دول » الامارات

الخلايا الإرهابية بين الإعداد والضبط والردع

في 2015/09/09

أحمد محمد الشحي- البيان-

لا يكاد يخفى أن موضوع الخلايا الإرهابية أصبح مهماً جداً في نظر أصحاب القرار وجهات الاختصاص، خصوصاً مع تنامي هذه الخلايا وتنوع ممارساتها الإجرامية، ما يتطلب مزيداً من الدراسة والبحث في اختيار أنفع السبل في إضعاف هذه الخلايا وتعطيل أهدافها، ومن هذا الجانب أحببت المشاركة في تناول هذه القضية من خلال ثلاثة جوانب مهمة وهي الإعداد والضبط والحزم أو الردع.

الجانب الأول: من المعلوم أن إنشاء العصابات الإجرامية وتكوين الخلايا الإرهابية وزرعها ودعمها وتمويلها وإدارتها وتنشيطها لاستهداف وضرب الدول والشعوب هي إحدى الوسائل المعروفة التي تُستخدم من قبل الأجهزة والمنظمات المعادية بقصد تحقيق مصالحها، ومع انكشاف العديد من الخلايا الإرهابية في دول الخليج وقيام بعضها بأعمال إجرامية دنيئة فقد ظهر لكل عاقل بأن الأمر في جملته هو نتاج إعداد مقصود وممنهج وتخطيط وآليات تنفيذ تتولى زمامها جهات معادية تتقصد إلحاق الأذى والضرر بهذه الدول وأهلها، وتعمل على نفث سمومها في السراديب المظلمة لنشر الفوضى وإشاعة الإرهاب بلا وازع ولا ضمير، سواء كان الإعداد من قبل هذه الجهات المعادية متعلقاً بتكوين الخلايا أو تنشيطها أو تحريكها في أوقات وأماكن معينة وضد أهداف ومستهدفين معينين أو من خلال تجنيد المنتظمين في الخلايا وفق الوسائل المختلفة ومن أهمها الدافع الفكري المنحرف الذي يجعل صاحبه أداة تنفيذ سهلة بيد أي جهة معادية.

وهذا التصور وإن كان حاضراً في عقول الكثيرين من مثقفين وباحثين ومفكرين ومراكز بحثية وأجهزة مختصة وأصحاب قرار في دول الخليج وغيرها إلا أن الأمر يقتضي أن تكون درجة الوعي به عالية وقوية، خصوصاً مع انكشاف العديد من الخلايا الإرهابية في دول الخليج والتي حاولت استهداف أمنها بمنتهى المكر والخسة.

الجانب الثاني: جانب الضبط، فمن فضل الله تعالى أنَّ درجة التحرك الإيجابي المضاد لإفساد المخططات الدنيئة كانت قوية ومشرفة، فقد وُفِّقت الأجهزة المختصة في دول الخليج توفيقاً كبيراً لضبط هذه الخلايا، وكشف أوكارها، وتعطيل كثير من أنشطتها وأهدافها الكبيرة، مما يبين للجميع مدى الرؤية العميقة التي تمتلكها دول الخليج تجاه هذه التهديدات، ومدى كفاءة أجهزتها الأمنية وسهرها الدؤوب لحماية الأمن والاستقرار وصد المؤامرات المختلفة.

الجانب الثالث: جانب الحزم والردع وهو من أهم الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام، وأعني به اتخاذ استراتيجيات قوية بعد ضبط هذه الخلايا الإرهابية تشتمل على صبغة الحزم في التعامل مع منابع الإرهاب المختلفة، وذلك وفق معايير دقيقة تشمل صغير الإرهاب وكبيره، بحيث تجعل كل ما له تعلق بالإرهاب من قول أو فعل تحت طائل المحاسبة والمسؤولية، وذلك من خلال سن القوانين الحازمة في هذا الباب، وعدم الاكتفاء بذلك، بل لابد من تفعيلها وتحريكها ضد المتورطين، ثم تطبيقها في ساحة القضاء لتأخذ العدالة مجراها بكل وضوح ومصداقية بعيداً عن أي نوع من المجاملات أو التراخي، فهذا الجانب أرى من الضروري جداً أن تسلكه بعض دول الخليج لسد أي ثغرة أو منفذ قد يتسلل منه أي خطر إرهابي كامن.

ولعل دولة الإمارات العربية المتحدة نموذج رائد في هذا الباب، فقد اتخذت فيه خطوات استباقية فاعلة، حيث سنت القوانين الرادعة في مجال مكافحة الجرائم والأنشطة الإرهابية والإلكترونية، ووضعت ضوابط وقيوداً مُحكمة تجرِّم الأشخاص أو المجموعات التي تحاول العبث بأمن الوطن واختراق سياجه المنيع، ثم فعَّلت هذه القوانين بوضوح وحزم على أرض الواقع بتنفيذها عملياً في حق الخلايا أو الأشخاص المتورطين في الأنشطة الإرهابية، سواء كانوا مقيمين أو مواطنين بغض النظر عن منزلتهم الاجتماعية، فلم تجامل في ذلك، بل جعلت القضاء يأخذ مجراه في حق الجناة أياً كانوا، ما ساهم في رفع مستوى تراجع الأنشطة العدائية، وتوسيع رقعة الإخفاق لديها، وتعزيز الاستقرار والأمن في دولة الإمارات.

وهناك صورة مهمة من صور الحزم والردع أيضاً وهي التعامل بمنهجية حازمة مع الجهات الخارجية - دولاً كانت أو منظمات - والتي يثبت تورطها في إعداد الخلايا الإرهابية أو تنشيطها أو تمويلها في دول الخليج، سواء كان ذلك بالطرق السياسية والدبلوماسية، أو بالطرق القضائية المتاحة، وذلك برفع قضايا ضد هذه الجهات بحسب الأنظمة المعمول بها دولياً.

 

وأخيراً، أقول: إن التعامل مع هذه التهديدات يتطلب منا جميعاً بجميع فئاتنا جهوداً مشتركة على كل المستويات، ومما نحتاج إليه في ذلك:

أولاً: زيادة الوعي واليقظة بمخاطر الإرهاب وتنظيماته وأفكاره المتطرفة، وترسيخ ذلك في المجتمع، سواء على نطاق الأفراد أو الأسر أو المؤسسات المتنوعة الدينية والثقافية والاجتماعية والإعلامية وغيرها.

ثانياً: ترسيخ القناعة بكفاءة الأجهزة الأمنية، والإشادة بإنجازاتها، وتعميق التعاون معها، واعتبار ذلك واجباً دينياً ووطنياً لا ينبغي التهاون فيه، وبالأخص فيما من شأنه أن يسهم في ضبط أي محاولة مغرضة حاقدة لتعكير صفو الأمن والاستقرار.

ثالثاً: الإسهام في تعزيز القوانين والأنظمة التي تردع الإرهاب والتي سنتها الدولة، ونشرها، وزيادة الوعي بها.

رابعاً: توثيق وتدعيم الترابط الأسري، واحتواء الأبناء وفق التعامل الجميل، وتحصينهم بالعقيدة الصافية والوازع الديني السوي، وتنشئتهم على الوسطية والاعتدال، وملاحظة سلوكياتهم وأنشطتهم داخل المنزل وخارجه، وحرص الأبوين على توفير البيئة الصالحة لذلك، وأن يكونا قدوة حسنة لأبنائهم، سواء على المستوى الفكري أو السلوكي.

خامساً: تعزيز التعاون والترابط بين دول الخليج ومؤسساتها الأمنية والتخصصية لضرب الخلايا الإرهابية وتجفيف منابعها.