الشرق القطرية-
رغم تشدق دولة الإمارات بشعار عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، وإصرارها على عدم الاعتراف بانتهاكها لسياسات وتوجهات منظومة مجلس التعاون الخليجي فإن تاريخ أبوظبي حافل بالتدخلات المشبوهة في شؤون الدول الأخرى إلى حد التدخل العسكري كما في اليمن وليبيا؛ فضلا عن تسريبات سفيرها في واشنطن ومزاعمه وتحريضه ضد قطر، كما أنها ليست مبرأة من التغريد خارج السرب الخليجي في أكثر من ملف..
ويكفينا هنا الإشارة إلى علاقاتها التاريخية المتميزة مع إيران رغم احتلال الثانية لجزرها الثلاث، وهو الأمر الذي دفع المراقبين والدبلوماسيين إلى أن يصفوا تلك العلاقات بين أبوظبي وطهران "بالشيزوفرينيا السياسية"؛ وموقفها في سوريا الذى يصب في صالح بقاء ديكتاتورها في الحكم لصالح إيران؛ وذلك في خروج واضح وصريح عن الإجماع الخليجي والعربي ...السطور التالية تسلط الأضواء على بعض جوانب تلك المواقف والعلاقات.
تسريبات يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن ومزاعمه ضد قطر بحد ذاتها تعد فضيحة أخلاقية ودبلوماسية؛ حيث حاولت الوثائق المسربة من بريد العتيبة تسليط الأضواء على قطر والزعم أنها منبع للإرهاب وداعم رسمي لتنظيم داعش .وكان من أهم مخرجات تلك الحملة الموجهة المطالبة بنقل قاعدة العديد الأمريكية من قطر إلى الإمارات. وهو ما يعد تدخلا سافرا فى شؤون قطر وتحريضًا ضدها لا يتماشى مع لائحة تأسيس مجلس التعاون الخليجي.
التجسس على عمان
إساءات وتدخلات الإمارات لم تتوقف عند قطر؛ بل امتدت أيضا إلى سلطنة عمان حيث زرعت المخابرات الإماراتية هناك شبكة تجسس للاستيلاء على السلطنة ؛ فحسب مصادر خليجية مطلعة هناك أكثر من مجرد أزمة كانت تشوب العلاقات بين سلطنة عمان والإمارات إثر نجاح المخابرات العمانية في تفكيك شبكة تجسس واسعة تقف وراءها أجهزة الاستخبارات العسكرية لدولة الإمارات .
وقالت هذه المصادر إن ضبط السلطات العمانية لشبكة التجسس الإماراتية كشف عن أن مهمة هذه الشبكة هي أكثر من جمع المعلومات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية عن سلطنة عمان ، فهدفها كسب ولاء ضباط وسياسيين عمانيين لدولة الإمارات لخدمة مشروع إستراتيجي وهو التحضير لمرحلة ما بعد السلطان قابوس من أجل احتواء سلطنة عمان والتمهيد لضمها لدولة الإمارات في مشروع كونفدرالي .
التدخل في ليبيا
التدخل الإماراتي في ليبيا يكشفه موقع "IHS Jane" المتخصص في الشؤون العسكرية والفضائية عن قاعدة جوية إماراتية في شرق ليبيا، تعمل بها طائرات هجوم خفيفة وأخرى من دون طيار لدعم قوات تابعة للعقيد المتقاعد خليفة حفتر. حيث أعلن الموقع أن صورا بالأقمار الاصطناعية حصلت عليها من شركة "إيرباص" للدفاع والفضاء التقطت بتاريخ 23 يوليو 2016 كشفت عن نشاطات لدولة الإمارات في مطار "الكاظم"، وتزامن هذا الكشف، مع زيارة رسمية للمشير خليفة حفتر إلى الإمارات التقى خلالها نائب رئيس الوزراء لشؤون الرئاسة الشيخ منصور بن آل نهيان، وتم مناقشة "دعم العلاقات الثنائية بين البلدين وتبادل وجهات النظر حول الظروف التي تمر بها ليبيا والمنطقة العربية خاصة على المستوى الأمني".
وتأتي هذه الزيارة بعد يوم واحد من زيارة المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر ولقائه وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش. وطالما وجهت انتقادات واتهامات أممية للإمارات عبر وثائق رسمية صادرة عن مجلس الأمن الدولي تشير إلى دور الإمارات في تزويد حفتر بالسلاح رغم الحظر المفروض على السلاح إلى ليبيا، كما أن هناك حديثا عن تدخل عسكري إماراتي، وهو الأمر الذي كشفه تسريب صوتي مؤخرا عن وجود طيارين إماراتيين في ليبيا.
أدوار مشبوهةفي سوريا واليمن
كما أن الأدوار "المشبوهة" التي تلعبها الإمارات في سوريا واليمن، والتي كشف عنها الفيلم الوثائقي «الأيادي السوداء»، يصب بشكل كبير في صالح إيران. فقد فضلت أبوظبي حماية العلاقات الاقتصادية الإماراتية مع نظام بشار الأسد، حليف إيران، والتي تصل إلى 10 مليارات دولار، على وقف نزيف الدم السوري، ودفعت الإمارات إلى تقديم دعم لوجستي وعسكري، وتسجيلات لرموز المعارضة السورية، إلى الأسد من أجل الحفاظ عليه، وهو أمر صب في صالح وصالح حليفته طهران.
