الراية القطرية-
يثير تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر منذ ساعات وما يحمله من انتقادات لأوضاع العمالة في قطر العديد من علامات الاستفهام.
فتقرير المنظمة الدولية الذي حمل عنوان «الجانب القبيح من اللعبة الجميلة» تم تسريبه أولا لصحف أجنبية اعتادت أن تطلق مثل تلك الاتهامات «المعلبة» نحو أوضاع العمالة في قطر وربطها بمشروعات مونديال كأس العالم لكرة القدم، والتي سرعان ما تكشفت دوافعها وأهدافها الشيطانية كقنابل دخان مدفوعة الأجر من حكومات ودول للنيل من سمعة قطر.
كما بدا واضحا اعتماد تقرير المنظمة على ما نشرته تلك الصحف المأجورة من انتقادات لا تستند إلى أية أدلة أو نموذج واحد على ما تحمله من اتهامات تتعلق بتقاعس الجهات المعنية في قطر عن مراقبة المقاولين الفرعيين، الذين ترتفع في شركاتهم حالات خرق الحقوق العمالية.
والأخطر أن المنظمة العريقة تورطت في تقريرها الردئ في الاعتماد على معلومات قديمة، وأوضاع تغيرت، فراحت تطالب بإجراءات تغيرت بالفعل منذ أكثر من عامين، وبتعديل تشريعات بادرت قطر بتعديلها منذ شهور طويلة دون حاجة لطلب أو رجاء أو مناشدة من أحد، كما ظهر جليا أن الزمن توقف عند من أعد التقرير بسوء نية واضح حينما تجاهل إنشاء قطر العديد من المدن العمالية النموذجية هى الأولى من نوعها في العالم لتوفير بيئة سكن للعمال بمعايير عالمية تتوافر فيها كل مقومات السكن النموذجي من المرافق والخدمات.
إن المسؤولين في قطر ليس لديهم حساسية من أي نقد يوجه لأوضاع العمالة إذا ما اعتمدت على وقائع وحقائق لتصحيحها، بل إن كافة الجهات المعنية بأوضاع العمال ومشروعات المونديال سبق وأن رددوا بأكثر من صيغة عبارات «أبوابنا مفتوحة.. ومواقع الإنشاءات متاحة أمام المنظمات الدولية وأجهزة الإعلام العربية والأجنبية لمراقبة أوضاع العمال وما تحقق من إنجازات وما صدر من إجراءات وقوانين لتعزيز وحماية حقوق العمال.. فلا يوجد ما نخفيه وليس من مصلحتنا أن نتستر عن الأخطاء».
العمل الدولية تشيد
مثل هذه التصريحات يمكن رصدها على لسان العديد من المسؤولين الذين استقبلوا نهاية فبراير الماضي وفد منظمة العمل الدولية رفيع المستوى الذي زار الدوحة وتفقد مواقع الإنشاءات وأماكن سكن العمال والتقى كافة المسؤولين المعنيين، واستمرت زيارته وجولاته عدة أيام، رصد خلالها ما تحقق من إنجازات وخطوات إيجابية رائدة يصعب تحقيقها في تلك السنوات القليلة تشمل توفير أعلى معايير الأمن والسلامة في مواقع العمل، ووضع نظام صارم لمراقبة صرف الأجور، وإنشاء عدة مدن لسكن العمال أبهرت وفد منظمة العمل الدولية الذي وصف تلك الإنجازات بـ «الإيجابية» واعتبر تلك الخطوات بـ «الطفرة» في مجال تعزيز وحماية حقوق العمال.
بل أكثر من ذلك.. فقد أشادت منظمة العمل الدولية بالتقدم الذي تحرزه قطر في مجال رعاية العمال، بوضع ضوابط وإجراءات وعقوبات رادعة لوقف التلاعب بالعقود وتبديلها، دفع رسوم للتوظيف، ومواجهة تجاوزات تأخير إصدار الإقامات وحجز الأجور أو تأخير دفعها.
وقد أشادت منظمة العمل الدولية بتعاون الحكومة مع منظمات حقوق العمال وحقوق الإنسان وأشارت للتقدم الذي تحقق في مختلف المجالات.
مزاعم بلا أدلة
ومنذ إصدار واعتماد معايير رعاية العمال قبل سنوات حققت اللجنة العليا للمشاريع والإرث تقدما كبيرا في مجال حماية حقوق العمال، فلا خطأ أو قصور وإلا تم تصحيحه.
بل نضيف إلى الشعر بيتا ونقول إن جهود كافة الوزارات والجهات المعنية بحقوق العمال رصدت العديد من التجاوزات المنسوبة لبعض الشركات ضد العمال، فخلال العام الماضي حُرمت 24 شركة من التقدم لمناقصات مشاريع بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 وذلك نتيجة لعدم امتثالها لمعايير رعاية العمال المعتمدة لدى اللجنة العليا إذ ألغت اللجنة العليا عقدين مع شركة «سفن هيلز» وشركة «بلو باي» كما أدرجت شركة «إيفرسانداي» الهندسية على اللائحة السوداء.
