دول » الامارات

سوء أوضاع العمالة يعصف بمصداقيّة الإمارات

في 2024/07/11

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

من المعلوم أنّ العمالة الأجنبية تمثل جزءًا كبيرًا من الطاقة العمّاليّة، في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشكّل نسبة تقدّر بنحو 86% من سكان الدولة، كما يبلغ عدد جنسيات العمالة الأجنبية أكثر من مئتي جنسية. 

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإمارات لها باع طويل ونفوذ في الإعلام والفضاء الإلكتروني والتسويق لمنتجاتها وسياساتها، ومنها حقوق العمالة واحترامها. وعلى الرغم من ذلك؛ المنظمات الدولية تصنّف الإمارات سلبيًا ضمن مؤشرات حقوق العمّال والعبودية الحديثة، حيث يتعرض نظام الكفالة لانتقادات قاسية من المنظمات الحقوقية التي تصفّه بأنّه شكل من أشكال العبودية. 

كما رفضت السلطات الإماراتية اقتراحات إضافية لحقوق الإنسان؛ كانت قد قدّمتها الأمم المتحدة جزءًا من المراجعة الدورية الشاملة للإمارات، وقدّمت عددًا من الاقتراحات التي تخصّ معاملة العمّال الأجانب على وجه خاص، وعلى سبيل المثال، رفض الإمارات لتوصيات السماح للعمّال الأجانب في إنشاء نقابات عمّاليّة. 

لقد ظهرت قضية انتقاد الإمارات، في هذا الملف، إلى السطح مجددًا بعد تحقيق نشره موقع Middle East Eye البريطاني، عن تفشي "حمى الضنك" بعد الفيضانات الشديدة في الإمارات وتأثيره، بشكل غير متناسب، في العمّال المهاجرين ذوي الدخل المنخفض.

لقد سجلت الإمارات، في شهر أبريل/نيسان الماضي، ما يصل إلى 254 ملم من الأمطار في أقل من 24 ساعة، وهو أعلى مستوى منذ بدء التسجيل في العام 1945. وخلّفت الفيضانات بركًا من المياه الراكدة، ما أدى إلى خلق بيئة خصبة لتكاثر البعوض الذي ينشر حمى الضنك، وهي عدوى فيروسية تنتقل من الحشرات إلى البشر. 

كما سلّط تقرير صادر عن المنظمة غير الحكومية "Fair Square" الضوء على إهمال السلطات الإماراتية مواقع تكاثر البعوض، في بعض المناطق التي يسكنها العمّال المهاجرون، ما أدى إلى إصابة السكان بأمراض خطيرة، وكذلك صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية. إذ ظلّت برك المياه الراكدة موجودة حتى أواخر شهر يونيو/حزيران الفائت، في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية من العمال المهاجرين، بما في ذلك دبي والشارقة وعجمان ورأس الخيمة. وفي هذا الصدّد؛ نقلت وسائل الإعلام عن "جيمس لينش" من مؤسسة Fair Square: "من الواضح أن مناطق معينة من البلاد تعرضت للإهمال في الاستجابة، وخاصة فيما يتعلّق بتطهير المياه". وذكر أنّ: "أسبابًا بنيوية عميقة" تسهم في صعوبة حصول الجاليات المهاجرة على الرعاية الصحية، بما في ذلك الاعتماد على أصحاب العمل في التأمين الطبي والمعلومات.

كم أكد لينش أنه: "يتعيّن على سلطات الإمارات دراسة كيفية تمكين العمّال من الحصول على الرعاية الصحية على قدم المساواة، حتى لا يعتمد الأمر على صاحب العمل. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي منح الناس قدرة الوصول إلى الرعاية الصحية مجانًا عند نقطة التسليم". 

هذه القضايا التي تتهم دولة الإمارات بالعنصرية والتمييز بين العمال والمهاجرين، تناولها مركز الخليج لحقوق الإنسان في أثناء جائحة كورونا. فقد رصد المركز أن العمّال في الإمارات: "يعانون جراء العنصرية ونقص الرعاية الصحية، خاصة في ظلّ الظروف التي فرضتها جائحة كورونا"، مضيفّا أنهم: "تُركوا وحدهم لمواجهة الجائحة من دون دعم، وفي ذلك عدم الحصول على الرعاية الطبية أو تكوين النقابات".

كما أكد المركز أن: "نظام الكفالة الذي يكرّس التمييز والاستغلال يتعارض في أساسياته مع مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان وأنظمة العمل الحديثة/ والتي تستند في مرجعيتها إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990". وأشار إلى أنّ: "تقارير صحافية أكدت انتشار كورونا في أوساط العمّال الوافدين في الإمارات بسبب افتقادهم لوسائل الوقاية الفعّالة". وكانت وزارة الموارد البشرية وشؤون التوطين الإماراتية أصدرت، في 26 مارس/أذار 2020، قرارًا تعسفيًا يستهدف العمّال الوافدين فقط في ظلّ انتشار كورونا، منتهكًا أبسط حقوقهم، حيث أطلقت الإمارات بذلك القرار يد الشركات الخاصة بتعديل عقود العمّال الوافدين أو إجبارهم على إجازة غير مدفوعة الأجر أو تخفيض الراتب بشكل دائم أو مؤقت.

تعليقًا على ذلك؛ أكّد المركز أنّ: "هذا القرار يحمي الشركات، بشكل قانوني متكامل. إذ لا يحقّ للعمّال الوافدين الشكوى أو اللجوء إلى القضاء في حال انتهك  ربّ العمل حقوقهم، مطالبًا السلطات بإلغاء نظام الكفالة وسنّ قوانين عمل جديدة تحترم الحقوق المدنية والإنسانية للعمّال المهاجرين، بما في ذلك تشكيل النقابات والانضمام إليها.

هذا الملف، وما فيه من فجوة بين ما تروّج له الإمارات عبر المواقع الإخبارية ووسائل التواصل من أوضاع مثاليّة للعمّال وبين الواقع الفعلي الذي تكشفه التقارير الحقوقية وتنتقده المؤسسات الأمميّة، يخلق وضعًا خطيرًا ينطلق من عدم المصداقية، وينسحب بدوره على جميع القضايا الأخرى والملفات السياسية والثقافية المختلفة، ويمسّ بسمعة الدولة بشكل قد يهدّد كثيرًا من نجاح الطموحات الإماراتية لتأدية دور إقليمي وعالمي.