متابعات-
ربما كانت مفارقة، تزامن مرور 1000 يوم على الحصار الرباعي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، مع استضافة الدوحة، مراسم توقيع اتفاق سلام تاريخي بين حركة "طالبان" الأفغانية، والولايات المتحدة الأمريكية.
وتم توقيع الاتفاق هذا الأسبوع بعد محادثات استمرت أكثر من عام ونصف العام، عقد معظمها في الدوحة التي تستضيف رسميا الجناح السياسي لـ"طالبان"، منذ يونيو/حزيران 2013.
ويمهد الاتفاق الطريق أمام انسحاب الولايات المتحدة تدريجيا من أفغانستان بما يعني إنهاء الصراع الدائر في البلد المسلم منذ 18 عاما.
رابحون وخاسرون
ويرى مراقبون، أن توقيع الاتفاق في قطر يعد بمثابة انتصار دبلوماسي للدوحة، رغم جهود دول خليجية على خلاف معها، لتهميش دورها على الصعيد العالمي.
وتجدر الإشارة، إلى أن العاصمة الإماراتية أبوظبي استضافت في ديسمبر/كانون الأول عام 2018، ولأول مرة، اجتماعا بين ممثلي "طالبان" ومسؤولين أمريكيين، وبحضور كل من السعودية وباكستان.
لكن لاعتبارات كثيرة، أهمها اعتراف الدوحة بحركة "طالبان"، وافتتاح مكتب سياسي لها، ونجاحها في وساطات سابقة على صلة بالملف الأفغاني (تحرير رهائن غربيين)، كان لقطر الأسبقية في رعاية المفاوضات الماراثونية التي استمرت 18 شهرا.
ويثير توقيع الاتفاق في الدوحة، استياء الإمارات، وهو ما عبر عنه الأكاديمي المعروف، والمستشار السابق لولي عهد أبوظبي "عبدالخالق عبد الله"، قائلا عبر "تويتر"، إن اتفاق الولايات المتحدة وطالبان كان يجب أن يتم برعاية دولة خليجية أخرى (في إشارة للإمارات) غير قطر، مضيفا أن الاتفاق يعتبر نصرا للدبلوماسية الخليجية.
وغابت السعودية والبحرين والإمارات عن حضور حفل توقيع اتفاق السلام، رغم دعوتها من قبل قطر.
ورحبت السعودية في بيان لها بتوقيع الاتفاق، وقالت إنه يساعد على استعادة الاستقرار في أفغانستان ويفيد أمن المنطقة، ولكن دون ذكر لدور قطر.
وكانت سلطنة عمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون التي بعثت وزير خارجيتها لحضور الحفل، بينما بعث أمير الكويت برسالة تهنئة لنظيره القطري، على نجاح الرعاية القطرية في إبرام الاتفاق.
وقال وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني" في مقابلة صحفية، الأسبوع الجاري،: "كنا نأمل أن يشاركنا إخواننا وجيراننا في مجلس التعاون الخليجي في احتفال أمس. لقد دعوناهم للاحتفال ولكن للأسف لم يحضروا".
وشاركت نحو 30 دولة في حفل التوقيع، أبرزها الولايات المتحدة وتركيا وباكستان وعمان، إضافة إلى مشاركة 4 منظمات دولية.
شريك استراتيجي
ويمنح الاتفاق، العاصمة القطرية الدوحة، رمزية كبيرة، كونها وجهة دبلوماسية لحل الخلافات الإقليمية، ومنصة وساطة مؤثرة لتسوية الصراعات في المنطقة.
وينهي الاتفاق التاريخي، ورطة كبرى للولايات المتحدة التي فقدت في المستنقع الأفغاني قرابة 2300 جندي أمريكي ضمن 3500 من قوات التحالف الدولي في أفغانستان قتلوا منذ 2001.
ومن شأن الاتفاق، الذي يتفاخر به الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، تعزيز علاقات الدوحة مع واشنطن، وهو ما عبر وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، قائلا بعد حفل التوقيع: "كانت قطر شريكا مهما بشكل كبير للغاية في وصولنا إلى هذه اللحظة الحاسمة. عندما واجهنا عثرات على الطريق ساعدونا في تذليلها".
