لا يغفل مراقب، عن أن الحصار الرباعي المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، منذ 5 يونيو/حزيران 2017، لفت نظر صانع القرار القطري، إلى ضرورة تسريع وتيرة رفع القدرات العسكرية القطرية، وإجراء عملية تحديث شاملة للجيش القطري.
وإزاء المخاطر التي تهدد الأمن القطري، في منطقة ملتهبة، كثيرة الصراعات والأزمات، والتحوط من سيناريو "غزو محتمل" من دولة مجاورة، فإن الدوحة خلال السنوات القليلة الأخيرة، تجري عملية تحديث ضخمة، باهظة التكاليف، لتعزيز إمكانيات قواتها المسلحة، بما يتناسب مع التغيرات والتهديدات الإقليمية.
ووفق التصنيف الجديد لـ"جلوبل فاير باور" المعني بالشؤون العسكرية للدول، حل الجيش القطري في المرتبة 90 عالميا، والمرتبة 16 عربيا، بقوة بشرية 12 ألف جندي، وأكثر من 100 طائرة عسكرية متنوعة، ونحو 95 دبابة و465 عربة عسكرية مدرعة.
تسليح متطور
لطالما عانت القوات المسلحة القطرية من نقص حاد في القوة البشرية، وهو ما حاولت تعويضه بتحقيق قفزة نوعية في مجال التسليح، وحيازة أكثر الأنظمة الدفاعية والهجومية تطورا في العالم.
ويضاعف من حاجة قطر لرفع كفاءة قدراتها العسكرية، استمرار الحصار للعام الثالث على التوالي، مع قناعة بضرورة تعزيز القدرات الداخلية، وهو ما عبر عنه وزير الدولة لشؤون الدفاع "خالد العطية"، في وقت سابق، قائلا: "لا تريد أن تلقي العبء كله على عاتق أصدقائك وحلفائك… عند مرحلة ما، ينبغي أن تقف وتدافع عن نفسك".
لتحقيق ذلك، سعت قطر إلى امتلاك 3 أنظمة طائرات مقاتلة مختلفة، بينها 36 طائرة أمريكية من طراز "إف-15"، و12 مقاتلة "رافال" فرنسية، و24 طائرة "يوروفايتر تايفون".
وتسلمت قطر الدفعة الأولى من أحدث طراز لطائرات "الأباتشي" القتالية، حيث اشترت الدوحة 24 طائرة بموجب عقد مع شركة "بوينج"، إضافة إلى معدات وأجهزة دعم أرضي.
بحريا تجري أعمال بناء قاعدة بحرية كبيرة جنوبي الدوحة، مع خطط لزيادة عدد أفراد البحرية من نحو 3 آلاف الآن إلى 7 آلاف بحلول 2025.
وأبرمت قطر التي تحدها المياه من ثلاث جهات، صفقة بـ5.9 مليار دولار؛ لشراء سبع سفن حربية إيطالية.
وبريا تمتلك القوات القطرية مدرعات "فينيك" وهي من أحدث مدرعات الاستطلاع والمراقبة في العالم، وراجمات "إستروس" وهي من أحدث أسلحة الميدان المدفعية وتطلق عدة أنواع من الصواريخ، ودبابات "ليوبارد" المتطورة ومدافع "الهاوتزر" ذات الكثافة النيرانية العالية والمدى البعيد.
ويمتلك الجيش القطري منظومة "باتريوت" الصاروخية الأمريكية، بالإضافة إلى منظومات أخرى من الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، فضلا عن وجود مفاوضات جارية لشراء منظومات دفاع جوي روسية من طراز "إس- 400".
شراكات عسكرية
وفي محاولة لسد الثغرات القائمة في تكوين الجيش القطري، وعلى رأسها قلة العدد، وضعف الخبرة، نجحت قطر في إبرام عدد من الشراكات العسكرية مع قوى دولية وإقليمية.
ويتصدر أهم وأبرز تلك الشراكات، اتفاقية تعزيز التعاون العسكري مع تركيا، التي أقرها البرلمان التركي بالأغلبية، في 8 يونيو/حزيران 2017، وبموجبها تم منح تركيا حق إقامة قواعد عسكرية في قطر، ونشر قوات عسكرية يحدد حجمها بتوافق البلدين، وتدريب القوات العسكرية القطرية.
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، جرى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية جديدة، فيما تم افتتاح مقر قيادة القوات المشتركة القطرية التركية، ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
وفي 18 يناير/كانون الأول 2018، وقعت قطر اتفاقية أمنية مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"؛ توفر إطارا لحماية تبادل المعلومات بين الجانبين.
