دول » قطر

الإصلاحات الإقتصادية في الخليج: لعنة النفط

في 2018/05/30

عامر ذياب التميمي- البيت الخليجي-

هل يمكن المراهنة على خطط بلدان الخليج المتعلقة بالتنمية والإصلاح الاقتصادي؟ لا شك أن هذا السؤال يظل كبيراً ومقلقاً مع وجود سجل من التجارب التاريخية التي تؤكد عدم جدية عملية الإصلاح في بلدان المنطقة رغم تفاوت التجارب بين بلد وآخر.

ثمة معطيات موضوعية لابد من مواجهتها لتحديد مدى القدرة على إنجاز مشروعات التنمية والإصلاح الاقتصادي. ومنها، الأخذ بعين الإعتبار أن اقتصادات بلدان المنطقة تعتمد على النفط وإيراداته لمواجهة التزامات الإنفاق العام وتنفيذ المشاريع الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية، ومنها الطرق والمياه والكهرباء ناهيك عن متطلبات الرعاية الصحية والتعليم. يضاف إلى هذه الإلتزامات المكلفة ما تم التعهد به من قبل الحكومات، ومن أهم تلك التعهدات ما يرتبط بتوفير الرعاية السكنية، أو بشكل أوضح توفير السكن والقروض الإسكانية.

في إطار الإنفاق العام هناك ما تقوم به دول المنطقة من دعم لإستهلاك الكهرباء والمياه ودعم مشتريات المواد الغذائية والسلعية. وتقوم حكومات المنطقة بدعم مواطنيها في الزواج وتحمل أعباء أخرى. أما الإلتزام الأساسي في منظومة الإنفاق العام هو ما يتعلق بالرواتب والأجور، حيث تقوم الإدارات الحكومية بتوظيف غالبية المواطنين المتدفقين إلى سوق العمل في الدوائر الحكومية أو مؤسسات القطاع العام.

بطبيعة الحال، تتفاوت الإلتزامات المشار إليها بين دولة خليجية وأخرى ولكن يمكن الزعم بأن النهج المتبع في الإدارة الإقتصادية يكاد يكون متسقاً بين هذه الدول. الآن وبعد أن بدأت أسعار النفط بالتماسك النسبي وتجاوزت في منتصف مايو/ أيار 2018 الثمانين دولاراً للبرميل، هل يمكن أن نستشرف سياسات مالية حكيمة وعقلانية في دول الخليج؟ لقد اعتدنا أن يتم صرف النظر عن سياسات الإصلاح بعد كل تحسن أو إرتفاع في أسعار النفط.

مرت على بلدان الخليج فترات تدنت فيها أسعار النفط إلى مستويات قياسية، حدث ذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي عندما تراجع سعر البرميل إلى أقل من عشرة دولارات، وكذلك نهاية التسعينات من القرن الماضي عندما هبط السعر إلى 11 دولار. ولم تفلح تلك الأوضاع الصعبة في تغيير السياسات الريعية المتبعة، وعادت الحكومات للإلتزام ببرامج إنفاق مبنية على فلسفة دولة الرفاهية والرعاية. ولم تؤدي تلك الأزمات إلى إعادة هيكلة النظام الاقتصادي بما يرفع من مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي ويزيد من مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل. معلوم أن هذين التحديين، مساهمة القطاع الخاص ودور العمالة الوطنية، يتموضعان كأهم المعضلات الاقتصادية الحقيقية التي تواجه عملية الإصلاح الإقتصادي في مختلف بلدان الخليج. ربما حاولت عدة دول خليجية الولوج في تطوير بنيتها الإقتصادية من خلال تشجيع إقامة منشآت ومشاريع حيوية تنتمي للقطاعات غير النفطية بهدف تنويع القاعدة الإقتصادية، لكن، هل يجدر بنا التوقع بأن تمثل هذه الأنشطة إمكانيات لخلق اقتصادات متحررة من الإعتماد على النفط؟

عندما حدثت أزمة عام 2008 وانكشفت البنوك في منطقة الخليج على ديون كبيرة اقترضتها مؤسسات تعمل في القطاعات النفطية والشركات العقارية والفنادق والمنتجعات وعدد من الشركات العاملة في الصناعات التحويلية، جرى توظيف أموال النفط العائدة للخزينة العامة لدعم المؤسسات المالية والمصرفية لتفادي أزمة مالية محتملة.

الكثير من المراقبين الاقتصاديين يتساءلون حول مدى إمكانيات تطويع الاقتصادات الخليجية لظاهرة التنوع بعد مرور سنوات وعقود طويلة من الاعتماد على فلسفة الاقتصاد الريعي. يضاف إلى ذلك، مسألة الميزة النسبية للعديد من الأنشطة حيث تفتقر بلدان الخليج للعمالة الوطنية المدربة والمواد الخام اللازمة، خصوصاً للصناعات التحويلية غير النفطية، وكذلك ضعف الأسواق المحلية ومحدودية استيعابها. ناهيك عن أن المشاريع المنتمية لقطاع السياحة تتطلب منظومة قيم إجتماعية متحررة من التوجهات المحافظة، بالإضافة للشكوك حول مدى جاذبية هذه البلدان لسياحة الترفيه في ظل القيود والمناخ القاسي.

