دول » الامارات

هجرة الشركات من مصر للإمارات.. أسباب اقتصادية وتحولات سوقية

في 2025/01/01

متابعات

شهدت مصر، خلال السنوات القليلة الماضية، تحوّلات اقتصادية وسياسية أثّرت بشكل كبير على مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال.

أدّت هذه التغيّرات إلى انتقال عدد متزايد من الشركات المصرية إلى الإمارات العربية المتحدة، بحثاً عن بيئة استثمارية أكثر استقراراً وجاذبية.

هذا التحوّل يعكس تحديات داخلية تواجهها مصر، إضافة إلى الفرص التي تقدّمها الإمارات كمركز إقليمي للأعمال والاستثمار.  

آلاف الشركات تغادر

يُعدّ انتقال الشركات المصرية إلى الإمارات ظاهرة تعكس التحديات والفرص في بيئة الأعمال الإقليمية.

وكشف الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي المصري محمد الإتربي، عن مغادرة نحو 2360 شركة مصرية للعمل في دولة الإمارات، خلال النصف الأول من العام الجاري، حيث سجلت إمارة أبوظبي نمواً بنسبة 4.1% في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من العام الجاري، بما يعادل أكثر من 297 مليار درهم إماراتي (نحو 81 مليار دولار).

ويُعزى هذا النمو إلى التوسع في الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، مما جذب العديد من الشركات للاستفادة من التسهيلات المقدمة لبيئة الأعمال في الإمارة.

وفي اجتماع ضم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي وعدداً من كبار المستثمرين، أوضح الإتربي أن مصر تمتلك إمكانات كبيرة، إلا أن بيئة الأعمال المحلية تعاني من بعض التحديات.

كما أشار إلى أن توقعاته تشير إلى انخفاض معدلات التضخم وأسعار الفائدة بين 3% و6% بحلول عام 2025.

ومن جانبه أعلن رئيس الوزراء المصري العمل على إعداد برنامج جديد لاسترداد أعباء الصادرات، يتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، ليشمل تخصيص ميزانية محددة لهذا الغرض في الموازنة العامة المقبلة.

كما أشار إلى موافقة مجلس الوزراء على التعاون مع مؤسسة التمويل الدولية لطرح إدارة وتشغيل المطارات بالشراكة مع القطاع الخاص، إلى جانب خطط لفتح المجال أمام القطاع الخاص لإدارة وتشغيل البنية التحتية الحكومية، من ذلك الطرق ومحطات المعالجة وتحلية المياه.

إلى ذلك بلغ صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو الماضي نحو 46.1 مليار دولار، منها 35 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة، و11.1 مليار دولار من استثمارات أخرى.

أسباب وتحديات

ويقول الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله إن مصر تعاني منذ فترة طويلة من أزمات اقتصادية عديدة، وكان سعر الصرف وندرة النقد الأجنبي الموجود في السوق الداخلية، أحد أهم ملامح هذه الأزمات.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن معظم الشركات العاملة في مصر عانت بشدة بسبب التقلبات الشديدة في سعر الصرف، حيث انهار في السنوات العشر الأخيرة من نحو 7.5 جنيه مقابل الدولار، إلى أكثر من 50 جنيهاً للدولار الواحد.

ويوضح ذكر الله أن هذا التدهور المستمر للجنيه المصري يؤدي بلا شك إلى مزيد من عدم الثقة بالنسبة إلى الشركات العاملة في السوق الداخلية، لا سيما أن مصر مرتبطة أيضاً باتفاقيات صندوق النقد الدولي، التي تفرض عليها مزيداً من المرونة في أسعار الصرف.

ويرى أن من الأسباب التي دفعت الشركات للخروج من مصر تجاه الإمارات هي ندرة النقد الأجنبي، حيث قيدت مصر الاستيراد إلا للسلع الاستراتيجية الضرورية، وتسبب ذلك بتكدس كبير للبضائع في الموانئ المصرية، وعانت الشركات كثيراً من استيراد قطع غيار للآلات في المصانع، أو المواد الخام، كما تضررت الشركات العاملة في الاستيراد.

