دول » قطر

أزمة الخليج.. هل تحقق كرة القدم ما فشلت فيه الدبلوماسية؟

في 2019/11/29

إنسايد أرابيا (علي باكير)-

تراجعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عن قرارهم السابق بمقاطعة النسخة رقم 24 من بطولة "الخليج العربي لكرة القدم"، المقرر عقدها في الفترة من 26 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 8 ديسمبر/كانون الأول في قطر. وهو ما تضمن ذهاب منتخباتهم الوطنية إلى الدوحة لأول مرة منذ بدأت "دول الحصار" منع مواطنيها من زيارة قطر، أو حتى التعاطف معها، مما يشير إلى حل محتمل للأزمة الخليجية المستمرة منذ عامين ونصف.

وعلى الرغم من أن هذه الإيماءة تبدو مفاجأة، إلا أن تطورين مهمين حدثا خلف الأبواب المغلقة مؤخرا مهدا الطريق نحو مثل هذه الخطوة. وفي اجتماعٍ رسمي الشهر الماضي بحضور كبار المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي، بدا أن ممثل السعودية يسترضي نظيره القطري من خلال سؤاله عدة مرات عن رأيه الشخصي في الأمور التي تمت مناقشتها. وبعد الاجتماع، وبينما كان ممثلو دول الخليج يغادرون القاعة، طلب المسؤول السعودي من نظيره القطري توصيل تحياته لأمير قطر.

وتعليقا على الحادث، أخبرني مصدر خليجي على دراية بالأمر أن "المسؤول السعودي كان يحاول توصيل رسالة. فلم تكن هذه البادرة لتخرج منه تلقائيا، ولابد أنه كانت لديه توجيهات ملكية".

ولم تكن تلك هي اللفتة السعودية الوحيدة. ففي 3 أكتوبر/تشرين الأول، بناءً على طلب القوات المسلحة الملكية السعودية، عقدت اللجنة العسكرية العليا لرؤساء أركان القوات المسلحة في دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعها الاستثنائي الرابع. وعلى الرغم من أن هذه ليست المرة الأولى التي تحضر فيها قطر الاجتماع، إلا أن نغمة خطاب الدعوة السعودي الموجه إلى قطر كانت دافئة للغاية وغير مسبوقة.

الدوافع وراء التحرك السعودي

وابتداءً من مايو/أيار، وقعت سلسلة من الأحداث الخطيرة التي اتسمت بالتصعيد العسكري غير العادي في الخليج، حيث تم اتهام إيران باستهداف ناقلات النفط في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة وفي خليج عمان. ومع ذلك، يُعتقد أن حدثين معينين لعبا دورا رئيسيا في إجبار المملكة على إعادة تقييم موقفها.

الأول، كان إسقاط طائرة بدون طيار أمريكية بقيمة 130 مليون دولار فوق الخليج، من قبل الحرس الثوري الإيراني، في يونيو/حزيران الماضي. والثاني هو استهداف منشآت النفط الأساسية في عملاق النفط السعودي "أرامكو" بالصواريخ والطائرات بدون طيار، في سبتمبر/أيلول.

وفي وقت هذه الاستفزازات الخطيرة، كانت هناك توقعات كبيرة بأن ترد الإدارة الأمريكية بهجوم على إيران لاستعادة هيبتها المفقودة في الخليج. ومع ذلك، اختار "ترامب" عدم القيام بذلك، وأتبع قراره بإقالة مستشاره المتشدد "جون بولتون"، وطلب عقد اجتماع مع الرئيس الإيراني "حسن روحاني".

وتشير هذه الخطوة إلى أنه ما لم يتم قتل جندي أمريكي، فإن "ترامب" لم يكن مستعدا لردع إيران أو للرد عليها عسكريا. ودفع عدم وجود رد أمريكي ذا مغزى السعودية للبحث عن بدائل لتحييد التهديدات القادمة من إيران، واستيعاب الحقائق الجديدة على أرض الواقع، في انتظار الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

علاوة على ذلك، بينما كانت إيران تصعد جهودها الموجهة ضد الرياض في الخليج واليمن، كانت الحدود الشمالية للمملكة معرضة تماما للخطر، بسبب حقيقة أن معظم القوة العسكرية للمملكة تتركز في الجنوب لمحاربة المتمردين الحوثيين اليمنيين. وكان المسؤولون العسكريون السعوديون يخشون أن تستخدم إيران مثل هذه الثغرة لشن هجمات ضد منشآت استراتيجية في الشمال، أو حث الميليشيات العراقية الموالية لإيران على مهاجمة المملكة من الشمال، خاصةً بعد الهجمات ضد أرامكو. ومع تزايد هذه التهديدات الأمنية، أصبحت المملكة في حاجة الآن إلى القوة الجماعية لمجلس التعاون الخليجي أكثر من أي وقت مضى.

الإمارات تقاوم المصالحة

وفي يوليو/تموز الماضي، بعد مبادرة أحادية الجانب من أبوظبي تجاه طهران، بدأ النزاع حول الأولويات الإقليمية وجداول الأعمال والأهداف النهائية بين السعودية والإمارات في الظهور للعلن، خاصةً في القضايا المتعلقة بإيران واليمن وقطر. وفي الآونة الأخيرة، أرسلت أبوظبي وفودا سياسية وأمنية إلى إيران علنا وسرا، وأعلنت أنها ستنسق مع إيران في أمن الخليج، وسحبت بعض قواتها من اليمن، وأخيرا وليس آخرا، أفرجت عن 700 مليون دولار من أموال إيران المجمدة، مع تعهد بزيادة التجارة الثنائية مع طهران إلى ما بين 20 و25 مليار دولار. وعلى الرغم من أن أبوظبي تعيد ضبط علاقاتها مع إيران، استمرت الإمارة في مهاجمة جارتها الخليجية قطر، ولم تتخذ أي مبادرة إيجابية تجاهها.

