الخليج الجديد-
أكد نائب رئيس المجلس التأسيسي الدكتور «أحمد الخطيب»، أن دستور الكويت يمثل ملخصا شاملا لتاريخ الكويت السياسي، منذ نشأتها إلى اليوم، موضحا أن هذا الدستور لم يأتِ «ببلاش»، ومن دون تضحيات قُدمت، حيث سُجن البعض وتوفي آخرون ونفي عدد منهم.
وقال في محاضرة له أقيمت بالجامعة الأمريكية، بتنظيم من نادي العلاقات الدولية الطلابي، إنه كان للأمير الراحل الشيخ «عبدالله السالم» دور أساسي في إقراره، فقد كان يتمتع بثقافة واطلاع وذكاء، كما أنه كان جريئا جدا في مواجهاته، وبالذات مع الإنجليز في بداية حكمه عام 1950.
لماذا الكويت مختلفة عن دول الخليج؟
وتساءل «الخطيب»: لماذا الكويت مختلفة عن دول الخليج؟.. ثم أجاب: «لأنها مميزة في موقعها الجغرافي، وجارة لكل من الجزيرة العربية والعراق وإيران، وهي دول تفتقد لميناء، والكويت – بحكم موقعها – كانت تخدم هذه الدول وتجارتها، والتجار كانوا يستفيدون من أنشطتها»، موضحا أن هناك أمرا آخر مهما ساعد على وضعية الكويت المختلفة، وهو أن تشكيلة المجتمع الكويتي امتداد للدول المجاورة، وهو ما جعل الكويت بمثابة «نقطة التقاء» في المنطقة، وأصبح هناك تعاون بين هذه المكونات، لمساعدة الكويت، بإمكاناتها التي وهبها الله إياها.
وأشار إلى أن الميناء كان الوسيلة للاتصال، والميناء في حاجة إلى بحر، والبحر في حاجة إلى سفن، والسفن لها صُناع «قلاليف».. ومن النعم على الكويت، أن يكون لديها صُناع سفن، بهممهم صنعوا أكبر أسطول للكويت في المنطقة.
وعن الدستور نفسه، استأذن «الخطيب» الحضور، لقراءة بعض مواده التي وردت في عدد من أبوابه المختلفة، بهدف فهم طبيعة النظام وأخلاق الكويتيين، ثبتوها في الدستور، نصا وروحا.
وبدأ بقراءة المادة السابعة من الباب الثاني، باب المقومات الأساسية: «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع, والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين».
ثم المادة 21: «الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك الدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني».
وشرح «الخطيب» تلك المادة الأخيرة، قائلا: «الثروات الطبيعية ملك الدولة، وليس الحاكم، كما كان سائداً في المنطقة، منتقلا إلى الباب الثالث «الحقوق والواجبات العامة».
أما المادتان 32 و44 اللتان فتنصان على أن للأفراد حق الاجتماع، من دون حاجة لإذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة، والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة، وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون, على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية، ولا تنافي الآداب، لافتا إلى أن المادة 46 تشير إلى أن تسليم اللاجئين السياسيين محظور.
النفس العروبي الاستقلالي
وأشار إلى أن الدستور جاء بعموميات، لكن ما ينظمها هو القانون، وبعد إقرار الدستور، جاءت القوانين التي تنظم غير دستورية، وأصبحت تلغى ولا تنظم، وقد وضح ذلك من إلغاء المحكمة الدستورية لقانون التجمعات، وعليه، يجب أن تلغى كافة القوانين غير الدستورية.
ولفت إلى أن هذه الأمور التي جاءت في دستور الكويت لا تصدر إلا من مجتمع حضاري، والسبب في ذلك، أيضا، النفس العروبي الاستقلالي، الذي كان حاضرا وبقوة في نصوص الدستور، مرجعا أسباب ذلك إلى أن الشخصيات الكويتية الوطنية كانت منضمة للتجمع القومي العربي الممتد إلى الشام كله (فلسطين، لبنان، سوريا والعراق).
وأوضح «الخطيب» أن الدستور ليس موضوعا سهلا، وعلينا أن نعرف أنه لم يأتِ ببلاش.. لقد جاء بتضحيات، وسجن أشخاص بسببه، وتوفي ونُفي آخرون، وهناك آخرون لم يُكتب لهم القدر أن يدفنوا في الكويت، مشيداً بدور الأمير الراحل الشيخ «عبدالله السالم»، رحمه الله، الذي كان أساسياً جداً في إقرار دستور 1962، وكان يتميز بالثقافة والاطلاع الواسع والذكاء، وكان جريئا، والإنجليز كانوا يشكون في نواياه، ولم يعترفوا به في البداية، وحاولوا تعيين مستشارين له، كما هو حاصل في البحرين، لكنه رفض بطريقته.
