الخليج أونلاين-
بأسماء طنانة ورنانة وصلت إلى حد التهكم عليها تحاول الإمارات تبييض سمعتها وصورتها أمام العالم، التي تضررت من جراء ما فعلته أيديها التي امتلأت من دماء الشعوب العربية في اليمن وليبيا ومصر، ومحاربتها لتطلعات الشعوب الثائرة من أجل حريتها وكرامتها.
"اللا مستحيل" وزارة جديدة استحدثتها الإمارات بعد "السعادة" و"التسامح"، في خطوة لم تفعلها دول أقدر منها، تتصدر مؤشرات السعادة في العالم؛ كالدنمارك وكندا وفنلندا، وهو ما طرح تساؤلاً حول "اللا مستحيل" الذي تريد أبوظبي تحقيقه في وقت لم تحقق نظيرتاها (السعادة والتسامح) أهدافهما.
وتعيش دولة الإمارات في مسلسل من الفضائح التي تلاحقها بسبب دورها التخريبي ونشر الفوضى في عموم المنطقة، بهدف تحقيق أطماعها التي أراقت دماء شعوب في سبيلها، وهو ما يتعارض تماماً مع ما تروجه تلك الوزارات.
الإعلان عن الوزارة الجديدة، جاء من إمارة دبي التي تواجه ناطاحاتها أزمات اقتصادية متتالية، جعلت من سمعة الإمارة تتهاوى بأوصاف خطيرة كغسل الأموال والتهرب الضريبي.
وأعلن نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء، محمد بن راشد آل مكتوم، الثلاثاء (23 أبريل)، إطلاق منظومة عمل جديدة ضمن حكومة بلاده، مشيراً إلى أنها ستكون "وزارة دون وزير، وطاقمها أعضاء مجلس الوزراء، وتعمل على ملفات وطنية مهمة، وبناء أنظمة حكومية جديدة للمستقبل".
ولاقت الخطوة الإماراتية "الرنانة" سخرية واسعة وصلت إلى حد مطالبتها بإنشاء وزارة تُعنى بـ"حرية التعبير" المسلوبة في البلاد، و"وزارة وقف التدخل في البلدان العربية"، خاصة أن تناقض الإمارات التي تدّعي أنها دولة السعادة والرفاهية والتنمية بات واضحاً، وبات الجميع يدرك أن وراء ما تُخفيه خلف أبراجها الشاهقة والفنادق الفارهة تاريخاً أسود من الظلم وغياب العدالة.
وهم "اللا مستحيل"
ومن وحي اسمها؛ فإن وزارة "اللا مستحيل" يفهم أنها ستحل كل المشاكل التي استعصى حلها سابقاً، لكنها تبدو عاجزة عن تحقيق ذلك، كأزمة احتلال الجزر الإماراتية المستمرة منذ 48 عاماً من إيران، دون أن تحرك أبوظبي ساكناً.
وتحتل إيران ثلاث جزر إماراتية منذ نهاية نوفمبر عام 1971، وتتبع إمارة الشارقة، وترفض إيران إلى الآن إعادتها للسيادة الإماراتية، وذلك رغم التنديد العربي والدولي.
وعلى الرغم من أن "السلاح" الإماراتي مشهر في وجه تطلعات وآمال الشعوب العربية، ويصب في دعم الثورات المضادة، فإن ذلك يختفي فجأة عند الحديث عن قضية الجزر المحتلة.
ويرجع سر تمسك إيران بسيطرتها على الجزر الثلاث إلى سببين؛ أولهما أن تلك الجزر تمكن طهران من التحكم في مضيق هرمز، نظراً لموقع الجزر الجوهري، وثانيهما أن هذه الجزر تعد منطقة استراحة للسفن القادمة والخارجة من المضيق.
وتؤكد الإمارات أن "الحل السلمي" هو الخيار الاستراتيجي لاستعادة جزرها المحتلة من إيران، وفي نفس الوقت تقيم أرفع العلاقات الاقتصادية معها، لكن "اللامستحيل الإماراتي" لا يجد "غضاضة" في حصار جارتها قطر منذ يونيو 2017 وحتى اليوم؛ بدعوى علاقتها مع طهران!
