الخليج أونلاين-
منذ عام 2017، حيث انطلق حصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد قطر، براً وبحراً وجواً، بتهمة دعم الإرهاب، وهو ما نفته الدوحة مؤكدة أنها محاولة للسيطرة على قرارها السيادي، زادت أسهم الدولة القطرية دولياً في جهودها لمحاربة الإرهاب، على عكس ما روج له محاصروها.
وسعت دول الحصار من خلال شماعة "دعم الإرهاب" التي اتهمت قطر بها، إلى أن تجد حجة للوصول إلى التفكير الغربي الذي يعتبر الأمر على درجة عالية من الحساسية، بغية الحصول على مساندة دولية في خطوة محاصرة قطر وشعبها، إلا أن الأيام أثبتت زيف ما ادعته سلطات تلك الدول، وأن جهود الدوحة لها من يحترمها دولياً بل ويسعى للتعاون معها أيضاً.
وأضيف خلال الأعوام الماضية إلى سجل قطر الحافل في ملاحقة الإرهاب ومحاربته، اتفاقيات وشراكات مع دول بارزة مثل الولايات المتحدة، ومنظمات دولية فاعلة كالأمم المتحدة.
وفي منطقة تعج بالصراعات والاتهامات والحروب، برزت قطر، كدولة راعية لجهود السلام، وكانت الدوحة بشكل دائم مقراً لاستقبال الوفود المتخاصمة بهدف التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف.
تعاون أممي ومكتب معتمد
وفي ظل الجهود المبذولة من قبل الحكومة القطرية للتصدي لجميع أنواع الإرهاب، وقعت مذكرة تفاهم جديدة مع الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء (18 فبراير 2020)، ترمي إلى توفير إطار تعاون وتعزيز لدور البرلمانات في التصدي للإرهاب.
وتقضي المذكرة، التي وقَّعها رئيس مجلس الشورى القطري أحمد بن عبد الله بن زيد آل محمود، وفلاديمير فورنكوف وكيل الأمين العام رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك؛ تقضي بدخول مجلس الشورى القطري والأمم المتحدة في ترتيبات مباشرة لإنشاء "مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب" يكون مقره العاصمة الدوحة.
وقال آل محمود إن دور بلاده في مواجهة الإرهاب وإنشاء المكتب في الدوحة يأتي "تأكيداً لثقة المجتمع الدولي في الجهود التي تبذلها قطر لمكافحة الإرهاب ومعالجة جذوره وأسبابه"، بحسب وكالة الأنباء القطرية "قنا".
وأضاف آل محمود: "تم الاتفاق بين الجانبين على البدء مباشرة عقب التوقيع على المذكرة بالدخول في الترتيبات اللازمة لإنشاء المكتب في الدوحة في أقرب وقت".
ونوه رئيس المجلس القطري بـ"دور البرلمانات الجوهري في منع الإرهاب ومكافحته؛ لقيامها بوظائف أساسية في سن التشريعات، ووضع السياسات، وتخصيص الموازنات، ومراقبة أعمال الحكومات، وضمان تنفيذ التعهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب".
ويأتي في مقدمة مهمات المكتب "تقديم المساعدات الفنية والتدريب لبرلمانات العالم لبناء القدرات للبرلمانيين من أجل فهم أفضل للمسائل المتعلقة بالإرهاب ومجابهتها"، بحسب الوكالة.
وفي أبريل 2019، أكد فورونكوف أن قطر من أكبر الممولين لمكتب مكافحة الإرهاب، التابع للأمم المتحدة.
وبعد شهرين من العام ذاته وقَّع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب (أنوكت)، والمركز الدولي للأمن الرياضي ومقره العاصمة القطرية الدوحة، اتفاقية؛ بهدف تعزيز التعاون حول منع الإرهاب ومكافحته، خاصة فيما يتعلق بحماية الأهداف الأكثر تعرضاً للإرهاب في سياق تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى.
