عدد من ألقي القبض عليه حتى تاريخه (431) موقوفاً غالبيتهم مواطنون، وما يجمع بين هذه الخلايا الانتماء لتنظيم "داعش الإرهابي" من حيث تبني الفكر وتكفير المجتمع واستباحة الدماء، ومن ثم تبادل الأدوار لتنفيذ المخططات والأهداف التي تملى عليهم من الخارج.

وكشفت أجهزة الأمن عن تكوين المتهمين أربع خلايا بتنسيق مع قيادات التنظيم في الخارج، من خلال الموقوف هادي قطيم الشيباني، وحدد لكل واحدة منها دورها، حيث تشترك مهام اثنتين منها في الرصد الميداني للمواقع المستهدفة، سواء أكانت مساجد أو منشآت حكومية أو رجال أمن، فيما تولت (الخلية الثالثة) تجهيز الانتحاريين وإعدادهم، ومنهم الموقوفون (المنتحر صالح بن عبدالرحمن صالح القشعمي، والمنتحر خالد عايد الشمري).

اختراق داعش للشباب السعودي

ويرى خبراء أن السعودية متقدمة كثيراً عن كافة الدول في سرعة اكتشاف منفذي التفجيرات خلال وقت قياسي، وقدرتها على الوصول إلى عدد من الخلايا أو من يحتضنها والقبض عليها قبل أن تنفذ عمليات إرهابية، ما يعكس التدريب المتقن والفني لرجال الأمن، واستخدام التقنية الحديثة التي تساعد في سرعة الاكتشاف، وتحديد هوية منفذي الأعمال الإرهابية.

في المقابل يرى مراقبون أن كثافة التفجيرات وعدد الخلايا الإرهابية وتنوع مهامها وانتشارها، يكشف اختراق تنظيم داعش للشباب السعودي وقدرته على تجنيدهم، ووجود ثغرات أمنية نفذ منها هؤلاء للداخل، حيث قام انتحاريان سعوديان بتفجيرات القديح والعنود تبنتها داعش.

وقد ذكر تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في أكتوبر 2014، أن عدد المقاتلين السعوديين الذين يقاتلون في سوريا في صفوف تنظيم داعش وصل إلى 2500 مقاتل سعودي. والخطير أن نحو 60 % من السعوديين هم تحت سن الـ20، فيما تقدر الداخلية السعودية عدد الشباب المنضم لتنظيم داعش بأكثر من 2000 شخص.

ويرى مراقبون أن التوسع في الاشتباه ضد الشباب ينذر باحتقانات مجتمعية ويفاقم الأزمة، حيث كشف المواطن عبدالعزيز الظفيري، والد الشاب بندر، ملابسات ما حدث لابنه بندر (17 عاماً) بعد صلاة الجمعة الماضية بجامع حمزة بن عبدالمطلب بحي أشبيلية بالرياض.

وقال الظفيري إن ابنه بندر قام بمناقشة إمام المسجد عقب صلاة الجمعة عن موضوع خطبته، التي كانت عن الدولة الإسلامية "داعش"، ثم جبهة النصرة، ثم الجماعات الإسلامية، وذكر منها جماعة الدعوة والتبليغ.. ثم قام أحد الحضور- ويبدو أنه رجل أمن- أمسك به، وبعدها قمتُ بنفسي بأخذه من التجمهر وتسليمه للجهات الأمنية. وواصل: "ابني لا يوجد لديه أي توجهات تكفيرية أو منظمات إرهابية".

فهل تكفي الحلول الأمنية لمواجهة الإرهاب، وهل تأتي بعض الاحتياطات الأمنية أحيانًا بنتائج عكسية؟