دول » قطر

تفاصيل خطة قطر لمواجهة الحصار في واشنطن

في 2018/09/01

جولي بايكوفيتش - وول ستريت جورنال- ترجمة شادي خليفة -

ذهب "جوي اللحام"، وهو صاحب مطاعم في نيويورك منذ مدة طويلة، إلى كنيس "بارك إيست" في مانهاتن أواخر العام الماضي مع عرض للمحامي "آلان ديرشوفيتز" مفاده: "تفضل بزيارة الدوحة، عاصمة قطر، بدعوة من الأمير".

ويقول "ديرشوفيتز" إنه لم يكن قد قابل "اللحام" من قبل، واعترض في البداية قبل الموافقة على الذهاب. ولم يكن "ديرشوفيتز" يعرف أنه كان على لائحة من 250 شخصا حددها "اللحام" وشريكه في أعمال الضغط والعلاقات العامة "نيك موزين"، كشخصيات مؤثرة في مدار الرئيس "ترامب".

وكانت القائمة جزءا من حملة ضغط جديدة قامت بها قطر، بعد أن انحاز "ترامب" إلى جيرانها في الخليج العربي، الذين فرضوا حصارا على الدولة الصغيرة. ويقول "اللحام" إن قطر أرادت استعادة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وفكرت في التأثير على "ترامب"، فإذا نجحت في كسب الرئيس، فسوف يتبعه الجميع.

خطة غير تقليدية

وكانت عملية الضغط التي قامت بها قطر خلال العام التالي خطة تأثير غير تقليدية لاستهداف رئيس غير تقليدي، وتبين مدى تغير "ترامب" وفقا لقواعد لعبة صناعة النفوذ.

ولأن "ترامب" يتجنب في كثير من الأحيان عمليات صنع السياسة التقليدية، ويعتمد على نصيحة الأصدقاء والزملاء، فإن جماعات المصالح قضت الأشهر الـ 19 الماضية في إعادة توجيه ضغطها. وتشمل الأساليب الجديدة الإعلان خلال البرامج التلفزيونية المفضلة للرئيس، وإقامة العلاقات مع الأشخاص الذين يتحدثون إليه.

وأنفقت قطر 16.3 مليون دولار على الضغط في عام 2017 في الولايات المتحدة، زادت خلال عام الحصار بارتفاع بلغ 4.2 مليون دولار. واعتبارا من يونيو/حزيران 2018، كانت البلاد توظف بشكل مباشر 23 شركة ضغط، مقارنة بـ 7 شركات عام 2016.

وأنفقت الدوحة بعض هذا المال على جماعات الضغط التي تربطها علاقات مع "ترامب"، ووجهت بعضها للتأثير على الكونغرس، وهو نهج نموذجي يهدف إلى الضغط على المشرعين وكبار المسؤولين في الإدارة.

وتحولت قطر أيضا إلى أصدقاء وشركاء ومعجبين بالرئيس يتمتعون بوضع جيد لديه. ويقول "اللحام" إنه و"موزين" قاموا بتجميع القائمة وتواصلوا مع أهدافهم، فأرسلوا ما يقرب من 20 منهم إلى الدوحة مع تغطية نفقاتهم، ومن بين الآخرين الذين أرسلوا إليهم كان حاكم ولاية "أركنسو" السابق، "مايك هاكابي"، والمضيف الإذاعي المحافظ "جون باتشيلور".

كما أنهم رتبوا اجتماعات في الولايات المتحدة بين مسؤولين قطريين وبعض مساعدي "ترامب" بمن فيهم "ستيف ويتكوف"، وهو مطور في نيويورك ليس له تاريخ في السياسة.

ويقول "ستيف بانون"، المستشار الأقدم السابق لـ "ترامب"، أنه في حين أن خصوم قطر، (السعودية والإمارات)، أنفقوا أموال الضغط في الولايات المتحدة "بالطريقة المعتادة على الأسماء القديمة نفسها، فقد حاولت قطر شيئا مختلفا".

ويقول "بانون"، وهو منتقد قديم لدولة قطر: "إن الحصول على كل هؤلاء المؤثرين، القادة اليهود والأشخاص المقربين من الرئيس، يظهر مستوى عالٍ من التطور".