مبادرات عملية حقيقية
وقال الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر ونائب رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، إن هذا المكتب هو المبادرة الثانية في تأسيس مراكز بالدوحة لهذا الغرض، كما أن هناك عدداً كبيراً من المبادرات القطرية في هذا الإطار، "التي تخرج عن كونها مبادرات شكلية إلى كونها مبادرات عملية حقيقية تستهدف جذور الإرهاب لا قشوره كما يحدث في التعامل الأمني السطحي مع هذه الظاهرة".
وأشار، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن من المرتقب أن تساهم الدوحة في مركز "المؤشر الدولي لدراسة التطرف العنيف" في عام 2021، ويقام في 10 دول لدراسة أسباب الجنوح للتطرف العنيف للوصول إلى توصيات حول كيف يمكن الحد من انتشاره.
ولفت إلى وجود مبعوث خاص لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مجال مكافحة الإرهاب.
وتابع الأنصاري حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً: "قطر بشكل عام دأبت منذ البداية على الحديث بصراحة وبشكل واضح عن تعاملها مع قضية الإرهاب من خلال الحديث عن أن الإرهاب له جذور يجب التعامل معها، وأن جذوره تكمن في الفقر والظلم وقلة التعليم؛ ولذلك رأينا مبادرات قطرية مثل "التعليم فوق الجميع"، ودعم التعليم عالمياً، إضافة للجهود التنموية والوساطة التي تهدف إلى تخفيف أثر النزاعات السياسية".
وأكد أن "كل ذلك يؤكد أن قطر حينما تتحدث عن مكافحة الإرهاب فهي لا تتحدث عن إجراءات علاقات عامة لتبييض الصورة كما تفعل دول أخرى بالمنطقة، بل هي تعمل في إطار دورها التنموي والسياسي المنشود عالمياً الذي يبني على أهمية أن تكون دول المنطقة فاعلة لا متأثرة فقط؛ من خلال مبادرات تعالج المشكلة من جذورها وليس إرضاء المجتمع الدولي فحسب".
وقطر عضوة مؤسسة في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي يُعتبر منصة عالمية متعددة الأطراف لتعزيز التعاون المشترك وتنفيذ ودعم استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، كما أنها منضوية في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينافاتف)، وتولت رئاسة المجموعة في 2016.
وفي الوقت ذاته كان لقطر إسهام بثلاثة ملايين دولار أمريكي لدعم الصندوق الاستئماني متعدد المانحين التابع لصندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى بناء القدرات وتوفير المساعدة الفنية للدول الأخرى في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وللدولة دعم متواصل للصندوق العالمي للانخراط المجتمعي والمرونة، وهو أول مجهود عالمي لإشراك المجتمعات المحلية ومساعدتها على الصمود في وجه التطرف والعنف.
شراكة مع الولايات المتحدة
وقبل أن يصبح لقطر مكتب أممي معتمد لمكافحة الإرهاب، كان هناك تعاون وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر لقاءات وجلسات واسعة، لعل من أهمها "الحوار الأمريكي – القطري" الذي عُقد عدة مرات بين البلدين، بحضور وزراء من الإدارة الأمريكية، بينهم وزير الخارجية مايك بومبيو.
وفي 13 نوفمبر 2019، عقدت الدوحة وواشنطن اللقاء الثالث بشأن مكافحة الإرهاب، الذي وصفته الأخيرة بـ"المثمر والبنّاء"، مشيرة إلى أن الطرفين جددا التزامهما في إطار الشراكة الاستراتيجية في محاربة الإرهاب والتعاون المستمر للحد من تمويله.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، ببيان لها في 14 نوفمبر 2019، إن الجانبين بحثا التهديدات الإقليمية والشراكات الدولية ومكافحة غسل الأموال، وقوانين التصدي لشبكات تمويل الإرهاب، والتزام العقوبات، بالإضافة إلى تبادل المعلومات وأمن الملاحة الجوية وتأمين بطولة كأس العالم 2022 في قطر.
وأطلق اللقاء الأول بين الجانبين في 11 يوليو 2017، بعد قرابة شهر من الحصار الذي زعمت الدول الجارة أن سببه دعم الدوحة للإرهاب، فيما عُقد اللقاء الثاني في يناير 2019.
