دول » قطر

وساطات قطر.. دبلوماسية ثقيلة توجت بنزع فتيل أزمات كبرى

في 2019/06/11

محمد أبو رزق - الخليج أونلاين

بخُطا ثابتة، وبثقل سياسي، وبدبلوماسية متزنة، أوجدت قطر للغة الحوار والتفاوض مكاناً بين الدول، من خلال سعيها لعقد لقاءات تُنهي القتال والتصعيد والخصومات.

وآخر ما طرحته قطر في هذا الشأن، استعدادها للتوسط بين أمريكا وإيران، وسط تصعيد وتخوُّف من قرع طبول الحرب في المنطقة.

وجاءت الوساطة القطرية الجديدة، بعدما  كشف وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن بلاده تعمل على ردم الهوة بين إيران والولايات المتحدة وتجاوز الخلافات، من خلال محاولتها عقد لقاء مباشر بين البلدين لإنهاء التصعيد.

ويعد التوسط القطري بين الدول الكبرى لوقف الحرب بينها عملاً مألوفاً بالنسبة للدوحة، فتاريخها السياسي الحديث يشهد على حضورها في كثير من القضايا الإقليمية والدولية الشائكة، خلال السنوات الماضية، وحلها لكثير منها، من خلال التوسط وعقد المفاوضات واللقاءات.

وبذلت قطر جهوداً دبلوماسية وسياسية حثيثة على المستويات الإقليمية والدولية، في الوساطة بين الفصائل والكيانات والدول، وبطلب من الأطراف المعنية، ودون التدخل في الشأن الداخلي للدول، لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول مستدامة للنزاعات والخلافات.

واشنطن وطالبان

وأسهمت الوساطة القطرية في تحقيق السلم والأمن الدوليَّين بين الدول، وكان أبرزها استضافة عدد من جولات المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في مايو 2019، من أجل مناقشة انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان.

ونجحت قطر في جلب قادة حركة طالبان إلى طاولة المفاوضات بعد سنوات طويلة من الحرب وإراقة الدماء، بهدف إيجاد حل سياسي للصراع الأفغاني، وإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

وسبق هذه المفاوضات إبرام صفقة لتبادل الأسرى، بين "طالبان" والولايات المتحدة بوساطة قطرية، في يونيو 2014، أسفرت عن إطلاق سراح الرقيب في الجيش الأمريكي باو برغدال وتسليمه إلى القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان، مقابل فك أسر خمسة من كبار قادة حركة طالبان، بعد الإفراج عنهم من معتقل غوانتنامو.

ورحب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حينها، بإطلاق سراح برغدال، مؤكداً في خطاب له أن الحكومة القطرية قدمت ضمانات أمنية لواشنطن بشأن المفرج عنهم.

أيدٍ بيضاء لدارفور

وبعيداً عن "طالبان"، نجحت الدبلوماسية القطرية في وقف العنف والقتال بدارفور جنوب السودان، إذ احتفلت الدوحة في مايو 2011، باتفاقية سلام دارفور التي أرست دعائم الأمن والاستقرار هناك.

وكانت المبادرة القطرية أكثر الأساليب فاعلية واصطباراً على التفاوض الصعب، فقد استضافت الدوحة المتحاورين أكثر من عامين إلى أن تكللت جهودها بالاتفاقية المسماة "وثيقة الدوحة للسلام"، وكانت نتاج حوار شارك فيه مئات من أهل المصلحة.

وفي حينها أشاد والي ولاية شرق دارفور، بقطر وقال إنها أدت دوراً حيوياً مهماً في استدامة الاستقرار الشامل ببلاده، من خلال جهود محلية وإقليمية ودولية متواصلة، أثمرت دعماً غير مسبوق لملفات السودان في هذه المحافل، وهو ما مكَّنه من تخطي العقبات والصعاب التي كانت تحول دون إحداث الاستقرار وتحقيق الانفراج الكامل في علاقاته الدولية.