أما منظمة العفو الدولية التي بدأت تحقيقاتها منذ 10 شهور حول مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في قطر فلم ترصد تجاوزات إلا في شهر يناير الماضي فقط، واتضح أنها تجاوزات وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه المخالفين .. أما الانتقادات الأخرى فجاءت مرسلة لا تشير إلى وقائع محددة يمكن الرد عليها.
حلول طويلة الأمد
اللجنة العليا تؤمن بضرورة تحقيق تغيير حقيقي ذي أثر مستدام في مجال رعاية العمال وهي تعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة لإيجاد حلول طويلة الأمد تضمن الحفاظ على حقوق العمال وتعزيز أوضاعهم في دولة قطر حتى ما بعد عام 2022.
وحتى الآن لم تقع أي حالة وفاة أثناء العمل في أي من مواقع اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وذلك لكون اللجنة العليا تولي أهمية قصوى لسلامة وصحة العمال في مواقع العمل.
والغريب أن تقرير منظمة العفو الدولية لم يشر لأي خروقات أو مخاوف متعلقة بسلامة العمال ما يثبت بشكل قاطع خطأ الادعاءات الصحفية التي تحدثت عن وقوع آلاف حالات الوفيات في مواقع مشاريع بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر ٢٠٢٢.
أحاديث مرسلة
إننا نربأ بمنظمة العفو الدولية أن تنحرف عن أهدافها ولا نقول تصبح ألعوبة في يد وجهات لم تيأس من محاولات تشويه استضافة قطر لمونديال كأس العالم لكرة القدم 2022 - وإذا كان الأمر غير ذلك فكيف يعتمد تقرير المنظمة الدولية العريقة على أحاديث مرسلة وتقارير صحفية مشبوهة لا تليق بأن يكون مضمونها جزءا من تقرير محايد مدعم بالوقائع والحقائق.
فصدور مثل تلك التقارير السلبية والمتجنية والمغلوطة التي درجت صحف بعينها على صناعتها وفبركتها شيء تعودنا عليه منذ فوز قطر باستضافة مونديال 2022، وندرك دوافعها، وغالبا ما نكشف خباياها ومن وراءها.. ولكننا نتوقف كثيرا أمام صدور تلك التقارير غير المحايدة عن جهات رسمية، مثل منظمة العفو الدولية التي لم تدع أنها واجهت أية صعوبات في سبيل اتمام مهمتها في قطر على مدار 10 أشهر من عملها، إلا أنها عجزت عن تقديم أدلة ووقائع يمكن البناء عليها للنقد وتدعونا للقول إنها حقيقية يمكن البناء عليها لتصحيح الأوضاع والأخطاء.!
ضريبة المونديال
إننا ندرك أن استضافة أول بطولة لكأس العالم لكرة القدم في دولة عربية وإسلامية تعد محطة مهمة في تاريخ اللعبة وتاريخ الرياضة ككل، وهي تمنح المنطقة فرصة لإظهار صورتها الحقيقية للعالم بعيداً عن التغطيات المتحيزة التي تصورها كمركز للنزاعات والحروب.. ولذلك لم نلتفت كثيرا للحملات المغرضة التي تقف وراءها مشاعر الغيرة ونزعات العنصرية البغيضة التي لم تتوقف شظاياها حتى الآن ضد قطر التي تعد أول بلد عربي وإسلامي ينظم البطولة العالمية.
ولطالما أبدت قطر اهتماما بتعزيز حقوق الإنسان وحماية حقوق العمال عبر تاريخها وذلك انطلاقا من القيم العربية والإسلامية التي يحملها المجتمع القطري، وقد كنا مدركين منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها فوز قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لأهمية الحفاظ على حقوق العمال وضمان توفير كافة معايير السلامة والأمن لهم، ولم ينشأ ذلك عن ضغوط سواء من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أو منظمات حقوق الإنسان.
إنجازات تجاهلها التقرير
من المهم هنا أن ننشر ما تجاهلته منظمة العفو الدولية من إنجازات حققتها قطر خلال العشرة شهور فقط هى مدة مهمة وتحقيقات المنظمة الدولية.
فخلال الفترة ما بين بدء منظمة العفو الدويلة لتحقيقها الميداني وإرسالها رسالة للجنة العليا حول نتائج هذا التحقيق والتي امتدت لـ٨ شهور، نقل جميع عمال شركة «إيفرسنداي» الهندسية - من العاملين في مشاريع اللجنة العليا- لمساكن بروة البراحة.
كما تم أيضا نقل ١٠٠٠ من عمال شركة نخيل إلى المدينة العمالية والتي تتوافق مساكنها مع معايير اللجنة العليا منذ شهر أكتوبر ٢٠١٥ وسيتم نقل بقية عمال نخيل إلى المساكن الجديدة خلال الربع الأول من عام ٢٠١٦، مما سيعود بالفائدة على حوالي ٤٠٠٠ عامل ككل في شركة نخيل مع أن عدد عمالها العاملين في مشاريع اللجنة العليا لا يزيد على ١٤٠ عاملاً. وجاء هذا التغيير كنتيجة مباشرة للتدقيق الذي أجرته اللجنة العليا في يونيو ٢٠١٥.