محاولات غزو "مستحيلة"
ويبدو من خلال الخيار الاستراتيجي أن مهام وزارة "اللا مستحيل" ستكون خاوية تجاه استعادة سيادة الإمارات، لتنضم بذلك إلى قائمة طويلة من الشعارات "الخاوية من المعنى"، كما يصفها مراقبون.
"اللا مستحيل" الإماراتي لم يجد غضاضة أيضاً في غزو الدول ونشر الفوضى فيها من خلال دعم الثورات المضادة وافتعال الأزمات.
فأبوظبي كانت رأس حربة في حصار قطر، إلى جانب السعودية والبحرين ومصر في يونيو 2017، بدعوى دعمها للإرهاب وعلاقاتها مع إيران، وهو ما تنفيه الدوحة وتؤكد أن غاية الحصار هو سلب قرارها الوطني وسيادتها، وهو ما كشفه أمير الكويت حين أكد محاولات الرباعي غزو قطر.
ومن السياسات التي زعزعت استقرار الدول تجسس دولة الإمارات على سلطنة عُمان منذ 2011، حين تدخَّل أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، لاحتواء أزمة تسبّب فيها اكتشاف سلطات مسقط خلية تجسس تتبع الإمارات اخترقت مواقع عليا في الدولة بهدف إسقاط السلطان قابوس، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم.
وأعلنت الحكومة العُمانية حينها تفكيك شبكة التجسس التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي، مشيرةً إلى أنها كانت تستهدف نظام الحكم في البلاد، وآلية العمل الحكومي والعسكري بالسلطنة.
غزو "اللا مستحيل" الإماراتي دمر دولاً كان من المفترض أن يكون لها مستقبل كبير بعد ثورات الربيع العربي، فبعد أربع سنوات كاملة من حربها إلى جانب حليفتها (السعودية) في اليمن، شهد المشهد اليمني تغيرات كبيرة وجوهرية، فالشرعية التي لأجلها اندلعت الحرب لم تعد تناضل للعودة إلى صنعاء بل إلى عدن، واليمن الواحد بلغة الواقع أصبح مشروعاً لـ"دويلات متشظية"، والأرض التي لم تصل إليها نيران الانقلابيين الحوثيين مثل سقطرى والمهرة، وصلت إليها أطماع الإمارات، لكنها ما لبثت أن تهاوت تحت غضب الشعوب.
ولم يعد قرار الموانئ والمطارات والمنافذ بيد اليمنيين، ولم تعد قرارات تعيين المسؤولين بمعزل عن الإملاءات السعودية والإماراتية، وعزل رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر المثال الأبرز.
كما لم يعد الخطف والاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب والسجون السرية يقتصر على مليشيا الانقلاب، ولم يعد تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة المليشيا الحوثية التي تدعمها إيران إرادة وطنية، بل إن سماء اليمن وبرها وبحرها أصبحت جميعها خارج نطاق سيطرة القرار الوطني والسيادي، ولعل الثابت الوحيد هو المعاناة الإنسانية المتصاعدة التي يتكبدها المدنيون اليمنيون.
وفي ليبيا أدت الإمارات دوراً في إشعال شرارة حربٍ أهلية بين جنرال حالم بعودة الاستبداد وقوى "الوفاق" والثورة الطامحين إلى مستقبل حر ديمقراطي، فعلانية دعمت أبوظبي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر عندما أعلن محاولته الانقلابية الأولى في فبراير 2014، ومهَّدت له كل السبل العسكرية والمادية حتى بسط سيطرته على شرقي البلاد.
ويقود اليوم حفتر عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، وفرض أمرٍ واقع بتكرار نموذج عبد الفتاح السيسي، الذي تدعمه أبوظبي أيضاً في الحكم، بدعوى مكافحة "التطرف والإرهاب".
"اللا مستحيل" الإماراتي امتد ليحاول نشر الفوضى حتى خارج الإقليم العربي، إذ أعلنت تركيا، الاثنين 22 أبريل 2019، اعتقالها خلية تجسس تتبع لأبوظبي على أراضيها.
ووجَّهت النيابة التركية إلى كل من سامر سميح شعبان (40 عاماً) وزكي يوسف حسن (55 عاماً)، وهما مواطنان فلسطينيان يحملان جوازي سفر فلسطينيَّين، تهمة الحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة بغرض التجسس السياسي والعسكري، بحسب "TRT".