ويقول "جاسم آل ثاني"، وهو متحدث باسم السفارة القطرية في واشنطن، إن الجهد الأوسع كان ضروريا بسبب "جيش الضغط" الخاص بالخصوم في الشرق الأوسط. ويقول: "من دون شك، استغرق الأمر بعض الوقت والموارد لاستبدال أكاذيب دول الحصار ونشر الحقيقة، بما في ذلك دعوة الوفود لزيارة قطر والتحقيق في الحصار بأنفسهم". 

وقد حصلت شركات الضغط التابعة لـ "اللحام" و"موزين" على ما لا يقل عن 3 ملايين دولار مقابل أعمالهم لصالح قطر، حسب ما أظهرته الإيداعات الفيدرالية. ويقولون إن القطريين رغبوا في نشر مضيفيهم أخبارا حول أنشطة قطر الجيدة، بما في ذلك مساعدتها لإعادة بناء غزة لكنهم لم يطلبوا من الزوار أن ينقلوا وجهات نظرهم بأي طريقة محددة.

وهناك علامات على أن برنامج قطر قد آتى أكله؛ حيث عكس "ترامب" موقفه، وفي أبريل/نيسان، رحب بالأمير الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" في البيت الأبيض، حيث ربت على ركبته ووصف قطر بأنها "شريك قيم وصديق قديم". وقد توقف مشروع قانون للكونغرس لتصنيف قطر كدولة داعمة للإرهاب بسبب علاقاتها المزعومة مع "حماس".

ويقول "كريستيان أولريخسن"، زميل دراسات الشرق الأوسط في جامعة رايس: "يمكنك أن ترى من اللقاء مع الأمير، ولغة الجسد والكلمات، أن التواصل مع ترامب كان ناجحا". ويقول إن التواصل غير التقليدي من قبل قطر مع "الأشخاص في دائرة الرئيس"، كان بمثابة "خطوة ذكية حققت نتائج واضحة".

وردا على أسئلة حول ما إذا كان الجهد القطري قد أثر على "ترامب"، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، "جاريت ماركيز": "لقد حدث تحسن في علاقة الحكومة الأمريكية مع القطريين بسبب العديد من المشاركات الثنائية الرسمية الناجحة خلال العام الماضي".

تحدي ترامب

واجهت قطر تحديا واضحا في وقت مبكر من إدارة "ترامب"؛ حيث كان لدى الإمارات والسعودية علاقات أفضل مع البيت الأبيض الجديد مقارنة بالقطريين. وفي مايو/أيار 2017، سافر "ترامب" إلى السعودية لحضور قمة في الشرق الأوسط، حيث حضر مسؤولون قطريون جلسات حول إنهاء تمويل الإرهاب ويبدو أن موقف قطر خلال هذه الاجتماعات لم يرق لبعض مستشاري الرئيس الأمريكي.

وبعد أيام، أقام رجل الأعمال والمانح الجمهوري "إليوت برودي"، الذي لديه مصالح تجارية في الولايات المتحدة، مؤتمرا في واشنطن ينتقد قطر والإخوان المسلمين. ومن ثم، قدم النائب "إد رويس"، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، مشروع قانون يصف قطر بأنها راعية للإرهاب.

وفي يونيو/حزيران، أعلنت الدول الأربع، الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، عن حصارها. وقال "ترامب" في مؤتمر صحفي: "لقد كانت قطر للأسف ممولا للإرهاب".

ولطالما كانت قطر واثقة من علاقتها بالولايات المتحدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى وجود الآلاف من القوات الأمريكية هناك، كما يقول مستشارون قطريون منذ فترة طويلة. وبعد الانتقادات التي وجهها "ترامب"، تعاقدت الدوحة مع شركة قانونية ومستشارين مثل المدعي العام الجمهوري السابق "جون أشكروفت"، مقابل 2.5 مليون دولار، لتدقيق إجراءات مكافحة الإرهاب، كما تظهر ملفات الإيداع الفيدرالية.

واستأجرت قطر، في يوليو/تموز 2017، شركة "أفينو ستراتيجيز"، وهي شركة ضغط بقيادة مستشار حملة "ترامب"، "باري بينت"، في عقد بقيمة 6 ملايين دولار في العام، وفقا لوثائق الشركة. ويقول السيد "بينيت" إن مهمته الرئيسية هي تطوير استراتيجية البلاد على المدى الطويل في علاقتها بالولايات المتحدة.

وزار "موزين" و"هكابي" مدينة "الخليل"، وهي مدينة فلسطينية في الضفة الغربية، في يوليو/تموز، وقبل ذلك بشهور، رتب "موزين" و"اللحام" للحاكم السابق زيارة للدوحة كجزء من حملة التأثير لصالح في قطر.