دفع الرواتب
كما راجعت اللجنة العليا إجراءات دفع الرواتب وسجلات التوظيف لعدد من المقاولين الفرعيين الذين ورد ذكرهم في تقرير منظمة العفو الدولية. وقد أظهرت السجلات أن رواتب العمال تُدفع في وقتها خلال الفترة التي جرى تدقيقها، ذلك بالإضافة إلى نظام دفع الأجور الإلكتروني الذي أقرته الحكومة عام ٢٠١٥ لضمان دفع كافة أجور العاملين في الدولة في الوقت المحدد.
مساكن العمال
كما أقامت شركتا مدماك وسيكسكو منتديات للعمال في مساكن العمال التابعة لهم وذلك لإتاحة الفرصة لأي من العمال للتقدم بأي تظلم أو شكوى أو طلب المساعدة من خلال ممثلين لهم، حتى اليوم عقدت شركة مدماك سبعة اجتماعات استمعت خلالها لشكاوى العمال واتخذت الإجراءات اللازمة لحلها.
كما بدأت شركة نخيل بإجراء انتخابات لممثلي العمال في المنتدى في ديسمبر ٢٠١٥ حيث انتخب العمال ٥ ممثلين من أصل ١٣ ترشحوا لتمثيلهم خلال انتخابات رسمية أجريت خلال أوقات الدوام المدفوعة وقد عقد منتدى العمال اجتماعه الأول في فبراير ٢٠١٦.
استبعاد ٢٤ شركة
وأجرت اللجنة العليا ١٢٠ عملية تفتيش خلال عملية طرح المناقصات، وقد تم استبعاد ٢٤ شركة فشلت في توفير معايير رعاية العمال المعتمدة لدى اللجنة العليا، كما قدمت اللجنة العليا بعد عمليات التفتيش تقريراً لهذه الشركات وعملت معها على تطبيق خطط لتصويب الأوضاع.
واتخذت اللجنة العليا للمشاريع والإرث أيضاً خطوات بحق بعض المقاولين والمقاولين الفرعيين المذكورين في تقرير منظمة العفو الدولية- وذلك قبل أن تتواصل المنظمة معنا - ممن لم يلتزموا بتطبيق معايير اللجنة العليا لرعاية العمال وشمل ذلك إلغاء عقود مع شركتي سيفن هيلز وبلو باي، ومنع شركة إيفرسنداي من التقدم بمناقصات جديدة.
معايير رعاية العمال
كما أعادت اللجنة العليا للمشاريع والإرث تقييم نظامها لمراقبة تطبيق معايير رعاية العمال وذلك بناء على التجربة والممارسة والملاحظات التي يجري تسجيلها في تقارير المراقبة التي تُصدرها اللجنة العليا، وقد بدأنا في شهر أكتوبر ٢٠١٥ إجراءات تعيين طرف ثالث مختص في مجال حقوق الإنسان لمراقبة تطبيق معايير رعاية العمال، وقد بات الآن جزءا من فريق المراقبة لتكتمل بذلك كافة أجزاء نظام التدقيق ذي الأربعة مستويات الذي أقرته اللجنة العليا لضمان تطبيق المعايير بشكل تام.
الخطوات المستقبلية
إننا لم ندرك أننا لم نصل إلى نهاية المطاف أو ذروة الأهداف، حيث تشمل الخطوات المستقبلية التي ستتخذها اللجنة العليا في مجال رعاية العمال تطوير برنامج إلكتروني للتدقيق والمراقبة، يزود اللجنة العليا والمقاولين بمعلومات مباشرة من الموقع وأكثر دقة حول مدى تطبيق معايير رعاية العمال، وتجريب هذا البرنامج الآن من قبل فريق عمل استاد خليفة وسيتم تطبيقه في سائر المواقع مستقبلاً.
كما تشمل الخطوات المستقبلية إطلاق مركز تطوير المهارات في يوليو ٢٠١٦ وسيستهدف هذا المركز العمال الذين يعملون في مشاريع اللجنة العليا، وتحسين نظام السجلات وجمع المعلومات، وتعزيز التنسيق بين اللجنة العليا ووزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، والعمل مع الشركاء لتحسين نظام التدقيق والرقابة وتقديم التقارير، وزيادة عدد أفراد فريق مفتشي رعاية العمال في اللجنة العليا للمشاريع والإرث.
مثل هذه الخطوات الطموحة والخطط المستقبلية في ملف حماية وتعزيز حقوق العمال في قطر، كان لا بد وأن تكون معايير نموذجية تقتضي بها منظمة العفو الدولية كدليل إرشادي لتعزيز حقوق العمال حول العالم، بدلا من إهالة التراب والانتقادات المرسلة التي يسهل الرد عليها.. أما الصعب فهو أن تستعيد المنظمة الدولية مصداقيتها مرة أخرى بدلا من لعب دور صحف الإثارة التي تبحث عن زيادة القراء.!