كذلك وقعت الدوحة مع لندن، اتفاقية إنشاء السرب العملياتي المشترك، الذي يشمل سرب العمليات المشتركة والتدريب ومنظومة الحرب الإلكترونية، ومن المرجح أن يكون لهذه المنظومة دور بارز في التغطية العملياتية وتأمين الأجواء خلال تنظيم كأس العالم 2022.
وافتتحت وزارة الدفاع القطرية، ملحقية عسكرية بواشنطن، في خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولاشك أن تلك الشراكات منحت قطر خيارات عدة في تنويع قدراتها العسكرية، ومصادر تسليحها، وأكسبتها صلابة في مواجهة أية تهديدات خارجية، وحصانة من التطاول على أمنها، وهي التي تحتضن قاعدة "العديد" الجوية، أكبر منشأة عسكرية أمريكية في المنطقة.
تدريب عملياتي
بموازاة ذلك، سارعت القوات القطرية إلى رفع مستوى التدريب لكوادرها، حيث يتلقى عشرات الطيارين والميكانيكيين القطريين تدريبات على أيدي مدربين من القوات الجوية وورواد الصناعات الدفاعية الفرنسية، وكذلك يتلقون تدريبات من قبل الجيش الأمريكي، وفق تفاهمات بين البلدين.
وسعيا نحو توطين تلك القدرات، تجري قطر عملية موسعة لإنشاء مدينة تعليمية عسكرية متكاملة تضم جميع الكليات والمعاهد والمراكز والمؤسسات التعليمية العسكرية، مع مرافقها التدريبية والقتالية والرياضية.
وتضم المدينة كلية الدفاع وكلية الحرب، ومعهد للتدريب التقني، وستعمل وفق أعلى المستويات التعليمية العسكرية بصفوف الجيوش النظامية في العالم.
وكثفت قطر مناوراتها العسكرية، بحثا عن إكساب قواتها خبرات نوعية، من خلال إقامة مناورات مع تركيا مثل "عرين الأسد"، و"المشابية"، و"نسر الأناضول"، ومع باكستان مثل "زلزال"، ومناورات أخرى مع القوات الملكية البريطانية، والقوات الأمريكية، والبحرية الفرنسية.
ثغرات قائمة
ومع ذلك، لا يزال الجيش القطري يواجه معضلة مزمنة تتمثل في قلة الكوادر المتاحة والمدربة لتشغيل منظومات الأسلحة التي يمتلكها، خاصة ما يتعلق بقدراته الجوية والبحرية.
وترفض قطر استقدام أجانب لقيادة طائراتها وسفنها الحربية، وتصر على الاستعانة بمواطنيها ليكونوا نواة قواتها المسلحة.
وفي سبيل تحقيق ذلك، وسعت السلطات في 2018 نطاق برنامج التجنيد الإجباري إلى 12 شهراً بدلا من 3 أشهر، إضافة إلى قبول تجنيد القطريات على أساس تطوعي، للمرة الأولى عام 2019.
ويقول العميد "عيسى المهندي"، الذي يشرف على برنامج "إف-15″، في تصريح صحفي، إن الدفعة الأولى من 6 طائرات "إف-15" ستصل أوائل 2021، وسوف تستخدم طاقما من طيارين اثنين من القوات الجوية الأمريكية، ونحو 10 متعاقدين حتى يتم تدريب مزيد من الطيارين القطريين.
ويرى الباحث الأول في برنامج الأسلحة والإنفاق العسكري في معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام "بيتر ويزمان"، أن القوات القطرية تشهد تحولا كاملا من قوات مسلحة صغيرة جداً، إلى قوة مسلحة كفؤة وجيدة التجهيز.
وحتى عام 2013، كانت قطر تنفق نحو 3 مليارات دولار كل عام على الدفاع، لكن بعد الأزمة الخليجية ارتفعت واردات الدوحة من الأسلحة بنسبة 279%، وأبرمت عقودا عسكرية خلال شهور بنحو 25 مليار دولار.
يمكن القول إذن، إن قطر تعتمد على مرتكزات رئيسية لتأمين أمنها، على المدى البعيد، الأول استثمار وجود قاعدة "العديد"، والقاعدة التركية على أراضيها، وثانيا الصفقات الدفاعية الثنائية بما يعزز شراكاتها مع عواصم غربية مؤثرة، وثالثا قوة تسليحية متطوة لجيش يأمل مستقبلا في مضاعفة حجمه وخبراته.