جورجيز كافييرو -لوبلوج-
في عام 2013، وبدعم من الحكومات الأمريكية والأفغانية والقطرية، فتحت طالبان مكتبا في الدوحة. وكان هدف المكتب أن يعمل على إشراك ممثلي طالبان في محادثات لتحقيق السلام في أفغانستان، التي مزقتها الحرب. ومع ذلك، فقد فشل المكتب خلال الأعوام الأربعة الماضية في إحراز تقدم ملموس في أي مفاوضات ناجحة. وفي هذه المرحلة، بعد أن أصبحت الدبلوماسية في أفغانستان أولوية أقل عند إدارة «دونالد ترامب»، تضغط واشنطن وكابول على الدوحة لإخراج مبعوثي طالبان من قطر.
وكان مسؤولون في الولايات المتحدة وأفغانستان قد قالوا مؤخرا إن المكتب في الدوحة يزود طالبان بـ«شرعية لا أساس لها»، ويعد وسيلة لإشراك الحكومات الصينية والإيرانية والباكستانية والروسية في ذلك الملف عبر الدوحة. وقد عارض «ترامب» بشدة فكرة مكتب طالبان، ووصف الأمر بالمبادرة الفاشلة من قبل إدارة «أوباما». كما دعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر الوفد المكون من 36 عضوا وسيلة تساعد الدوحة على تعزيز مكانتها في الساحة العالمية، إلى طرد ممثلي طالبان من قطر.
بيد أن إدارة «ترامب» والرئيس الأفغاني «أشرف غني» ينبغي أن ينظرا في مخاطر إغلاق مكتب طالبان في الدوحة. فالوصول إلى قناة اتصال مع طالبان يتيح لكابول وواشنطن القدرة على المناورة لإشراك طالبان في المفاوضات، عندما يقرران أن الوقت مناسب لهذا. وتتطلب أي خطة واقعية لتعزيز السلام في أفغانستان التفاوض مع طالبان. وبالإضافة إلى ذلك، إذا تم طرد مبعوثي طالبان من قطر، فإنهم سيضعون أيديهم ببساطة في يد بلد آخر، وربما تكون الصين أو إيران أو باكستان أو روسيا، وبهذا تفقد واشنطن النفوذ في أي عملية سلام مستقبلية.
وعلاوة على ذلك، سيزيد إغلاق مكتب طالبان في الدوحة من إضعاف احتمالات حل الصراعات في أفغانستان، حيث سيعزز ذلك موقف الأشخاص الموجودين في قيادة طالبان الذين يعارضون الدبلوماسية ويؤيدون استمرار القتال. وفي الآونة الأخيرة، هاجمت طالبان، في 18 أكتوبر/تشرين الأول، قاعدة تابعة للجيش الأفغاني بمديرية ميوند في ولاية قندهار، وقد أسفر الهجوم عن مقتل 9 جنود أفغان و10 من مسلحي الحركة. ومما لا شك فيه، سيكتسب تأكيد البعض في طالبان، بأن المسؤولين في واشنطن وكابول ليسوا صادقين في طلب الحل بالتفاوض، زخما إذا ضغطت إدارة «ترامب» وحكومة «غني» على قطر لإغلاق مكتب طالبان.
راع للإرهاب أم قناة اتصال خلفية؟
ومنذ التسعينات، حافظت قطر على علاقاتها مع مجموعة من الأفراد والجماعات الإسلامية التي تعتبر معادية للغرب أيديولوجيا. وقد تلقت عشرات الفصائل، التي أدرجتها وزارة الخارجية الأمريكية كمنظمات إرهابية، من حماس في غزة إلى جبهة النصرة في سوريا، أشكالا مختلفة من الدعم من الدوحة، التي استضافت أيضا أعضاء هذه المنظمات. وفي واشنطن، كانت هناك مناقشة طويلة حول ما إذا كان من الممكن التحالف مع دولة عربية تعزز هذه العلاقات مع مختلف الإسلاميين يفيد أو يقوض مصالح الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن بعض المشرعين الأمريكيين يسارعون إلى توجيه أصابعهم إلى قطر بالاتهام لحفاظها على صلات مع بعض الفصائل الإسلامية في الشرق الأوسط، إلا أن واشنطن قد استفادت أيضا، بشكل استثنائي، من علاقات الدوحة مع مختلف الجماعات المناهضة للغرب. وقد استخدمت واشنطن قطر كجسر دبلوماسي بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أو في الشرق الأوسط من جهة والجهات الفاعلة غير الحكومية من جهة أخرى في بعض الأحيان، عندما لم يكن الاتصال المباشر قابلا للتطبيق لأسباب سياسية أو قانونية.
وعلى سبيل المثال، ساعدت الدبلوماسية القطرية خلال الحرب بين (إسرائيل) وحماس، عام 2014، على الوصول إلى موافقة الطرفين على وقف لإطلاق النار، الأمر الذي خدم المصالح الأمريكية، في الوقت الذي منع فيه القانون الأمريكي واشنطن من إشراك حماس في المفاوضات بشكل مباشر. وفي العام نفسه، لعبت الدوحة دورا محوريا في إقناع جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، بالإفراج عن «بيتر ثيو كورتيس»، وهو صحفي أمريكي احتجزته الجماعة كرهينة في سوريا، عام 2012، وقامت قطر بتنسيق المفاوضات التي أدت إلى عملية «طالبان 5» لتبادل الأسرى، التي أمنت الإفراج عن الجندي الأمريكي «بو بيرغدال» مقابل 5 من قادة طالبان تم الإفراج عنهم من سجن غوانتانامو.
مستقبل مكتب طالبان
وإذا كان البيت الأبيض ملتزما، بشكل جدي، بتعزيز السلام في أفغانستان، فإن هناك حاجة إلى مبادرة دبلوماسية طويلة الأجل. وبينما يتساءل المزيد من الأفغان عن مصداقية واشنطن للتوسط في تسوية سياسية، يمكن لضغط إدارة «ترامب» على الدوحة لطرد مكتب طالبان أن يقوض الجهود الأمريكية للاضطلاع بدور رئيسي في عملية السلام.
وفي نهاية المطاف، يقع قرار إغلاق مكتب طالبان في الدوحة على عاتق السلطات القطرية، حتى لو تقدمت الحكومة الأفغانية بطلب رسمي. وعندما جاء الأمير «تميم» إلى نيويورك الشهر الماضي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أفيد بأن الأمير القطري قد تحدث مع «ترامب» عن مكتب طالبان. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان الأمير «تميم» قد اتخذ هذا القرار بالفعل، فإن أزمة قطر منذ أشهر قد زادت من تصميم قيادة الإمارة على إقناع إدارة «ترامب» بأن اتهامات الدول المحاصرة لقطر بأنها ترعى الإرهاب لا أساس لها من الصحة.
وعلى الرغم من أن قطر قد تجد في إغلاق مكتب طالبان فرصة للقيادة في الدوحة لتعزيز علاقتها مع «ترامب»، الذي دعم في البداية الكتلة السعودية الإماراتية في النزاع الخليجي، فإن مثل هذه الخطوة قد تقوض بسهولة آفاق الحل السلمي للحرب الأفغانية.