وسبق للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن قال في أكثر من مناسبة، إن قطر شريك رئيس في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أن الدوحة تستضيف المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى.
وبعد أقل من شهر ونصف الشهر على اندلاع الأزمة الخليجية وحصار قطر عام 2017، وقَّعت الدولة الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية "مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب"، تشمل التعاون بين الجانبين في المجالات الأساسية لمكافحة الإرهاب كالأمن والاستخبارات والمالية.
و"مذكرة التفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب" هي الأولى من نوعها بين دولة في مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وتدعم الاتفاقيةُ الثنائية "التعاونَ المستمر بين الدوحة وواشنطن وتبادل الخبرات والمعلومات".
لقطر رؤيتها وقوانينها
كما أن لقطر توجهها الذي تزن به الأمور، فقد قال أميرها، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر 2019: إن "مركّب الإرهاب والتطرف العنيف أصبح خطراً داهماً يهدد العالم بأَسره"، مضيفاً: إن العالم "يواجه تحديات جسيمة ومتنوعة عابرة للحدود بين الشعوب والدول، تفرض علينا العمل متعدد الأطراف، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمخاطر التي تهدد السِّلم والأمن الدوليَّين، وقضايا البيئة، والتنمية المستدامة، واللجوء والهجرة".
وأردف الشيخ تميم أن "القضاء على الإرهاب يتطلب اعتماد نهج شمولي، يتضمن معالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية جنباً إلى جنب مع العمل الأمني والعسكري"، مجدداً إدانة قطر جميع أنواع الإرهاب ومساندتها لمكافحته.
وأكد أمير قطر أن بلاده ستواصل مشاركتها الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة التطرف العنيف، مشيراً إلى عقد اتفاقية شراكة بين دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتقديم 75 مليون دولار من أجل تعزيز قدرة المكتب.
وكذلك فتح المركز الدولي لتطبيق الرؤى السلوكية للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته، واتفاقية الشراكة بين مؤسسة "صلتك" بدولة قطر وفرقة العمل المعنيَّة بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب.
وقبل أن يكون الحديث قولاً على لسان الأمير، أقر الشيخ تميم، في 11 سبتمبر 2019، قانوناً يتناول الإجراءات الواجب اتخاذها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأعلن مصرف قطر المركزي أن القانون الجديد يعكس "التزام دولة قطر الراسخ والمستمر بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بكافة أشكاله، وفقاً لأحدث المعايير الدولية المعتمدة من قبل المنظمات الدولية الرئيسية، بما فيها مجموعة العمل المالي (فاتف)".
وبحسب وكالة "قنا" يبرز القانون دور قطر الريادي والمؤثر في المنطقة من حيث وضع المعايير القياسية في إطارها القانوني والتنظيمي الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويحدد القانون المتطلبات القانونية الملزمة لقطاع الأعمال والقطاعات المالية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومن ذلك المنظمات غير الهادفة للربح وخدمات تحويل الأموال.
كما حدد القانون الجديد عقوبات مشددة على كل من يخالف أحكامه؛ وتشمل فرض جزاءات مالية على المؤسسات المالية، أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة، أو المنظمات غير الهادفة للربح المُخالفة، كما تشمل الحبس لكل شخص تتم إدانته بجريمة تمويل الإرهاب.
وفي 2017 وُضع إطار قانوني خاص بالتصنيفات المحلية لتحديد الأشخاص والكيانات المتورطة في تمويل الإرهاب.
ولدى الدوحة قوانين صارمة في ذلك الخصوص منذ عام 2002؛ حيث صدر في 2014 قانون خاص لتنظيم العمل الخيري الذي تمارسه الجمعيات والمؤسسات الخيرية بالدولة.
إضافة لذلك، أُصدِر قانون خاص لمكافحة الجرائم الإلكترونية في العام ذاته، بهدف منع استغلال منصات التواصل الاجتماعي في الترويج للإرهاب أو تنظيمه أو تمويله.