دول » السعودية

قراءة في مناهج التعليم في دولة داعش

في 2015/11/05

سليمان الضحيان- مكة نيوز السعودية-

داعش في حكم الواقع سلطة تتحكم بأرض مساحتها تعادل أكثر من ثلث العراق وسوريا بما فيها من موارد وسكان، وتصنف أيديولوجية داعش في ممارسة السلطة ضمن الأيديولوجيات الشمولية التي تنزع إلى السيطرة الشمولية على كل مناحي حياة من يخضع لسلطتها، فالسلطة الشمولية كما ينظر لها جيوفاني جنتيلي ـ أحد منظري السلطة الشمولية الفاشية في إيطاليا- هي «التمثيل والتوجيه الشامل للأمة والأهداف القومية»، ويلخص هذه الفلسفة الشمولية زعيم الفاشية الإيطالي بقوله: «كل شيء داخل الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة».

من خلال هذه الأيديولوجية نفسها تسعى داعش إلى إعادة الصياغة الشاملة لوعي وفكر ومفاهيم من هم تحت سلطتها من خلال مشروع (أسلمة الحياة) وفق فهم قادتها، وتتوجه بمشروعها إلى الأجيال الشابة التي يسهل برمجتها وفق أيديولوجيتهم، ولهذا أولت التعليم عنايتها الفائقة، فطرحت مشروعا للتعليم وفق مناهج معدة بمهارة.

وقد اطلعت على آخر إصدار لمناهجها وهو إصدار عام 1437هـ - 2015م، لمقررات السنة الأولى في المرحلة الثانوية القسم الأدبي (أسمته الشرعي)، وهي عشرة مقررات: (القرآن وتفسيره، والعقيدة، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، والسياسة الشرعية، والإعداد البدني، والتاريخ، والجغرافيا، والأدب، ومعاني النحو)، والهدف العام لكل تلك المقررات لخصته الديباجة المكتوبة في مقدمة كل كتاب منها، حيث جاء فيها: «بفضل الله تدخل الدولة الإسلامية عهدا جديدا، وذلك من خلال وضع اللبنة الأولى في صرح التعليم الإسلامي القائم على منهج الكتاب، وعلى هدي النبوة، وبفهم السلف الصالح، وبرؤية صافية لا شرقية ولا غربية، ولكن قرآنية نبوية بعيدا عن الأهواء والأباطيل، وأضاليل الاشتراكية الشرقية، والرأسمالية الغربية، أو سماسرة الأحزاب والمناهج المنحرفة في شتى أصقاع الأرض».

فالهدف هنا هو التأكيد على غرس فكرة تفردها بامتلاك الفهم الحقيقي للإسلام، وتفردها بتطبيقه بحذافيره، وبقراءة تلك المناهج المقررة على التلاميذ نجد أنها صيغت بمهارة لغرس عدة أفكار رئيسة تمثل أيديولوجية التنظيم، الفكرة الأولى: فكرة الحاكمية، وهي مبثوثة في غالب المناهج، ففي (منهج التاريخ) خصصت مباحث لانحراف الأمة عن تحكيم الشريعة وتخلي الدول الإسلامية اليوم عن الشريعة، وفي منهج أصول الفقه كانت الأمثلة على (الوجوب)، و(الإجماع) في قضية الحاكمية، فمثال الوجوب: وجوب تحكيم الشريعة، ومثال الإجماع: الإجماع على كفر من لم يحكمها، وفي (منهج العقيدة) خصصت مباحث في تأصيل كفر ترك تحكيم الشريعة، وتقرير طاغوتية الحكومات في العالم الإسلامي.

وأفرد الحديث عن كفر الديموقراطية والمنادين بها بمبحث خاص، وفي (منهج السياسة الشرعية) خصص مبحث في قتال الطائفة الممتنعة عن تحكيم الشريعة، وتأصيل قيام فئة صغيرة بقتال الأمة إذا عطل حكم واحد من أحكام الشريعة.

الفكرة الثانية: فكرة الولاء والبراء، خصصوا لها مباحث في (منهج العقيدة)، وقرروا أن الولاء لا يتم إلا لسلطة أو جماعة مؤمنة محكمة للشريعة، وهذا لا يتحقق في هذا العصر إلا بسلطة الخليفة البغدادي، فكل ولاء لغيرها هو خروج عن الدين؛ لأنه ولاء إما لكفار أصليين أو لمرتدين يحكمون بغير الشريعة، ولا يتحقق الإسلام إلا بالبراءة من كل حزب أو مذهب لا يحكم بالشريعة، وإعلان العداوة لهم، ومؤدى هذا إعلان العداء لكل العالم سوى داعش، فهي الوحيدة في نظرهم التي تحكم الشريعة، وتحقق البراءة من الشرك.

الفكرة الثالثة: استمرارية الجهاد حتى يدين العالم كله بالإسلام، ففي (منهج السياسة الشرعية) قرروا من أن أهم مهمات الدولة الإسلامية إقامة الجهاد، وتهيئة الجيوش لنشر الإسلام في الأرض، وقرروا منهجا خاصا للجهاد وهو (منهج الإعداد البدني)، يدرس فيه الطلاب أصول اللياقة البدنية مع تطبيقها، وخصصوا فيه مباحث لشرح سلاح الكلاشنكوف وكيفية استعماله عمليا، وفي (منهج أصول الفقه) كانت كثير من الأمثلة على مسائل الوجوب والإجماع عن الجهاد، وفي (منهج الأدب) خصصوا جزءا منه لشعر الجهاد والحث عليه، وصاحب كل كتب المقررات رسومات للأسلحة في نهاية كل مبحث، فروح الجهاد والحث عليه مبثوثة في غالب كتب المناهج المقررة.

الفكرة الرابعة: فكرة الأممية، وهي ترسيخ أممية دولة داعش، وأنها لكل المسلمين، ففي (منهج التاريخ) تحدثوا عن حقب التاريخ الإسلامي، وجعلوا نهايته بقيام دولتهم، حيث قالوا عن نهاية عصور التاريخ الإسلامي: «عصر الخلافة على منهاج النبوة، وهو العصر الذي بدأ بتأسيس دولة الخلافة في عصرنا الحاضر، بعد الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية وخلافة أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي»، وذكروا أنه لا يجوز أن يحكم المسلمين خليفتان؛ لأن في هذا تفتيتا لقوة المسلمين، ويجب على المسلمين في العالم كله السمع والطاعة للخليفة، ولا يجوز الخروج عليه، وفي (منهج العقيدة) خصصوا مباحث لنقد (الوطنية) و(القومية)، فهما في تقرير ذلك المنهج فكرتان طاغوتيتان؛ لحرف الولاء لغير الله وشريعته، ولا نجاة إلا بالالتفاف حول دولة الإسلام الموحدة، وهي دولة الخلافة (داعش)، فيجب الهجرة إليها، وكل راية ترفع لغيرها فهي باطلة.

هذه الأفكار الأربع التي بُنيت عليها مناهج التعليم في دولة داعش تشكل أيديولوجية محكمة في النظر للواقع والعالم والتاريخ والأشخاص والأفكار والأديان، وتكمن خطورتها أنها كتبت بأسلوب قطعي مدعم بأدلة منتقاة بعناية من القرآن والسنة، وأقوال علماء أجلاء من علماء التراث الإسلامي، وهنا تكمن الخطورة؛ إذ إنها – إن استمرت – ستخرج جيلا راديكاليا متطرفا مهووسا بفكرة الأنا الطهرانية، وفكرة الاصطفاء من الله لحمل مشعل الهداية للبشرية.