وأشار إلى أن الشيخ «عبدالله السالم» شعر وقتها بالإحراج والضغط من الإنجليز، لذلك كان سلاحه الشعب الكويتي.. ففتح المجال أمام التجمعات والأندية والإعلام والصحافة والراديو، ولبَّى كل ما طالب به الشعب، لذلك أحب الكويتيون الشيخ «عبدالله السالم»، والحديث عنه لا ينتهي، فقد كان رجلا ذكيا وقادرا على قراءة تطور الأحداث، ووافق على صياغة الدستور، حبا في «آل الصباح»، وحماية للأسرة الحاكمة.. لذلك، فإن المادة الرابعة من الدستور تحفظ حق الأسرة في الحكم بالمستقبل، أصبحت مادة أساسية، وهي المادة الوحيدة التي لا يمكن تعديلها أو تغييرها، وقد وضع الدستور طريقة معينة لتغييره، لكنه نص على وجود الأسرة، فضلا عن حرص الكويتيين على ذلك الأمر، وزيادة على ذلك، كان هناك وزراء من الشيوخ في الحكومة، وكانت الوزارات السيادية لهم (داخلية، دفاع، مالية)، حتى تطمئنهم أكثر.
وتوقف «الخطيب» أمام قانون الانتخابات، فقال إن الغرامات والعقوبات الموجودة فيه قاسية، وأي خطأ يحدث في العملية الانتخابية تصل عقوبته إلى السجن، وعلى الرغم من ذلك، توجد خيام يتم توزيع المبالغ فيها على الناخبين، وعندما تطالب أفراد الأمن بالتدخل يقول «عندي تعليمات بعدم التدخل إلا في الهوشات»، حتى إن أحد المرشحين بعد أن خلص فلوسه أخرج دفتر الشيكات، وقام بتحرير المبالغ، بدلاً من النقدي.. فأين تطبيق القانون على «ربعهم»؟! هناك تعليمات تعطى، بعدم تطبيق القانون، لذلك أفسدوا الوزارة، وقبلها مجلس الأمة، والأغلبية بيد «الأسرة»، وأصبح المجلس بلا قيمة.
الضغط الشعبي
واعتبر «الخطيب» أن الضغط الشعبي، هو ما يحسم القضايا الواضحة، فالشعب له قوته وحقه، فما يُقال عن المشاركة، وغيرها، كلام بالنسبة لنا بلا معنى، حتى إننا في أسوأ المجالس استطعنا أن نفعل الكثير، ونحن قادرون على ذلك، شرط أن تكون هناك قضية ممتازة وتفاعل مع الناس، لنفرضها على المجلس، كما تحقق من قبل في مثل تلك الظروف، كتأميم النفط والتصدي للجان تعديل الدستور ونماذج أخرى كثيرة.. فالأمر ليس شارك أو لا تشارك.. أنت رايح هيئة مو مجلس أمة، ما في مجلس أمة، لأن كلها أغلبية للحكومة.
وعن الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد، قال «الخطيب»: الأوضاع أصبحت بالغة الخطورة، فهي تحيط بنا من الداخل والخارج، فقد صمدنا كل السنوات الماضية، لأننا تلاحمنا، والسبب الأساسي في التلاحم أسرة «الصباح»، لأن علاقتهم كانت لفترة طويلة جيدة مع الأطراف كلها، ومع كافة مكونات المجتمع.
وكان لذلك امتداد مع الدول المجاورة، وبالتالي كان الناس يثقون في الحاكم ولمصلحتهم كان هناك استمرار، وهذا هو الأساس لبقاء الكويت، فقد كان مصيرنا مشتركاً «إن راح واحد يروح الثاني»، ووصف ما يحدث الآن، بأنه صراع بين أبناء الأسرة، صراع دمر صلاحية النظام.. فبدلا من أن يلم ويجمع أصبح يفرق ويتدخل في كل شيء، ليمتد الصراع إلينا، ويصبح هناك صراع بينهم وصراع بيننا، وللأسف، المجتمع هو الذي يدفع الثمن في هذا الوقت الصعب.
واستذكر «الخطيب» أنه قال في المجلس التأسيسي عندما طرح الموضوع: إن ميزة النظام الملكي الاستقرار، والنظام الملكي هو النظام الحقيقي، لأن الشعب يحبه، لعدم تدخله بمنطق «أنتوا يا شعب هذا بلدكم لا تخربون، كلكم عيالي وأحبكم ولا تتهاوشوا، وتعاونوا مع بعضكم» ولو في مشكله أبلغوني لأتدخل.
