معهد الشرق الأوسط- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
يمثل التعديل الوزاري الأخير في قطر إحدى خطوات الإمارة الصغيرة في مسارها نحو الابتعاد عن الأنشطة الإقليمية رفعية المستوى التي اعتادت ممارستها تحت قيادة أميرها السابق الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني»، نحو دور أكثر تحفظا يلائم النهج الجديد لنجله، الأمير الحالي للبلاد، الشيخ «تميم بن حمد».
تطرقت التعديلات إلى حقيبتي الخارجية والدفاع فضلا عن مناصب وزارية أخرى. ومن ضمن الوزارات السيادية، فقد ظلت وزارتا الطاقة والمالية دون تغيير. ويأتي هذا التعديل في مرحلة حرجة في ظل انخفاض أسعار النفط في وقت تبدو فيه المشيخة متورطة في عدد من المستنقعات الإقليمية بما في ذلك اليمن وسوريا وليبيا.
وعلى النقيض من نهج والده في الشؤون الخارجية، فإن الأمير «تميم بن حمد» يقود البلاد نحو نهج أقل بروزا في السياسة الدولية وأكثر انحيازا إلى المواقف السعودية وعلى رأسها في سوريا واليمن ولبنان. وجدت قطر نفسها في وضع إقليمي غير مريح عندما صعد الشيخ «تميم» إلى العرش في يونيو/حزيران 2013، مع العديد من الاتهامات الموجهة للإمارة بالتجاوز والتدخل في شؤون جيرانها وسائر الدول العربية الأخرى. سياسة الدوحة المناصرة لجماعة الإخوان المسلمين والداعمة للحركات الثورية قد تصادمت مع الأهداف الاستراتيجية لغيرها من دول الخليج العربي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم قطر للحركات الإسلامية السنية تحت قيادة «حمد بن خليفة» لم يتسبب فقط في إغضاب شقيقاتها من دول مجلس التعاون الخليجي ولكن هذا الغضب قد امتد بدوره ليشمل غيرها من الدول القوية في الشرق الأوسط مثل مصر وإيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة. بعد ظهور فراغ السلطة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط في عام 2011، سعى الشيخ «حمد بن خليفة» لبسط نفوذ الدوحة عبر الفصائل الإسلامية في كل من مصر وليبيا وسوريا وتونس، مع تعزيز كبير لشراكة قطر مع تركيا. هذه العلاقات، رغم ذلك، تسببت في تصاعد توتر العلاقات بين الدوحة وبين المسؤولين السعوديين والإماراتيين الذين رأوا أن العديد من هذه الجماعات تمثل خطرا على الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي.
أعطى الشيخ «تميم» الأولوية لإصلاح علاقات قطر مع حلفاء الدوحة التقليديين في دول مجلس التعاون الخليجي في وقت مبكر من فترة ولايته. ولتحقيق هذا العدد فقد قام الشيخ «تميم» بطلب مغادرة بعض قيادات الإخوان المسلمين من الإمارة واضطر أن يبدي قدرا من القبول، على مضض، لشرعية النظام المصري المدعوم من الجيش كما اصطفت خلف السعودية في سوريا. إلى حد كبير بسبب جهود الأمير، وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، فقد قامت كل من أبوظبي والمنامة والرياض بإعادة سفرائهم إلى الدوحة بعد غياب دام ثمانية أشهر.
ساهم صعود الملك «سلمان» في المملكة العربية السعودية أيضا في تحسن العلاقات بين الدوحة والرياض، كما قامت المملكة تحت قيادة العاهل السعودي الجديد بتخفيف حدة لهجتها تجاه قيادات جماعة الإخوان المسلمين. بلغ تخفيف العداء السعودي تجاه الحركة لحظة تاريخية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما ظهر رجل الدين المقيم في قطر «يوسف القرضاوي»، الذين ينظر إليه على أنه أحد الزعماء الروحيين لجماعة الإخوان المسلمين، والذي طالما ألقى خطبا أثارت غضب المسؤولين السعوديين، بجوار «عبد الله العيفان» سفير الرياض إلى الدوحة، خلال الاحتفال بالعيد الوطني للمملكة العربية السعودية في قطر.
