دول » السعودية

(الدعشنة) ... وكمية البيض الفاسد

في 2015/10/29

علي القاسمي- الحياة السعودية-

من لا يألم ويتوجع لما يفعله التكفيريون المجرمون في مساحاتنا الوطنية الآمنة الهادئة المسالمة فلا بد من أن نضعه خائناً من الدرجة الأولى. الفكر الإرهابي القذر يحاول جر السعودية إلى صراع سيأكلنا، سيضع التهم على حافة الطريق، وسنكون معه على موعد مع الحرائق والصدامات والشكوك وتقاذف اللعنات والدعوات ما دمنا لم نضرب الرأس أولاً.

ما يحدث الآن يخيفنا، لكنه يزيدنا تماسكاً وخوفاً على أرواح بعضنا، من يغني على جراحنا أو يمر عليها بهدوء وجمل مجاملة يستحق النزع وتوجيه أصابع اليدين كلها تجاهه. مصيبتنا في من يرى نفسه مكلفاً بأمر سماوي لتطهير الأرض قبل مشواره المؤكد بزعمه للمضي إلى الجنة، لا يستحق الخائن والمحتقن والمعتوه والمأزوم أن نصفق له ولا أن نبارك حرفه وفعله من أي طائفة كان، بلدنا أغلى من كل شيء. ودوماً أردد: انظروا حولكم لشيء من العظة والانتباه. الخونة كثر، لكننا أكثر تماسكاً وترابطاً. نحتاج إلى أن نكبر مع المواقف لا نتغابى مع السنين، وطننا بكل أطيافه ومساحاته الشاسعة المتماسكة الوفية لا بد من أن يكون مستيقظاً لكفاية ما مضى من الجراح. لم تكن الأفعال الإجرامية قادمة من السماء قدر ما كانت نتاجاً للصمت، والقفز من مساحة لأخرى بحجة أن المساحة المنتقل منها لا تعنينا في الوقت الحالي، أو نخجل من بعثرتها. أفعال التفخيخ والتفجير نتاج حي للتحريض المدروس في عقول الظلاميين والمعتوهين فكرياً، ومن الغباء رفيع الدرجات أن نجمع النسيج الوطني الأصيل والوفي على تنوعه في سلة واحدة، ونضع له طريقاً واحداً، نحو تعايش مطمئن، ففي ذلك نوع فريد من الغباء الذي لن يثمر إلا قيحاً فكرياً وصديداً نفسياً وتطرفاً أهبلَ ترتفع درجاته يوماً بعد يوم. وللسعودي من أي مذهب كان، وفي أي منطقة جغرافية طَلّ وحضر وتفاعل وتفاءل أن يؤمن بأن عدوه الحقيقي هو من يحاول ويقاتل ويخطط ويرسم؛ ليولِّد العداوة ويوقد الفتنة من أي منبر كان وفي أي أرض ولد بغية تفتيت بلد.

بيننا مَن يتلذذ في أن نعيش على محك التلاحم، ويحلم أن يغلق كل المنافذ المؤدية إلى تماسك استثنائي ومواطنة نموذجية، يخطط بالليل والنهار لأن نتحول إلى مسخ بشري، ومن ثم برك من الدماء وفواجع لا نقف أمامها إلا مصدومين متألمين عاجزين. السعوديون عليهم أن يؤمنوا أن المحاولات مستمرة، وعلى قدم وساق من أذناب لا يسرهم أن نكون بخير وفي خير، ويبهجهم أن نعيش إرباكاً منقطع النظير، على السعوديين أن يكونوا يداً واحدة؛ من أجل ألا ننزلق في خطاب محتقن متطرف، ينظر بعين حاقدة وقلب أسود، ومن أجل أن نقلص ما أمكن من الانحراف العقلي نظل في انتظار خطوة شجاعة تفرضها مواطَنة نقية؛ لتعرية لكل المؤججين التكفيريين، وتجريمهم تجريماً معلناً، فيكفي ما أعد من أطباق الكراهية المسمومة، وما صاحبها من تفنن في التوزيع من دون أن يسألهم أحد: لماذا؟ ومن أجل من؟ سنظل ناقمين غاضبين لاعنين لمن ضخَّم فينا خطاب الاختلاف، ولم ينمِّ ويهذب أصولاً وإضاءات ومتعة التعايش الوطني. الضمائر المستترة التي تتحرك وهي معبأة بالتكفير وهوس التأزيم والمدمنة للتصنيف والتشكيك وتوزيع صكوك الفرق الناجية هي العدو الأساسي لمشروع وطني يجب أن يكون سريعاً لفصل رؤوس الأفاعي، فالفواتير ليست رخيصة الثمن.