متابعات-
بصرامة واتزان، وبعد استيفاء جميع الشروط المعمول بها، فرضت هيئة تنظيم مركز قطر للمال غرامة مالية بقيمة 200 مليون ريال (55 مليون دولار) على "بنك أبوظبي الأول"؛ لعرقلته مجرى تحقيق تجريه الهيئة حول دوره بمحاولة التلاعب بالريال القطري.
ويعد الإجراء التأديبي القطري تجاه الإمارات خطوة رادعة تجاه بنك أبوظبي؛ لتلاعبه بالعملة القطرية، والأدوات المالية المتصلة بها، وذلك إبان إشعال السعودية والإمارات والبحرين ومصر للأزمة الخليجية وحصارهم لقطر، في يونيو 2017.
ويعكس القرار القطري الدروب القانونية التي تسلكها الدوحة في الحصول على حقها من دول الحصار، وأبرزها الإمارات، في المحافل الدولية المختلفة، والتي كان آخرها في الدعوى المزعومة التي رفعتها ضدها أبوظبي أمام منظمة التجارية الدولية.
وحققت قطر، في وقت سابق من هذا الشهر، انتصاراً مهماً؛ حيث سحبت الإمارات الدعوى التي تقدّمت بها أمام منظمة التجارة العالمية، والمتعلقة بمزاعم إماراتية بشأن تقييد الواردات إلى قطر من دولة الإمارات.
ولم تتجه الدوحة إلى أسلوب التحريض واختلاق الروايات، الذي تتبعه الإمارات ودول الحصار، بل سلكت طريقاً يؤمن لها حقوقها ويردع خصمها، دون النزول إلى المستوى المعمول به لدى الطرف الآخر.
وفي أبريل الماضي، أقامت دولة قطر دعاوى قضائية ضد ثلاثة بنوك، متهمة إياها بالتلاعب في العملة المحلية بالأسواق الخارجية بهدف الإضرار باقتصادها في أعقاب الحصار الذي بدأ في 5 يونيو 2017.
وقال بيان صدر عن مكتب الاتصال الحكومي، آنذاك، إن القضايا المقامة في لندن ونيويورك تستهدف بنك "هافيلاند" الذي مقره لوكسمبورغ، وبنك أبوظبي الأول، ومجموعة "سامبا" المالية السعودية.
كذلك سبق أن طلبت قطر رسمياً، العام الماضي، من جهات رقابية في الولايات المتحدة التحقيق في ما وصفتها بأنها معاملات مشبوهة في سوق الصرف الأجنبي أجرتها الوحدة الأمريكية لبنك أبوظبي الوطني؛ بهدف الإضرار باقتصادها في إطار الحصار الذي تفرضه دول خليجية على الدوحة.
كما كتب مكتب المحاماة الممثل لمصرف قطر المركزي "بول وويس وريفكند ووارتون وجاريسون"، خطاباً إلى وزارة الخزانة الأمريكية يطلب فيه التحقيق مع الوحدة الأمريكية لبنك أبوظبي الأول، الذي تملك الحكومة حصة أغلبية فيه.
وجاء في الخطاب المرسل: "نعتقد أن بنك أبوظبي الوطني شارك في مخطط استثنائي وغير شرعي لشن حرب مالية على قطر، وذلك من خلال التلاعب في العملة القطرية وأسواق الأوراق المالية في قطر".
إجراءات شفافة
الإعلامي القطري البارز جابر الحرمي، أكد أن الغرامة المالية التي فرضتها هيئة تنظيم مركز قطر للمال على بنك أبوظبي الأول جاءت بعد استنفاد كل الطرق مع البنك، والتحقيقات التي كانت تجريها حول التلاعب بالريال القطري عند بداية الحصار الذي فرض على قطر.
ويقول الحرمي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "بنك أبوظبي الأول رفض التجاوب والانصياع للإجراءات القضائية التي اتخذتها هيئة تنظيم مركز قطر للمال، لذا جاءت الغرامة نتيجة المخالفة التي أقدم عليها البنك".