على عكس المملكة العربية السعودية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تغير نهجها تجاه جماعة الإخوان المسلمين أو أي من الجماعات الإسلامية الأخرى، وقد ترك هذا الأمر علاقاتها مع قطر مبهمة بشكل ما. وقد أدت وجهات النظر المتعارضة بين كل من قطر والإمارات العربية المتحدة حول الجماعات الإسلامية إلى زيادة التوتر بين الإمارتين الغنيتين والذي يتجلى في الصراع الدائر في ليبيا حيث لا تزال الدوحة تدعم معسكر الإسلاميين (وإن بدا الدعم أقل حدة) بينما تدعم الإمارات خصومهم. ومع ذلك، فإن المكان الأبرز الذي تظهر فيه معالم إعادة الترتيب في السياسة القطرية هو اليمن حيث أرسلت قواتها لمساعدة الحملة السعودية الإماراتية ضد الحوثيين وحليفهم الرئيس اليمني المخلوع «علي عبد الله صالح».
وكان وزير الدفاع الحالي ووزير الخارجية السابق «خالد العطية» هو الذي قاد الجهود المبذولة لإصلاح العلاقة بين الدوحة والرياض والتنسيق مع السعوديين بشأن القضية السورية. من خلال منصبه الجديد كوزير للدفاع، من المرجح أن يسعى «العطية» للحفاظ على ذات النهج التوافقي. خارج سوريا، اكتسب العطية خبرة كبيرة بعد مشاركته في التوسط بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في عام 2007. انتقال العطية من وزارة الخارجية إلى وزارة الدفاع ربما يعكس الرؤية القطرية للمسألة اليمنية على أنها مسألة استراتيجية، وليست دبلوماسية.
ومن الجدير بالذكر أن ثلاثة من المعينين من قبل الشيخ «تميم» مؤخرا هم دون سن الـ45 عاما. عبر تمرير المواقع القيادية من الشيوخ إلى جيل الشباب وفق المعايير العالمية فإن قطر تتبع اتجاه يبدو بارزا في الفترة الأخيرة. مثل أي تحول رئيسي، فإن التحول بين الأجيال يواجه بعض الصعوبات. على سبيل المثال، فإن الشيخ «تميم» البالغ من العمر 35 عاما قد سعى على مدار عامين ونصف إلى ترسيخ أقدامه وخاصة في مجال العلاقات الدولية.
وزير الخارجية الجديد، الشيخ «محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني»، هو من نفس جيل أمير البلاد، ويبقى بعيدا عن الأضواء نسبيا. كان «محمد بن عبد الرحمن»، الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون التعاون الدولي خلال الفترة منذ يناير/كانون الثاني عام 2014، مسؤولا عن التعامل مع العلاقة الحساسة لقطر مع الحكومة المصرية عقب الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في يوليو/تموز عام 2013. ومن المرجح أن وزير الخارجية الجديد سوف يحافظ على نفس التواجد المخفض في القضايا الإقليمية الذي تميزت به البلاد تحت قيادة الشيخ «تميم». وعلاوة على ذلك، فإن خلفيته في شؤون الاقتصاد وإدارة الأعمال تشير إلى أن قطر ربما تسير نحو إعادة ضبط أولوياتها من التركيز على الصراعات الإقليمية نحو المزيد من التركيز على المصالح الاقتصادية والتجارية.
هذا بالتأكيد يتماشى مع تطلعات دول الخليج التي سبق الإعلان عنها نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الإقليم. الشيخ «تميم»، جنبا إلى جنب مع حكام الخليج الآخرين، قد عزز بالفعل المبادرات الرامية إلى تحسين الخدمات العامة وتنظيم الإدارة وقد ساهم في جعل بيئة الاقتصاد القطري أكثر كفاءة وازدهارا على المدى الطويل.
الطبقة الرائدة القطرية الجديدة تبدو مركزة بشكل رئيسي على عزل الإمارة عن موجة عدم الاستقرار التي تطارد العديد من دول الشرق الأوسط. ولتحقيق هذه الغاية، فإن القيادة الشابة في البلاد تركز على تحسين العلاقات مع جيرانها، والخروج من دائرة الضوء، والحفاظ على الازدهار الاقتصادي في الداخل.