وفي نفس الوقت تقريبا، يقول "اللحام" و"موزين"، اللذان عرفا بعضهما البعض من خلال دوائر يهودية جمهورية، إنهما كانا يعدان خطة سريعة للقطريين. وكان "اللحام"، البالغ من العمر 43 عاما، صاحب مطاعم راقية سابق، مع أعمال تجارية جانبية لترتيب الرحلات الاستكشافية الفاخرة في عيد الفصح. 

وكان "موزين"، البالغ 43 عاما أيضا، كبير موظفي سيناتور تكساس "تيد كروز". وقد قدم "موزين"، وهو طبيب ومحام، النصيحة والاستشارة للحملة الرئاسية للمرشح الجمهوري حتى انتهت، ثم ساعد حملة "ترامب".

وقد وافق القطريون على القائمة المؤثرة المقترحة، وسرعان ما وضع الصديقان أعينهما على "ديرشوفيتز"، وهو هدف غير تقليدي، حيث أنه ليس مشرعا أو مسؤولا في الإدارة. لكن "ديرشوفيتز" كان قد نال مدح "ترامب" باعتباره "محاميا جيدا" و"عالما قانونيا"، وهو ما جذب انتباه "اللحام" و"موزين".

وبعد زيارته في يناير/كانون الثاني، أشاد "ديرشوفيتز" بالدوحة في عمود في إحدى الصحف قبل أن يعود إلى قطر في مارس/آذار لإلقاء محاضرة.

ويقول أنه ذهب في كل مرة كأكاديمي، ويؤكد أنه لم يذكر شيئا لـ "ترامب" حول قطر.

زيارة هاكابي

وقام "هاكابي" بزيارته إلى قطر في أوائل يناير/كانون الثاني، وهو مؤيد قوي لـ (إسرائيل)، وابنته هي السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض. وبعد زيارته، قام بالتغريد بأنه وجد الدوحة "جميلة بشكل مدهش، وحديثة ومضيافة".

وقد دفع له "اللحام" مبلغ 50 ألف دولار مقابل هذه الزيارة، وفقا لما أظهره تقرير مدفوعات الضغط الأجنبي.

واستهدف "اللحام" المضيف الإذاعي "باتشيلور"، لأن جماعات الضغط كانت قد سمعت حول متابعة "ترامب" في بعض الأحيان لبرنامجه، وكان أعضاء الإدارة ضيوفا لديه. وقام "باتشيلور" بزيارة قطر في يناير/كانون الثاني.

وقد عاد "باتشيلور" للإشادة بقطر، وأكد على أن الدوحة حليف جيد للولايات المتحدة.

واجتمع "اللحام" أيضا بـ "بانون"، الذي كان قد تلقى 100 ألف دولار الخريف الماضي للتحدث في مؤتمر آخر برعاية "برويدي" حول العلاقات المزعومة للدوحة بالإرهاب، لكن "بانون" تمسك بموقفه المناهض للدوحة.

وأثارت حملة قطر للتأثير في واشنطن دعوى قضائية قدمها "برويدي"، مدعيا أن قطر وبعض عملائها، بما في ذلك "موزين"، تآمروا لسرقة رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به، والتي تضمنت تفاصيل عن عمله لصالح الإمارات، لتشويه سمعته كجزء من حملة الضغط.

ورفض قاضٍ فيدرالي قبول الدعوى أو اتهام قطر و"موزين".

وتظهر تقارير "اللحام" لاحقا لوزارة العدل عمله على التأثير في الجماعات الموالية لـ(إسرائيل) التي تقود المزاعم حول علاقة الدوحة بالإرهاب.

ويقول "اللحام" و"موزين" إنهما توقفا عن العمل لصالح قطر في يونيو/حزيران. لكن الإيداعات الفيدرالية تظهر أنهما لا يزالا وكلاء مسجلين لصالح قطر.

وفي يوليو/تموز، شكلا شركة ضغط واستشارات استثمارية باسم "ستونينتون جلوبال". ويقول البيان الذي أعلنته الشركة الجديدة إنها "سوف تبني على نجاحها الذي حققته مع دولة قطر، وكيف نجح مؤسسوها في تحويل موقف إمارة الخليج الصغيرة من العزلة والحصار والنقد من الرئيس، إلى حليف أمني يتمتع بعلاقة طيبة ونفوذ جيد في واشنطن".