وأوضح في هذا الصدد أن كافة الإجراءات القانونية المتخذة من قبل قطر واضحة وشفافة ولم تكن بعيدة عن كل الإجراءات القانونية التي تتخذ بهذه الحالات، كالدعاوى في منظمة التجارة الدولية ضد الانتهاكات التي تتعرض لها من قبل الإمارات.
ويضيف: "بنك أبوظبي الأول ظهر عند إصدار العقوبة مرتبكاً، وحاول مراراً الخروج من مركز قطر للمال، ولكنه لم يقدم طلباً رسمياً بذلك، وسوف تفرض عليه الغرامة وفق القوانين والنظم المتبعة في هيئة مركز مال قطر".
ويشير الإعلامي القطري إلى أنه في بداية الحصار على قطر حاولت الدول المحاصرة ضرب الاقتصادي القطري من خلال التلاعب بالعملة، والاستعانة بمؤسسات خارجية لضرب الريال القطري، ولكن كل تلك المحاولات فشلت.
ويلفت إلى أن قطرت اتخذت، منذ اليوم الأول للحصار، إجراءات قانونية، سواء بهذه القضية أو غيرها، ضد الإجراءات التي اتخذتها الإمارات.
خطوات قطر القانونية
وفي يوليو 2018، قضت محكمة العدل بارتكاب الإمارات خروقاً بحق القطريين وممتلكاتهم على أراضيها، منذ 5 يونيو 2017، وطالبتها باتخاذ جملة من الإجراءات، أهمها لمّ شمل الأسر التي تفرقت بسبب الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون القطريون في الإمارات.
وقالت المحكمة إن القطريين في الإمارات أُجبروا على ترك منازلهم دون إمكانية العودة إليها، وإن على أبوظبي السماح للطلبة القطريين باستكمال دراستهم.
وألزمت الإمارات بالسماح للمتضررين من إجراءاتها باللجوء إلى المحاكم الإماراتية، وأشارت المحكمة في حيثيات الحكم إلى أن قطر عرضت التفاوض بشأن تطبيق اتفاقية مناهضة التمييز، لكن الإمارات لم تستجب لذلك.
وبالعودة إلى إجراءات هيئة تنظيم مركز قطر للمال؛ فقد جاءت بسبب عرقلة بنك أبوظبي عملها في ممارستها مهامها، وعدم حفاظه على معايير عالية من النزاهة في ممارسة أعماله.
ولم يكن بنك أبوظبي المؤسسة الإماراتية الوحيدة التي تجاوزت القانون القطري، إذ سبق أن هددت الإمارات المستثمرين القطريين في بلادهم، وجمدت أموالهم في البنوك، وأوقفت عقوداً تجارية ضخمة.
ولم تنكر أبوظبي بشكل علني نيتها محاولة ضرب الاقتصاد القطري، وهو ما ظهر من خلال تصريح عمر غباش، سفير الإمارات في روسيا، خلال مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، مؤخراً، بأن دولاً خليجية تدرس فرض عقوبات اقتصادية جديدة على قطر، وقد يطلب من الشركاء التجاريين الاختيار بين العمل معها أو مع الدوحة.
وقال غباش: إن "هناك بعض العقوبات الاقتصادية التي يمكننا فرضها تجري دراستها في الوقت الحالي".
وأضاف: "يتمثل أحد الاحتمالات في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم بأنهم إذا أرادوا العمل معنا فعليهم أن يحددوا خياراً تجارياً". وقال إن إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي "ليس العقوبة الوحيدة المتاحة".
وبالرغم من الإجراءات الاقتصادية الإماراتية ضد قطر، إضافة إلى إجراءات بقية دول الحصار، استطاعت الأسواق المالية القطرية في الفترة السابقة تحقيق تفوق على سائر الأسواق الخليجية الأخرى، لتتجاوز بذلك تداعيات الحصار المستمر منذ يونيو 2017، وفق وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية.
ووفق مسح للوكالة، كان سوق المال القطري هو الأكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية، التي بلغت قيمتها 2.4 مليار دولار. وفي حين حلت السعودية ثانياً (794 مليون دولار)، كان سوق دبي الإماراتي هو الأسوأ أداءً، حيث خسر نحو 245 مليون دولار.