وساطات وسط النار

وفي مارس 2014، أسفرت جهود الوساطة القطرية عن الإفراج عن 13 راهبة كانت محتجزة في شمالي سوريا، مقابل إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية في حينها: إنه "بتوجيهات من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قامت الأجهزة المعنية في الدولة بجهود حثيثة منذ شهر ديسمبر 2013، للتوسط من أجل إطلاق سراح راهبات معلولا؛ إيماناً منه بمبادئ الإنسانية وحرصه على حياة الأفراد وحقهم في الحرية والكرامة".

وأعلن وزير الخارجية القطري في حينها، خالد العطية، نجاح الوساطة القطرية في إطلاق سراح الراهبات، لافتاً إلى أن جهود قطر لإطلاقهن أسفرت عن إطلاق سراح أكثر من 153 معتقلة سورية من سجون النظام السوري.

وفي لبنان، كانت قطر حاضرة بقوة، من خلال تحقيق صفقة تبادل بين الجيش اللبناني و"جبهة النصرة" في سوريا، إذ عملت الدوحة على تنفيذ صفقة أسرى أسفرت عن الإفراج عن 16 جندياً لبنانياً في ديسمبر 2015، مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن 25 سجيناً، طالبت "النصرة" بإطلاق سراحهم، بينهم 17 امرأة.

وعند إتمام الصفقة وجَّه رئيس الحكومة اللبنانية في حينها، تمام سلام، لدى استقباله الجنود المفرج عنهم، الشكر إلى دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على الجهود التي بذلتها من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق.

وفي صحراء ليبيا، تمكنت قطر من أداء دور وساطة ناجحة بين قبائل التبو والطوارق، ففي 23 نوفمبر 2015، تم في الدوحة توقيع اتفاق سلام بين القبيلتين، بعد مفاوضات استمرت أربعة أيام برعاية قطرية.

ونص الاتفاق على وقف نهائي لإطلاق النار بين الطرفين، وعودة النازحين والمهجَّرين من أهالي مدينة "أوباري" إلى ديارهم، وفتح الطريق العام إلى "أوباري"، وإنهاء المظاهر المسلحة كافة في المدينة.

وأكد الطرفان، في بيان مشترك، ترحيبهما بالجهود المتواصلة لدولة قطر في ظل قيادة أميرها، لتحقيق المصالحة بين الطوارق والتبو، والتي حظيت بموافقة القبائل كافة ومساندة دول الجوار.

ولم تكن تلك الوساطة هي الوحيدة لقطر في ليبيا، إذ أسهمت جهود الدوحة في إنهاء أزمة الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات في ليبيا، بعد صفقة أُفرج بموجبها عن هؤلاء، بعد ثماني سنوات قضوها بالسجن، في 2007.

وأكد الرئيس الفرنسي في وقتها، نيكولا ساركوزي، أهمية الوساطة والمساعدات التي قدمتها الحكومة القطرية في هذه القضية.

كذلك استضافت قطر جولات للتوسط بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي في 2007 و2008، للتخفيف من حدَّة التصعيد، ووقف أي حرب مستقبلية. 

وفي أفريقيا كان الثقل السياسي القطري حاضراً، من خلال التوسط لإطلاق أسرى جيبوتيين، ضمن وساطة بين الطرفين، ليعود الأسرى إلى بلدهم برفقة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على متن طائرة خاصة، في مارس 2016.

ورحب مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، في حينها، بوساطة دولة قطر والتي تُوجِّت بالإفراج عن عدد من الأسرى الجيبوتيين لدى إرتريا.

وأشاد في حينها الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، بالوساطة القطرية، مشيداً بدور أمير قطر في إطلاق سراح الأسرى، ومشيراً إلى أن علاقات بلاده مع قطر تشهد تطوراً في المجالات كافة.

وفي الشأن الفلسطيني، لم يغِب الدور القطري عن الوساطة لإنهاء الانقسام السياسي الداخلي بين حركتي "فتح" و"حماس"، إذ استقبلت الدوحة وفوداً من الطرفين خلال 2012، نتج عنها توقيع الحركتين في 6 فبراير 2012، اتفاقاً يهدف إلى تسريع وتيرة المصالحة الوطنية بينهما.

وخلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، كان للدوحة دور بارز في التوصل إلى تهدئة بين الفصائل الفلسطينية و"إسرائيل".