الوضع في اليمن، لا يختلف كثيرا عنه في سوريا. إذ تتوافق الإرادة السياسية بين البلدين في حرب اليمن، وهو تقسيمها إلى شمال وجنوب، رغم أن الظاهر هو دخولهما متضادتين في حرب واحدة.
فعلى الرغم من مشاركة الإمارات في التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية وتمكين الرئيس عبد ربه منصور هادي من استعادة سيطرته على البلاد، بعد الانقلاب الذي قاده الحوثيون (مدعومين من إيران)، فإن دلائل عدة تثبت دورا نشطا لعبته أبوظبي على الأرض لتقسيم اليمن صب في مصلحة الانقلاب هناك. إذ تدعم الإمارات انفصال الجنوب عن الشمال، وتعمل جاهدة للسيطرة على عدن، حتى تتمكن من السيطرة على خليج عدن، رغبة في تعزيز مصالحها الاقتصادية، حسب مراقبين.
كما تدعم الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» ونجله المتحالفين مع الحوثيين، وتواجه «هادي»، وهو ما ظهر جليا في استضافتها عددا من رموز نظام «صالح».كما أنه فيما يبدو، فإن المشاركة الإماراتية في اليمن لا تلقي بظلال كثيفة على علاقات إيران مع الإمارات، ربما لأن إيران تلمس بشكل واضح الخلاف السعودي الإماراتي داخل اليمن، ولأنها ربما لا تملك مصالح جوهرية داخل اليمن، قد تكون مهددة من قبل التحالف السعودي الإماراتي.
"شيزوفرينيا" العلاقات
بين أبوظبي وطهران
فإذا ما انتقلنا إلى العلاقات الإماراتية الإيرانية. نجدها "الأعمق خليجيا" رغم احتلال ايران لجزرها الثلاث؛ كما أن إيران شريك إستراتيجي لدولة الإمارات، لا يقتصر الأمر معها على التجارة والعلاقات الاقتصادية فحسب، رغم أهميتها، بل يعود إلى روابط ثقافية وحضارية مشتركة .فهكذا لخص وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد علاقة بلاده بإيران.
التصريح الذي يعود إلى أبريل 2014، وصف بدقة العلاقات بين البلدين، فإيران بالفعل، تعتبر شريكا إستراتيجيا للإمارات، سياسيا واقتصاديا، رغم الأزمة المستعرة بين دول خليجية (بينها الإمارات) وإيران، ورغم أن الأخيرة تحتل منذ عقود طويلة 3 جزر إماراتية في الخليج العربي («طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«أبو موسى»).
وهكذا يلحظ المراقب لتلك العلاقة بين أبو ظبي وطهران أنها تتسم بالـ«شيزوفرينيا»، وهي الحالة التي لها مظاهر عدة لا تقتصر على قضية الجزر الثلاثة.فالتقارب السياسي واتساع التبادل التجاري وتمدده بين البلدين، لا يمنع بين الحين والآخر حدوث هجوم متبادل بتصريحات سياسية وإعلامية، وشد وجذب في الخليج العربي بين سفن البلدين.
علاقات اقتصادية واسعة
الإمارات من أبرز الشركاء التجاريين لإيران ومن أهم وجهات الصادرات والواردات الإيرانية.
وتستحوذ الإمارات على 80% من التبادلات التجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما تعد طهران رابع شريك تجاري للإمارات، وفق أرقام رسمية.وحسب تصريحات إماراتية رسمية، فإن التجارة بين البلدين وصلت إلى 17 مليار دولارعام 2014، إلا أنها تبقى أدنى من المستوى القياسي الذي سجلته عام 2011 قبل بدء العقوبات على إيران، حين بلغ التبادل 23 مليار دولار.
تقارب سياسي عريق
وتاريخيا، وعلى الرغم من النزاع حول الجزر، والذي بدأ مع تأسيس الدولة الإماراتية، حاولت الإمارات أن تنشئ علاقة سياسية متقاربة مع إيران.وفي مطلع 2015، وعلى الرغم من الخلاف السعودي الإيراني في أزمة النفط، كانت الإمارات تغرد خارج سرب الخليج؛ حيث وقعت أبوظبي وطهران مذكرة تفاهم تتضمن 17 بندا حول تسهيل تأشيرات الدخول والإقامة بين البلدين؛ بالإضافة إلى مواصلة التعاون القضائي في مجال مكافحة المخدرات.
ومع تبادل الزيارات بين البلدين في هذه الفترة، وصف مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان، الرؤية الإيرانية والإماراتية فيما يتعلق بمكافحة الارهاب بـ«المتقاربة جدا».فيما وصف وزير الثقافة الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك، علاقات بلاده وإيران بـ«التاريخية والعريقة».
وعلى خلفية اقتحام السفارة السعودية بطهران، وقرار المملكة ودول خليجية وعربية وإسلامية سحب سفرائها من طهران، أو قطع علاقتها بها، اكتفت أبو ظبي فقط بتخفيض تمثيلها !!