عرض الرئيس «ترامب» برؤيته السطحية للمصالح الأمريكية الأمن القومي للخطر مرة أخرى. وقد التقى في الرأي مع المملكة العربية السعودية وأربع دول سنية أخرى في محاولتها لعزل دولة قطر الصغيرة، التي يمكن القول أنّها أهم موقعٍ عسكريٍ أميركيٍ في المنطقة.
وبدلًا من محاولة الولايات المتحدة تخفيف حدة التوترات في الشرق الأوسط، اختار السيد «ترامب» جانبًا واحدًا في المنافسة لينحاز إليه. وقد اختارت السعودية والإمارات ومصر والبحرين واليمن قطع العلاقات مع قطر لعدة أسباب، كان أهمها وجود علاقة وثيقة نسبيًا لقطر بأكبر منافس للدول السنية، إيران الشيعية.
وتعد إيران جهةً فاعلةً سيئة من نواحٍ كثيرة، لكنها تتشارك أيضًا بعض المصالح مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد أعلن أمس الأربعاء مسؤوليته عن اعتداءين أسفرا عن مقتل 12 شخصًا في طهران في البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني.
وقد أوضح «ترامب» أنّه لا يسعى إلى الانفتاح على إيران ولا مصلحة له في البناء على نجاح إدارة «أوباما» في التوصل إلى اتفاقٍ نوويٍ معها. لكن حتى لو كان هدفه هو عزل إيران، فإنّ التحالف مع السعودية لمعاقبة قطر هو وسيلة خاسرة لتحقيق ذلك. فقطر هي موطن المقر الأساسي للقيادة المركزية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي مركزٌ استخباراتيٌ رئيسي. وتستضيف قاعدة العديد الجوية أكثر من 11 ألفًا من القوات الأمريكية وقوات التحالف.
وليس هناك ما يدل على أنّ «ترامب» فكر فعلًا بأيٍ من هذه الأمور. وعلى الرغم من أنّ المسؤولين الأمريكيين الآخرين قالوا أنّهم سيحاولون تهدئة السعوديين نظرا أهمية قطر بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أنّ الرئيس قد غرد بشكلٍ منفرد على موقع تويتر للإقناع بخطوات السعودية ضد قطر.
وصحيح أنّ قطر، مثل السعودية، يمكن أن تكون شريكًا مزعجًا، لكنّ اتهام السعودية لقطر بدعم الإرهاب «نفاق محض». وقد اتُهمت قطر منذ وقتٍ طويلٍ بتوجيه الأسلحة والمال إلى الجماعات الإسلامية في سوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية. ولكن السعودية قد فعلت نفس الأمر، وهو ما اختار «ترامب» تجاهله. وكان هناك مسارٌ أكثر حكمة هو السعي لتحقيق توازن بين قطر والسعودية، إلا أنّه لم يفعل ذلك.
وهذا أيضًا وقتٌ سيء لإبعاد قطر. ومع بدء حلفاء الولايات المتحدة في الهجوم على الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية في سوريا، تحتاج أمريكا إلى قاعدتها هناك.
كما لعبت قطر الغنية بالطاقة دورًا فريدًا من خلال التوسط في الصراعات الإقليمية والسعي إلى سياسة خارجية مستقلة، مما أغضب أحيانًا السعوديين ودول الخليج الأخرى. وقد دعمت انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وهو ما جعل السعوديين يشعرون بالقلق، وأنشأت شبكة الأخبار العربية الجزيرة كوسيلة لتوسيع نفوذها. وقد تواصلت قطر مع المسؤولين الإسرائيليين، بينما استضافت في الوقت نفسه قادة حماس. وعملت على تعزيز العلاقات مع القادة الإيرانيين، مع استضافة القوات الأمريكية في نفس الوقت. وسمحت لطالبان الأفغانية بفتح مكتب لها فى الدوحة عاصمة قطر، وهو ما يسر المحادثات بين المسلحين والولايات المتحدة.
وأعربت السفيرة الأمريكية في قطر «دانا سميث» عن دعمها للدوحة هذا الأسبوع، بإعادة تغريد إحدى منشوراتها السابقة، قائلةً أنّ قطر أحرزت «تقدمًا حقيقيًا» في الحد من الدعم المالي للإرهابيين، بما في ذلك محاكمة الأفراد على تمويل الجماعات الإرهابية وتجميد الأصول ووضع ضوابط صارمة على البنوك. وشددت وزارة الخارجية الأمريكية على أنّ قطر لا تزال لديها فرص المضي قدمًا، وهناك جدلٌ مستمرٌ حول دعم قطر للمجموعات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة سنية إسلامية تعتبرها قطر مثالًا بناءً لـ «الإسلام السياسي»، لكنّ السعودية تعتبرها تهديدًا وجوديًا للأنظمة الملكية وللأمن الإقليمي.
وفيما يتعلق بإيران، اعتمدت قطر بشكلٍ عام أرضية محايدة من خلال دعم الجهود الرامية إلى الحد من التأثير الإقليمي لإيران مع الحفاظ على التواصل مع كبار المسؤولين الإيرانيين. ولدى قطر سبب للعمل مع إيران، فهي تشترك معها في حقلٍ كبيرٍ للغاز الطبيعي في الخليج العربي. وفي الوقت نفسه، تساعد قطر التحالف الذي تقوده السعودية في محاربة المتمردين الحوثيين المرتبطين بإيران في اليمن، وتدعم المتمردين الذين يقاتلون حليف إيران، الرئيس السوري «بشار الأسد».
ويبدو شيء واحد واضحًا في كل هذا التعقيد، وهو أنّ قطر الصغيرة هي أكثر مهارة دبلوماسية من« ترامب». ويبدو أنّ الرجل الذي قدم نفسه كرجل صفقات قد تسبب بسياساته في أضرار كبيرة للمصالح الأمريكية. وقال «بروس ريدل»، وهو عضو سابق في هيئة المخابرات المركزية، أنّ حزمة الأسلحة التي وقع عليها في الرياض والبالغ قيمتها 110 مليارات دولار، هي عبارة عن خيال، أو مجموعة من الرسائل المثيرة للاهتمام وليس العقود، والحقيقة أنّها بدأت جميعها خلال إدارة «أوباما».
ويسير التشريع الذي يعرقل هذه الصفقة في طريقه من خلال الكونغرس. وكحدٍ أدنى، يجب على المشرعين رفض إعادة تزويد السعوديين بالذخائر دقيقة التوجيه التي تقتل المدنيين في اليمن وتورط أمريكا في هذه العملية. بل سيكون الأفضل من ذلك هو دفع السعوديين للدخول في مفاوضات جادة حول اليمن وحل خلافاتهم مع قطر.
نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-