دول » قطر

تصاعد الأزمة الخليجية يجبر الشركات الكبرى على الانحياز لأحد الجانبين

في 2018/05/08

انترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة شادي خليفة -

تتصاعد الأزمة الخليجية بين التحالف الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة من جهة وقطر من جهة أخرى، بطرق كثيرة ومثيرة للقلق قد تؤثر على مصالح تجارية لأطراف أخرى رئيسية، وقد تزيد الضغط الدولي من أجل حل النزاع.

وفي تحول كبير بعيدا عن التعنت السعودي والإماراتي في محاولة لإجبار المجتمع الدولي ومتعددي الجنسيات على الانحياز إلى أحد طرفي النزاع الذي دام 11 شهرا حتى الآن، تجد المؤسسات المالية البارزة نفسها متداخلة في النزاع الذي اندلع في يونيو/حزيران الماضي، عندما أعلن التحالف مقاطعة دبلوماسية واقتصادية لقطر.

وأفاد المديرون التنفيذيون لبنكي «جي بي مورجان» و«إتش إس بي سي»، الشهر الماضي لصحيفة «وول ستريت جورنال»، بأنهم لن يشاركوا في إصدار سندات بقيمة 12 مليار دولار في الخليج، لأن ذلك قد يعرض علاقتهم بالمملكة العربية السعودية للخطر.

وقد اندفعت المملكة في أبريل/نيسان لبيع سندات بقيمة 11 مليار دولار من جانبها، وهي المرة الرابعة في عروضها الدولية؛ لضمان وصولها للسوق قبل قطر.

وقد استجابت قطر للجهود المبذولة بمحاولة إقناع المؤسسات المالية بالحد من التعامل مع الدول الخليجية، إن لم يكن وقف ذلك، بعد رفض التعامل مع بعض المصرفيين والخبراء الاستشاريين في دبي. وقد أجبر الرد القطري العديد من المؤسسات الغربية على التعامل مع قطر من خلال مكاتبها في لندن، وفقا للصحيفة.

وعلاوة على ذلك، يقال إن بعض المصرفيين والمسؤولين التنفيذيين الماليين قد تم احتجازهم في مطارات الإمارات لأن لديهم تأشيرات قطرية في جوازات سفرهم، قبل أن يتم السماح لهم بالدخول إلى البلاد في نهاية المطاف.

وفي خطوة غير عادية، فاجأت السعودية السوق عندما أطلقت سنداتها دون الشروع في حملة ترويجية تقليدية لتسويق العرض، وسعت لإتمام الصفقة في يوم واحد. وقد تم تغطية العرض بما يعادل 5 مرات.

لكن المحاولة السعودية لتقويض قطر قد فشلت، بالنظر إلى أن عملية البيع من قبل الدوحة قد تم تغطيتها بنفس الحجم.

وقال مسؤول قطري: «يعكس هذا قوة الاقتصاد القطري وثقة المستثمرين الدوليين فيه».

وكان «إتش إس بي سي» أحد المنسقين العالميين للسندات السعودية، في حين كان «جيه بي مورغان» أحد مديريها الرئيسيين، وساعد هذان البنكان في ترتيب آخر عملية بيع في قطر في عام 2016 لسندات بقيمة 9 مليارات دولار. ولم يشاركا في أحدث عملية بيع قطرية، والتي تم ترتيبها بين مؤسسات أخرى مثل «دويتشه بنك» و«باركليز» و«كريدي سويس» والبنوك التي تمتلك فيها قطر حصصا كبيرة.

وفي يناير/كانون الثاني، اضطر بنك الدوحة، خامس أكبر بنك في قطر، إلى تقليص حجم قرض بنكي قيمته 575 مليون دولار لمدة عامين، كان قد وافق عليه في ديسمبر/كانون الأول 2015، إلى 400 مليون دولار، عندما سعى للحصول على تمديد لمدة عام للمرفق، لأن البنوك من الصين وهونغ كونغ واليابان اختارت عدم المشاركة.

وتتناقض التداعيات المالية للأزمة الخليجية مع المحاولات الفاشلة للتحالف الإماراتي السعودي، في أعقاب إعلان المقاطعة، للضغط على الدول الأفريقية القوية لدعم إجراءاتها العقابية ضد قطر.

واقترح «عمر غباش»، سفير دولة الإمارات لدى روسيا في ذلك الوقت، أن يفرض التحالف المناهض لقطر «شروطا على شركائنا التجاريين، حيث نقول لهم إن كنت تريد العمل معنا، يتعين عليك إذن القيام باختيار تجاري».

ويشير التداول غير الناجح بين قطر وبعض المصارف الدولية إلى أن السعودية والإمارات قد شعرا بالإحباط من إثبات الدوحة قدرتها على المقاومة بما يكفي لرفض المطالب التي طالب بها التحالف، وقد قررت زيادة الضغط.