تبقى هناك إمكانيات لتطوير صناعات تحويلية تعتمد على النفط، وقد أنجزت مشاريع للصناعات البتروكيماوية المتعددة والتقطير والمصافي، وتمكنت بلدان الخليج من تصدير منتجات هذه الصناعات إلى العديد من البلدان المستهلكة، وإن كانت منتجات محددة، مثل منتجات البتروكيماويات، لا تزال تواجه معوقات الحمائية في بلدان الاتحاد الأوروبي وعدد آخر من البلدان. هذه الصناعات يمكن أن تتطور وتستفيد من التحولات التكنولوجية المتاحة، كما يجب على بلدان المنطقة أن تكثف من مفاوضاتها مع البلدان المستهلكة ومنظمة التجارة الدولية لتجاوز كافة المعوقات الإجرائية والضريبية غير المتسقة مع أنظمة التجارة الدولية المتفق عليها بموجب اتفاقية الغات وما لحقتها من اتفاقات. ومهما يكن من أمر فإن الصادرات من هذه المنتجات الصناعية لم تتمكن من موازاة ما يتحقق لهذه البلدان من دخل من مبيعات النفط الخام.

يبقى السؤال الهام هو كيف يمكن لدول الخليج أن تنتقل من مرحلة الاقتصاد الريعي إلى مرحلة الإقتصاد المنتج الذي يعتمد على الإمكانيات المهنية والمعطيات الاقتصادية المتاحة في دول الخليج؟ لن يكون الأمر سهلاً حيث تكرست أوضاع إقتصادية تعتمد على دور فعال ومهيمن للدولة، وأصبح القطاع الخاص رهيناً للإنفاق العام وباتت معظم أعمال القطاع الخاص تعتمد على عمالة وافدة..

يرى البعض أن هناك بلداناً خليجية اعتمدت مسار الإصلاح خلال السنوات الماضية وهي لا تزال تعمل من أجل بناء اقتصادات ذات قاعدة متنوعة، ومن هذه البلدان السعودية والأمارات وعمان، وإن تفاوتت ملامح عمليات الإصلاح الهيكلي بينها. بيد أن هناك محددات موضوعية تتطلب المواجهة، ومنها ما يتصل بجدوى أو قدرة أنشطة إقتصادية غير نفطية من النجاح أو كسب ميزات نسبية. هل يمكن  أن نقبل ما يطرح الآن من أن هناك إمكانيات لتنشيط القطاع السياحي وجذب الزائرين من البلدان المجاورة أو بلدان بعيـدة؟ معلوم أن لنجاح السياحة في بلد ما اشتراطات معينة منها توفر الجاذبية التاريخية مثل توفر المعالم الأثرية أو تكون البلاد تتسم بملامح دينية معينة بما يجذب الزائرين للمشاعر، أو تكون ذات جاذبية طبيعية ومنها توفر الجبال والشواطىء البحرية أو غير ذلك بما يجذب سياح من نوعيات محددة. بطبيعة الحال استفادت السعودية من وجود الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وهي تجذب الزائرين في موسم الحج ومواسم العمرة ولا بد أنها بذلك تكسب دخلاً مهماً ينعش أصحاب الأعمال، ومنهم ملاك الفنادق والعمارات السكنية في مكة والمدينة بالإضافة إلى أصحاب المحال المتخصصة في بيع السلع والبضائع التي تجذب الحجاج والمعتمرين. ويؤكد إقتصاديون سعوديون بأن عائدات الحج خلال موسم 2017 بلغت ما يقارب  26 مليار ريالاً سعوديًا أو 6.7 مليار دولار، وهذا لا يمثل سوى الواحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.

عملت الإمارات بشكل ناجح على جذب السياح إلى البلاد، خصوصا دبي ، من خلال إقامة المعارض والمنتجعات وتطوير بنية تحتية مناسبة. ويذكر الآن أن دبي تجذب أعداد كبيرة من الزوار المهتمين بالمعارض والتسوق أو المشاركين في المؤتمرات الدورية وغير ذلك من أنشطة سياحية. وقدر مجلس السفر والسياحة العالمي أن مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة كان بحدود 18.7 مليار دولار بما يمثل 5.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد قدر عدد الزوار لدبي فقط بحدود 15.8 مليون في عام 2017. لا شك أن السعودية والإمارات، ربما بلدان أخرى يمكن أن توظف القطاع السياحي بطرق مفيدة، ولكن، هل يمكن أن تكون السياحة ومداخيلها بديلاً عن النفط ومداخيله لإقتصادات هذه البلدان؟ لا يمكن القبول بمثل هذه الفرضية.

في ظل المحددات التي تواجهها بلدان الخليج هناك أهمية لتبني فلسفة إصلاح متوازنة حيث يتعين إنجاز التحولات من خلال برنامج زمني ملائم. كذلك لابد من التركيز على أهمية بناء اقتصادات تعتمد على العلم والمعرفة ما يقتضي ضرورة تطوير النظام التعليمي وصولاً لتوفير مخرجات تُعزز من دور العمالة الوطنية في سوق العمل. هذه العمالة المتعلمة والمؤهلة فنياً ومهنياً يمكن أن تطور العديد من الأنشطة الإقتصادية ذات الميزات النسبية والتي يمكن أن ترفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بشكل مضطرد خلال السنوات القادمة.

أمام بلدان الخليج تحدي مهم وهو اعتماد فلسفة إقتصادية مختلفة تهدف إلى التحول البنيوي على مدى زمني معلوم وبحيث لا تتأثر هذه الفلسفة بأوضاع سوق النفط الإيجابية منها أو السلبية على حد سواء.