دول » السعودية

فوبيا الطائفية وصناعة الأعداء

في 2015/10/12

مجاهد عبدالمتعالي- الوطن السعودية-    

الزمن تجاوز أساليبه القديمة في طرد الشيوعيين بالبعثيين وطرد الناصريين بالإسلاميين، لنرى أحفاد السامري وقد صنعوا عجل الطائفية، ثم أخرجوه لنا، له خوار يملأ الآفاق من بغداد حتى نواكشوط.. فهل نظل له عاكفين بقرابين نقدمها بدماء أبنائنا؟.

تركيا لم تنظر لإيران على أنها طائفية بل تعاملت معها على أنها أكثر دهاءً من أن تكون طائفية، إنها دولة براجماتية إلى نخاع العظم، فها هي إيران تتحالف مع أرمينيا المسيحية وتترك جارتها أذربيجان الشيعية، وعلينا البحث بعد هذا عن سر نجاح تركيا (السنية) في التحالف مع أذربيجان (الشيعية)، وعجز النفوذ الإيراني عن التمدد نحو جارتها أذربيجان، فهل انطلاق تركيا وأذربيجان في تعاملهما الثنائي وفق أرضية علمانية وتوافقات عرقية ساعدهما في ما عجزنا عنه على المستوى العربي بمختلف طوائفه وملله ونحله، أم أن استجابتنا لمعطيات بدائية تقسم الصف العربي إلى كانتونات طائفية لما قبل الدولة ساعد إيران بعكس توقعات البعض، وأضر بنا رغم رهان البعض على ميزان الأكثرية والأقلية، والحقيقة أن التلاعب بالورقة الطائفية قد يصلح (داخل الدولة الإيرانية) نفسها، ولكنه يلحق بنا خسائر مادية ومعنوية على المدى البعيد ما دامت اللعبة الطائفية (داخل الدول العربية) نفسها تشمل عموم الجسد العربي؟!

تعلمنا عبر الأبجدية البسيطة أن تبادل الهدايا مع (الصديق القديم) صدام حسين لم يمنعه من احتلال الكويت، وتعلمنا أن (العدو العاقل أقل خطراً من الصديق الجاهل) وإيران طيلة تاريخها كانت (العدو العاقل)، والعقلاء لا يعدمون أن يجدوا حلولاً لمشاكلهم مع جيرانهم دون استنزاف لمقدرات أوطانهم وشعوبهم.

تركيا تلعب معنا في منطقة الزاوية العمياء التي تجعلنا لا نراها كما يجب، فتركيا أيضاً ليست حليفا بقدر ما هي مستفيد من الخصومة العربية (سنية شيعية)، والثمار التي تجنيها تتجاوز ما ترجوه إيران، فطموح الإمبراطورية العثمانية الموهوم لدى بعض النخبة التركية ذات الميول الإسلامية، يتجاوز طموحات إيران بمراحل، لكن القاعدة العلمانية للدولة التركية القائمة على إرث أتاتورك خففت من شعور الخطر لدينا للنفوذ التركي، رغم أن الوجدان الشعبي لكثير من أهل السنة قد يستجيب لأي مشروع تركي قادم قد يستخدم أصابع الإخوان المسلمين في كسر إرادة الحكومات العربية لتتناسب والأجندة التركية.

كل المشاريع العربية (الملهمة للوجدان الشعبي العربي) التي طرحت في القرن الماضي بشقيها الإسلامي والقومي، كان لهما حاضنتان من الدول العظمى وفق معطيات حربهما الباردة، تقدمان لهما ما تحتاجانه لوجستياً للتمدد وصناعة النفوذ، ويبقى السؤال الحالي: ما هو المشروع العربي الذي (يلهم الوجدان الشعبي العربي) ويستطيع أن يقنع الدول العظمى لتقدم له الغطاء اللوجستي للتمدد وصناعة النفوذ؟ فأقصى ما هو موجود في الساحة العربية كمشروع (ينشغل بالشعوب لا بالحكومات) ويستطيع امتصاص الاحتقان الشعبي ضد الواقع العربي المهترئ؛ ظهر على شكل دولة داعش، فيا لبؤس الحقيقة العارية إن لم تجد ما يسترها، فهل نستطيع إقناع الدول العظمى بأن (تصدير الثورة) لدول الجوار الإيراني عبر (ولاية الفقيه)، أكثر خطراً من طموحات (تفجير الثورة) في كل بلدان العالم عبر (الحاكمية)، التي تدعو لها نظرياً حركة الإخوان المسلمين، وعملياً القاعدة وداعش في كل الأرض، وليس في الوطن العربي فقط، كخرافة يؤمن بها كل من عجز عن رؤية النور في آخر النفق.

لقاءات القمة المخيبة لآمال الشعوب منذ أكثر من عقدين وانحدار مستوى الخطاب العربي بداخل القمم العربية على مستوى الزعامات؛ كان مؤشراً خطيراً على انهيار النظام العربي، وإيران ليست سوى مراقب جيد لهذه الإشارات ومعها تركيا، ومعهما الإخوان المسلمون الذين حاولوا التهام اللقمة الكبرى في الربيع العربي، في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن، ولكن كانت اللقم أكبر من الحلق.

إيران طائفية ما دمنا نراها كذلك، إيران صفوية ما دمنا نراها كذلك، لكن إيران كدولة تبقى ممكنة وليست مستحيلة، فبإمكاننا أن نختزل كل هذا فنراها إيران المسلمة، كما رأينا (تركيا أتاتورك) نموذجاً للإسلام المعتدل، رغم أطماعها في الجسد العربي أيضاً، لكن تبقى موهبة النابهين في امتلاك الإرادة والقدرة للنظر في أكثر من زاوية، فليس كل شيعة لبنان مع إيران، وليس كل شيعة العراق مع إيران، ولا شيعة أذربيجان ولا باكستان، بل ليس كل شيعة العالم الإسلامي مع إيران، فالشيعة ليسوا كلهم خمينيين، لكن قطعاً كل الشيعة ضد من يصر على أنهم عدو، فمن يلوم العقلاء في عداوة الحمقى؟! إذًا فالأزمة أزمة من لا يجيد سوى صناعة أعدائه، ولا يبرع إلا في تكثير خصومه، ويعجز عن رؤية الأصدقاء الممكنين والمحتملين، إنها فوبيا الطائفية عندما تستحكم في العقول، كالغيرة الحمقاء التي تجعل رب الأسرة يضيع استقرار أسرته بيده، لمجرد أن في المنزل أبوابا ونوافذ، يلوم أبناءه على الهرب منها، وأثر ضربه في أجسادهم يشهد على حماقته.

أظن أن الزمن تجاوز أساليبه القديمة في طرد الشيوعيين بالبعثيين واختزال القوميين بالناصريين وطرد الناصريين بالإسلاميين، لنرى أحفاد السامري وقد صنعوا عجل الطائفية بأموالنا وحلي نسائنا، ثم أخرجوه لنا، له خوار يملأ الآفاق من بغداد حتى نواكشوط.. فهل نظل له عاكفين بقرابين نقدمها بدماء أبنائنا؟! متناسين فكرة التعايش بمعيار العدالة والكرامة والحرية التي عجز العرب عن إدراكها والعمل بها، لتولد المواطنة على أنقاض الاستبداد، ليكون الدين لله والوطن للجميع؟ فإلى متى ننتظر؟