وتتهم الإمارات والسعودية قطر بدعم المتشددين والعنف السياسي، والحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران، والتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، وهي اتهامات تنفيها قطر. وبالفعل فإن قبول مطالب التحالف من شأنه أن يرقى إلى تعد على سيادة قطر، ما يحد من قدرتها على رسم مسارها الخاص والمستقل.

وجاء الكشف في صحيفة «وول ستريت جورنال» عن العلاقات المتبادلة مع المؤسسات المالية بعد أيام من تعيين وزير الخارجية الأمريكي المعين حديثا «مايك بومبيو»، بعد أن خرج في أول رحلة خارجية له في وظيفته الجديدة للقادة السعوديين في الرياض ليخبرهم بأنه «كفى تعني كفى»، وأن الخليج يجب أن يضع نهاية للأزمة.

ولا شك أن إيقاف الأزمة وتجنب التأثير المحتمل لها على العديد من الأطراف خارجها ليس هو السبب الوحيد لزيادة الضغط الذي مارسه «بومبيو» على السعودية والإمارات؛ حيث تريد الولايات المتحدة أن ترى جبهة موحدة بين حلفائها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس «دونالد ترامب» للانسحاب المحتمل، في 12 مايو/أيار، من الاتفاقية الدولية لعام 2015 التي تحد من برنامج إيران النووي.

ومع ذلك، فإن إجبار المؤسسات المالية على الانحياز إلى أحد جانبي الأزمة الخليجية يتحدى نهج الرئيس «ترامب» السياسي ويعرض مصالح الشركات الأمريكية الكبرى للخطر، وهو ما لن يرضى عنه الرئيس.

وإذا ما نجحت في إجبار المؤسسات المالية على الانحياز الدائم، فقد تقرر السعودية والإمارات استهداف قطاعات اقتصادية أخرى، وكذلك الدول الآسيوية التي تعتمد على تصدير العمالة إلى الخليج.

وتخشى دول مثل بنغلادش وباكستان، وهما من أكثر الدول الإسلامية ازدحاما بالسكان، بالإضافة إلى الهند، التي تضم رابع أكبر عدد من المسلمين في العالم، أن تهدد السعودية بطرد ملايين العمال المهاجرين والمغتربين هناك، في محاولة لإجبار دولهم على الانضمام إلى مقاطعة قطر.

ولدى المملكة تاريخ من استخدام ورقة العمال المهاجرين، الذين تشكل تحويلاتهم العمود الفقري لسيولة العملة الأجنبية للعديد من البلدان الموردة للعمالة، والتي تخفف وظائف مواطنيها في الخليج الضغط على أسواق العمل المحلية.

وفقد الآلاف من العمال الأجانب في المملكة وظائفهم في الأعوام الأخيرة نتيجة لجهود ولي العهد «محمد بن سلمان» لاستبدالهم بالمواطنين السعوديين، إضافة إلى الصعوبات المالية التي تواجهها الشركات الكبرى، مثل مجموعة «بن لادن» السعودية و«سعودي أوجيه».

وفي حديث لهيئة الإذاعة البريطانية في يونيو/حزيران الماضي، حذر السفير البنغلاديشي السابق لدى السعودية «عبد المؤمن تشودري» من أنه «لا شيء مستحيل في الكيفية التي قد تسعى بها المملكة لبناء الدعم لحملتها ضد قطر».

وقد تعكس الجهود السعودية والإماراتية المحتملة لزيادة الضغط على قطر حقيقة أن البلدين قد وضعا أنفسهما في زاوية ضيقة لا فرار منها عبر رفض التفاوض مع الدوحة ما لم تقبل مطالبها أولا.

ويعزز المأزق الخليجي حقيقة أن المجتمع الدولي رفض بشكل كبير دعم الموقف السعودي الإماراتي، ودعا مرارا وتكرارا إلى حل تفاوضي.

وحتى الآن، لم تجبر الآثار الواقعة على المؤسسات المالية أي من البنوك والشركات المالية الكبرى على إغلاق مكاتبها في جانب أو آخر من الأزمة الخليجية.

ومع ذلك، يظل «جي بي مورغان» أعلى مستشار للاندماج والاستحواذ في المنطقة، لكنه لم يعد من بين أفضل 5 بنوك في قطر من حيث الإيرادات. وللمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمان، لم يتم تصنيفه حتى بين أفضل 10 بنوك في الدولة الخليجية الصغيرة.

وقال مسؤول تنفيذي في شركة استثمارات خاصة في الخليج: «إذا استمر هذا الأمر، فسوف تضطر البنوك الدولية بشكل متزايد إلى الاختيار بين الجانبين. ومن شأن هذا أن يأخذ أزمة الخليج إلى مستوى جديد وخطير للغاية».