وتشير التحقيقات، وفقاً للائحة الاتهام التي أعدّها المدعي العام الجمهوري في إسطنبول، إلى أن كلا المقبوض عليهما كان على صلة بمحمد دحلان، الذي يقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتوجد أدلة على تورطه في محاولة 15 يوليو الانقلابية الفاشلة بتركيا عام 2016؛ وهو الأمر الذي دفع أجهزة الأمن التركية إلى متابعة تحركاتهما واتصالاتهما حتى اعتقالهما يوم الاثنين الماضي.
زيف وكذب
"اللا مستحيل" لم يشمل ما شهده الاقتصاد الإماراتي من نمو بوتيرة أبطأ من المتوقع في عام 2018، رغم استفادته من ارتفاع أسعار النفط، وهي أبطأ وتيرة منذ الانكماش الذي شهده عام 2009.
وسبق وهْم "اللا مستحيل" محاولة تصدير "سعادة" إماراتية مزيفة، من خلال تدشين وزارة بهذا الخصوص عام 2016، كانت جديدة من نوعها في العالم، كما أنشأت وزارة أخرى لـ"التسامح".
لكن الإجراءات التعسفية بحق السجناء في بلادها طوال السنوات الماضية، كشفت زيف ما تُظهره الدولة، فلم يشمل تسامحها أعداداً كبيرة من سجناء الرأي والمعارضين، وهو ما يجعلها دولة "قمعية وسيئة السمعة"، كما يصفها حقوقيون.
كما تسربت من سجونها صرخات معتقلات تعرضن لأقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، دون مراعاة لما تروّجه البلاد عن اهتمامها بحقوق المرأة.
ولم يقتصر الأمر على الداخل فقط، فقد أُطلقت صرخات من منظمات دولية حول سجونٍ أقامتها الإمارات في اليمن، وزجّت فيها بمواطنين يمنيين.
والعام الماضي، قدّم عديد من ضحايا التعذيب في السجون الإماراتية شكاوى إلى المحاكم الدولية، وأكّدوا من خلالها تعرّضهم لانتهاكات جسدية ومعنوية، وتعذيب من قِبل إدارة السجون، لكن السلطات الإماراتية لم تفسح المجال أمام اللجان الدولية للتحرّي حول مصداقية تلك الادعاءات؛ دون تقديم أي توضيح.
وتنقل منظمات حقوقية عن معتقلين في سجون "الوثبة" و"الرزين" و"الصدر" أن كثيراً من النزلاء يتعرضون للاختفاء القسري أشهراً، إضافة إلى استخدام العنف والتعذيب النفسي والبدني، وطالت بعضاً منهم أحكامٌ جائرة نهائية صدرت عن قضاء أمن الدولة بالمحكمة الاتحادية العليا، في محاكمة تفتقر إلى أبسط ضمانات المحاكمة العادلة.
وحوَّلت الإجراءات التعسفية بحق السجناء، طوال السنوات الماضية، الإمارات إلى "دولة قمعية وسيئة السمعة"، كما يصفها حقوقيون، دفعت البعض إلى تسمية سجن "الرزين" بـ"غوانتنامو الإمارات".
المستشار القانوني محمود رفعت، رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أكد في لقاء سابق على قناة "الجزيرة"، في يونيو 2017، أن النظام الإماراتي افتتح، منذ عام 2015، 55 منظمة دولية، منها "ما هو مجهول لا نعرف عنه أي شيء"، لبثّ تقارير مزيفة تُظهر الإمارات على أنها نموذج للتنمية في الشرق الأوسط.
في حين تكشف تقارير إعلامية دولية، وتقارير منظمات حقوقية أممية، ممارسات غير إنسانية تجري بحق الوافدين، الذين يشكلون 80% من سكان الدولة.
ففي عام 2017 استنكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية المعاناة اللاإنسانية للعمال في موقع بناء متحف اللوفر أبوظبي عشية افتتاحه، مذكرةً بحجم الانتهاكات التي تقترفها دولة الإمارات بحقهم.
وكانت الإمارات قد رحّلت في عام 2013 عدة مئات من عمال البناء في جزيرة السعديات بشكل تعسّفي، ومنعتهم من دخول البلاد مدة سنة؛ لأنهم مارسوا حقهم في الإضراب، كما أن ظروف المعيشة والعمل المؤسفة هذه تعتبر المسؤولة جزئياً عن زيادة معدل الانتحار بين هؤلاء العمال.