ويلفت ذكر الله إلى أن السبب الأهم لخروج الشركات هو المناخ الاستثماري الداخلي، الذي يهيمن عليه القطاع الأمني بصورة كبيرة، ومن ثم فإن الشركات لا بد لها أن تتعامل بشكل أو بآخر مع الشركات المهيمنة التابعة للجهات الأمنية بمختلف عناصرها، سواء للمخابرات أو للجيش أو للشرطة وغيرها.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "الشركات تُفرض عليها إتاوات وعمولات، ويفرض عليها كثير من البيروقراطية، ومن ثم هناك أزمة كبيرة تعاني منها هذه الشركات".

ويردف: "المشكلة الأخرى هي أزمة التراخيص، حيث لا تزال مصر تعاني من بيروقراطية كبيرة في منح التراخيص، ولم تستطع الجهات المعنية حتى الآن حل هذه المشكلة في الداخل بصورة كاملة".

ويلفت ذكر الله إلى خروج الشركات من مصر ليس فقط باتجاه الإمارات، إذ تكشف الإحصائيات الرسمية المصرية السعودية عن أن الاستثمارات الخارجة من مصر والمتجهة نحو السعودية، العام الماضي، كانت نحو عشرة أضعاف الاستثمارات الداخلة من المملكة إلى مصر.

ويؤكد ذكر الله أن خروج الشركات يعكس الأزمات التي يعاني منها الاستثمار الأجنبي على الأراضي المصرية، لافتاً إلى أن توجه الشركات إلى الإمارات يعزز مكانة السوق الإماراتي، ويسحب من رصيد المكانة الدولية للسوق المصري.

تحولات السوق المصري

ومع تراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، خلال السنوات الأخيرة، وانخفاض قيمة العديد من الشركات المصرية، شهد السوق المحلي موجة استحواذ من مستثمرين عرب على شركات مصرية عامة وخاصة، ما أدى إلى شطب عدد كبير منها من البورصة المحلية بعد دمجها في كيانات جديدة.

وتقلص عدد الشركات المدرجة في البورصة المصرية بشكل ملحوظ، حيث انخفض من نحو 1500 شركة في تسعينيات القرن الماضي إلى نحو 226 شركة بحلول نوفمبر الماضي، برأس مال سوقي يقدر بـ43.26 مليار دولار.

وخلال عام 2023، شُطبت شركات بارزة مثل "البويات والصناعات الكيماوية - باكين" عقب استحواذ إماراتي، و"العز الدخيلة الإسكندرية"، الأمر الذي دفع ذلك هيئة الرقابة المالية إلى تعديل قواعد القيد والشطب، في سبتمبر الماضي، لتشترط الإفصاح عن أسباب الشطب وضمان حقوق المساهمين عبر شراء الأسهم بأعلى القيم السوقية.

وفي سبتمبر ذاته، وافقت لجنة القيد بالبورصة على الشطب النهائي لأسهم "إنتغريتيد دياجنوستكس هولدينغز بي إل سي"، المالكة لسلسلة معامل "البرج" و"المختبر".

بالإضافة إلى ذلك، ومع عروض الاستحواذ على شركات مثل "السويدي إليكتريك"، و"دومتي"، و"سيرا للتعليم"، تقترب هذه الشركات أيضاً من الخروج من السوق المحلي.

ويرى خبراء اقتصاديون، نقل آراءهم موقع "بوابة الحرية والعدالة"، أن الشطب الاختياري يضر بصغار المساهمين عبر تحويل ملكياتهم إلى أسهم غير قابلة للتداول، ما يجعلهم عرضة لضغوط بيع لصالح كبار المستثمرين.

كما تثير هذه الممارسات مخاوف من تأثير الشطب والقيد ببورصات خارجية في تهريب الأموال إلى الخارج.

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع توجه حكومي لطرح أصول وشركات حكومية كبرى في البورصة المحلية، ما يثير القلق حول تأثير خروج الشركات العملاقة على الثقة بالسوق المالي، الذي يعوَّل عليه لاستعادة التوازن وزيادة رأس المال السوقي.