وأضاف: إذا فقدت تلك الميزة فقد النظام الملكي ميزته، وللأسف، نحن أصبحنا جزءاً من الصراع الممتد للداخل، فالتاريخ الكويتي تعاد كتابته مرة أخرى، ليتلاءم مع المنظور السائد في المنطقة.
وتابع: «عندما أثرت الموضوع في المجلس التأسيسي، فهموا أنني ضد الصباح.. أنا لست ضدهم، هم أساسيون، لكن الموضوع أخطر، وقد انتقل الآن إلى وضع أكثر خطورة، ونحن في أمسّ الحاجة إلى اللحمة، فالمنطقة مقبلة على تغيُّرات، والضمانة التاريخية الوحيدة هي تلاحمنا».
ما العمل؟
وتساءل «الخطيب»: ما العمل حالياً« هل نيأس؟.. نقول لا.. فلنخرج من محيطنا الكويتي، كي نرى الصورة العامة في العالم، فللأسف، هناك تحرك عالمي في الكون يتفق على شيء واحد، يؤكد أن ثقافة الدم والدمار والخراب والإنفاق على الحروب السائدة، هي في منتهى القذارة.
وفي المقابل يعيش البشر في فقر ومرض وكوارث وحياة تعسة، والموارد كلها مسخَّرة للدمار والأسلحة، والسؤال المهم: إلى متى تبقى الإنسانية أسيرة لثقافة البطش؟.
نحن وصلنا إلى حالة أصبح فيها أصحاب الملايين لا يعرفون ماذا يفعلون بها، وهناك آخرون غير قادرين على الحياة و«مش لاقيين ياكلوا»، حتى في أمريكا ذهبت الطبقة المتوسطة منها وأفلست وأصبحت في الشوارع، وهناك 1 في المائة مليارديرات، والبقية حفاة، «الناس ملت هذا الوضع، وهناك إجماع على ضرورة أن يتغيَّر ذلك النظام العالمي بحلين، بالقوة والعنف الداعشي، أو بطريقة سلمية حضارية بلا عنف، تلك هي البدائل الموجودة لإزاحة تلك الثقافة».
الربيع العالمي
وأضاف «الخطيب»: كل بديل غير هذا سيكون فاشلا.. الربيع هذا عالمي، وليس عربيا، هو عالمي بدأ في أوروبا، وغيَّر الأوضاع هناك، وبعد ذلك انتقل إلى كل دول العالم، بأشكال وصيغ مختلفة، والجميل، أنه عندما بدأ في تونس انتشر بسرعة في العالم العربي كله، من المحيط إلى الخليج، لذلك سُمي بالربيع العربي، فهو انقلاب في الإنسان، الذي يبحث عن كرامته وقيمه، فهو ليس «طرطوراً أو خروفاً» يسير وراء زعيم.. وهو ثورة كرامة، وكل هذا دليل على وجود القومية العربية.
وأكد أن الطريق صعب، فالقوى المضادة ليست سهلة، ولديها المال والسلاح.. وعلى الرغم من ذلك، فهي تذهب، لكنها تعود بعد فترة، وخير مثال على ذلك، ما حدث في رومانيا، عندما فتح الشباب الروماني صدره للرصاص والمدافع، وأجبر الجميع هناك على الاستسلام، بعد أن جردوهم من أسلحتهم، وبلحظة واحدة أسقطوهم وحاكموهم وأعدموهم، وعلى رأسهم نيكولاي تشاوسيسكو، ومعه وزوجته، في حركة سلمية.
فوصيتي لكم: عليكم الالتزام بالسلمية، وإياكم واستعمال العنف، هم أقوى منا عنفا، ونحن أقوى بسلميتنا، هي تبدأ بأحداث صغيرة، وتنتج عنها ثورات كبيرة، كما حدث في لبنان عندما اجتمعت مكونات الشعب المختلفة، واتحدوا ضد الحكومة، بسبب القمامة، وأصبحوا يتحدثون عن الطبقة الحاكمة، وكذلك الأمر في العراق..
ولفت «الخطيب» إلى أن الشباب هم الأغلبية، وهم المتميزون، بأدوات اتصالهم الحديثة، وأنا متفائل عندما تصبح هذه التجمعات الشبابية في تكتل واحد، فالكويت تستاهل، وقوى الفساد والتخلف تلعب على التفرقة، وأملي أن يغير الشباب واقعهم، ويتصرف كالشباب العالمي، فالنصر قادم حتماً، وهذه هي سُنة الحياة، وكل شيء يتغير، فالكوكب واحد، والسيادة أصبحت كلاماً فارغاً، فقد أصبحنا عالماً واحداً، ولابد من التعاون، للحفاظ على وجودنا، وإن لم نتعاون فسندمر.. والشباب أدرى بوسائلهم.