القدس العربي-
سارعت القيادات السياسية في السعودية ومصر والإمارات والبحرين إلى التحرّك بسرعة بعد إعلان «المجلس العسكري الانتقالي» في السودان عزل الرئيس أحمد حسن البشير، وقد توازت هذه التحركات مع ضغط الاعتصامات الشعبية في الشارع، والصراع الداخلي في المجلس، وصولا إلى استقالة الرئيس الأول للمجلس ووزير الدفاع السابق عوض بن عوف، ونائبه كمال عبد المعروف، وصعود كل من عبد الفتاح البرهان، المفتش العام للقوات المسلحة، الذي عين رئيسا جديدا للمجلس، ومحمد حمدان دقلو «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، الذي عيّن نائبا له.
والواقع أن هناك عدّة أسباب للاعتقاد بوجود رهان كبير لدى دول الحصار على الطبعة الثانية من «المجلس العسكري»، فالبرهان وحميدتي هما مسؤولا تنسيق وجود القوات السودانية في اليمن منذ عام 2015، في إطار «التحالف العربي» ضد إيران والحوثيين، وقد تكررت زيارات البرهان إلى الإمارات ضمن قضايا التنسيق هذه، وبالتناظر مع إعلان الدول المذكورة ترحيبها بالبرهان وحميدتي فقد أعلن المجلس بقاء القوات المذكورة في اليمن، وبأن رئيسه (ونائبه) التقيا وفدا سعوديا إماراتيا مشتركا رفيع المستوى بالتوازي مع لقاء للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في الرياض، ولكن القيادة العسكرية الجديدة في السودان لم تكشف، لسبب ما، عن أسماء أو صفات الشخصيات المكونة للوفد المشترك. كما أعلنت القاهرة أمس الأربعاء عن وفد مصريّ «رفيع المستوى» سيزور السودان، كما اتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع البرهان معربا عن دعم القاهرة الكامل «لأمن واستقرار السودان» (وهي عبارة منطوقها أن الأنظمة تناصر بعضها ضد الشعوب!).
من الطبيعي أن تشتغل «دول الحصار» على «ضبط إيقاع» أجندة «المجلس العسكري» السوداني لتتناغم مع مصالح محورها الإقليمي والدوليّ، وهي ستستخدم لذلك عدة أوراق، منها طبعا ورقة الدعم الماليّ فالانتفاضة السودانية بدأت كما هو معلوم من أزمة الخبز التي أشعلت المظاهرات، ومنها أيضاً ورقة وقف العقوبات الدولية على السودان، كما سيتم استغلال أوراق أخرى منها الجغرافيا السياسية التي تربط السودان بمصر، إضافة إلى العلاقات مع مفاتيح سياسيّة مهمّة للجيش والسياسة في السودان، مثل مدير مكتب البشير السابق طه عثمان الحسين، وكذلك التأثير على بعض الأحزاب السياسية السودانية من باب أيديولوجيا عداء هذه الدول لما يسمى بـ»الإسلام السياسي».
غير أن هذا المخطط يتجاهل العنصر الثالث، والأهم، في معادلة التغيّرات الجارية في السودان، وهو العامل الشعبيّ، فرغم أن الناس ثاروا من أجل الخبز، ولكنّ قمع نظام البشير (الذي كان قادة المجلس العسكري الجديد من أركانه الكبار) للانتفاضة ضده صعّد من وتيرة المطالبات، وكما أطاحت المظاهرات والاعتصامات بالبشير وبعض رموزه، فإنها أطاحت أيضاً بعوض بن عوف وكمال عبد المعروف، وتصدّت لمحاولة قوات الدعم السريع (التي يشغل قائدها منصب نائب رئيس المجلس حاليّا) فض الاعتصام بالقوة صبيحة اليوم نفسه الذي وعد المجلس فيه بعدم فض الاعتصام!
من معرفتنا بسياسة «دول الحصار» فإنها تقوم الآن بإقناع قادة المجلس العسكري بالبطش الدمويّ بالمتظاهرين، على طريقة السيسي في «رابعة» و»النهضة»، وهي مغامرة كبرى قد تبدأ في السودان لكنّها لن تنتهي فيه.