ولعبت قطر دورا أساسيا في إنقاذ المفاوضات التي كادت تنهار بين الولايات المتحدة و"طالبان"، عندما ألغى "ترامب" اجتماعا في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد هجوم في كابول قُتل فيه جندي أمريكي، وتبنته الحركة.
ووفق كبير الباحثين في كلية سانت راجاراتنام للدراسات الدولية ومعهد الشرق الأوسط في سنغافورة "جيمس دورسي"، فإن "القطريين حاولوا بشكل أساسي أن يجعلوا أنفسهم مهمين للولايات المتحدة بأن يكونوا وسطاء عندما احتاج الأمريكيون إلى وسطاء"، بحسب ما أوردته "رويترز".
قوة ناعمة
خلال ماراثون تفاوضي طويل، عملت الدبلوماسية القطرية على تهيئة المناخ لإنجاح المفاوضات، عبر إجراءات لبناء الثقة وخفض التوتر بين الجانبين، شملت بشكل أساسي إطلاق سراح رهائن وتبادل للسجناء.
يقول المبعوث القطري الخاص لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات "مطلق بن ماجد القحطاني"، في تصريح صحفي، إن "قطر فكرت في أنها إذا نجحت في هذين الأمرين فإن بالإمكان إنقاذ العملية السلمية وإعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات من جديد".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نجحت الدوحة في إقناع "طالبان" بإطلاق سراح أستاذين جامعيين أحدهما أمريكي والآخر أسترالي، كانت الحركة قد احتجزتهما رهينتين لأكثر من 3 أعوام، وذلك في مقابل الإفراج عن 3 من قادتها كانوا محتجزين لدى حكومة كابول.
وسبق توقيع اتفاق السبت الماضي، خفضا للعنف بين الجانبين، وهدنة استمرت أسبوعا، اعتبرها الأمريكيون اختبار نوايا للمضي في توقع الاتفاق.
ويمكن وصف الدبلوماسية القطرية بأنها باتت "قوة ناعمة" تمتلكها الدوحة، وتمنحها مرونة كبيرة في لعب دور الوسيط، هو ما عبرت عنه "لولوة بنت راشد الخاطر" مساعدة وزير خارجية قطر، قائلة في تصريح صحفي: "أعتقد الآن أن اللاعبين الدوليين يعرفون إلى أين يذهبون إذا أرادوا حل نزاعات المنطقة".
وبموجب الاتفاق، من المقرر أن يتم خفض عدد القوات في أفغانستان من حوالى 13 ألفا حاليا الى 8600، مع خطة للانسحاب التدريجي خلال 14 شهرا، مقابل ضمانات من "طالبان" بمكافحة "الإرهاب"، وضمان عدم استضافتها لتنظيم القاعدة أو الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب، والبدء فوراً بمفاوضات سلام مباشرة مع السلطات في كابول.
أدوار مستقبلية
وكما هو واضح، يمنح الاتفاق قطر مكاسب كبيرة، أبرزها انه يقدم الدوحة كحليف موثوق للولايات المتحدة والدول الأوروبية، يستطيع أن يتواصل مع مجموعة من اللاعبين المؤثرين إقليميا مثل حركة "طالبان"، وغيرها من الحركات والتنظيمات السياسية حول العالم.
وخلال السنوات الماضية، شاركت قطر كوسيط في رعاية اتفاق سلام دارفور، غربي السودان، يوليو/تموز 2011، كما احتضنت في فبراير/شباط 2012 اتفاق المصالحة الفلسطينية بين "فتح" و"حماس".
مستقبلا قد تدفع القوة القطرية الناعمة، بالدوحة إلى لعب دور الوسيط في وقف التوترات بين واشنطن وإيران، خاصة أنها تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، وتحتفظ في الوقت ذاته بعلاقات متميزة مع طهران.
ولاشك أن خروج الاتفاق بهذا الزخم الدولي، يكسر العزلة التي حاول رباعي الحصار فرضها على الدوحة، كما يضعف بشدة من دعاوى الحصار الذي يوشك أن يكمل عامه الثالث على التوالي.