وعندما حاصرت الكتلة التي تقودها السعودية قطر، كان العامل الإيراني، أو ما يسمى بالعلاقات القوية بين الدوحة وطهران، أحد الذرائع التي تم الإعلان عنها لتبرير الحصار. وفي الواقع، كان ذلك هو العنصر الأول في قائمة المطالب  الـ 13 لحل الأزمة. ومع ذلك، يعني التحول الكبير في سياسة الإمارات تجاه إيران في الآونة الأخيرة أن السعودية ليست بحاجة إلى إطالة أمد الأزمة مع قطر.

وفي حين كان من الملحوظ أن كبار المسؤولين السعوديين تراجعوا عن التصريحات الحادة التي صدرت ضد قطر في الأشهر القليلة الماضية، إلا أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، "أنور قرقاش"، استمر في مهاجمة الدوحة والتحريض على المشاعر المناهضة لقطر. ويتفق هذا مع المؤشرات التي تشير إلى أن الإمارات كانت تقاوم الجهود الرامية إلى حل أزمة الخليج. ويعد أحد الأسباب الجيدة لتفسير الموقف الإماراتي هو خوف أبوظبي من أن يؤدي حل الأزمة وتحسين العلاقات السعودية القطرية إلى نتائج عكسية بالنسبة لها.

ماذا بعد؟

وتوفر دبلوماسية كرة القدم للكتلة التي تقودها السعودية التمهيد اللازم لإذابة جليد العلاقات مع قطر. ومع ذلك، فهذه مجرد بداية. ولا تزال هناك حاجة لمزيد من الخطوات إذا كانت تلك الكتلة تعتزم حقا السير في هذا الطريق.

وفي الأسبوع الماضي، التقى وزير الخارجية القطري بنظيره الأمريكي، "مايك بومبيو"، وصرح بأن الدوحة مستعدة للحوار غير المشروط القائم على الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأطراف.

ومن وجهة نظر قطر، فإن أي قرارات تبتعد عن رفع الحصار المفروض، وإلغاء التدابير العدائية التي تم اتخاذها ضد الإمارة الخليجية الصغيرة في بداية الأزمة، لن تُظهر أي إرادة جادة لحل المشكلة. ومع ذلك، إذا كانت الأمور تتسارع في الاتجاه الصحيح، فمن المحتمل أن يرغب القطريون في أن يتم منح الكويت وأميرها الشيخ "صباح الصباح" الفضل الحقيقي في تخفيف الأزمة وحلها. وقد يتطلب مثل هذا التطور من دول مجلس التعاون الخليجي نقل قمة المجلس المفترض عقدها في الإمارات هذا العام إلى الكويت. ومع ذلك، قد يقترح البعض الآخر الولايات المتحدة الأمريكية كمكان للإعلان عن حل أزمة الخليج.

وإذا ساد سيناريو المصالحة في الفترة المقبلة، فسيظهر تحديان رئيسيان.

أولا، هناك حاجة إلى سياسة موحدة ضد إيران. وهذا مهم لأن دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن لديها قط سياسات موحدة تجاه إيران. ومع ذلك، تحاول الإدارة الأمريكية تحقيق هذا الهدف مع الضغط على كلا المعسكرين لحل الأزمة. ولقد شدد "بومبيو" مرارا وتكرارا على حقيقة أنه كلما عملت دول الخليج معا، فإنها تكون أكثر قوة، وأن النزاعات بين الدول ذات الأهداف المشتركة لن تكون مفيدة أبدا، في الوقت الذي تواجه فيه تحديا مشتركا مثل إيران.

ومن المفارقات أن أحدث تصعيد إيراني خطير في الخليج يثبت أن هناك إمكانية لتوحيد دول الخليج. ولقد هددت طهران بإغلاق مضيق هرمز عدة مرات، فضلا عن التهديد باستهداف القواعد الأمريكية في الخليج. ويعني هذا أنه حتى دول الخليج التي تتمتع بعلاقات جيدة نسبيا مع إيران لن تنجو من آثار هذا السيناريو. وسيكون جهد الولايات المتحدة في الاستفادة من القدرات الجماعية لدول المجلس الخليجي في مواجهة إيران عاملا حاسما في الفترة المقبلة.

أما التحدي الثاني فهو انعدام الثقة بين قطر من ناحية، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من ناحية أخرى. وبغض النظر عن مدى صدق جهود المصالحة، سيكون من الصعب على قطر أن تثق في دول الحصار في المستقبل. وبينما قد يكون القطريون على استعداد للتفاعل بشكل إيجابي مع السعوديين، فقد لا يكون هذا هو الحال فيما يتعلق بالإمارات.

ويعتقد الكثير من القطريين أن أبوظبي، وليس السعودية، هي العقل المدبر وراء أزمة الخليج، وأنها تستخدم الرياض كدرع حتى لا تتحمل المسؤولية عما يحدث بعد ذلك. ولكن بالنسبة لقطر، في ضوء الحقائق الجغرافية على أرض الواقع، تعد السعودية أكثر أهمية من الإمارات.