أليكس فاتانكا - معهد الشرق الأوسط - ترجمة الخليج الجديد-
اختارت قطر مهمة شاقة لنفسها بالتوسط بين الولايات المتحدة وإيران، وكما قال وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" في 10 فبراير/شباط، فإن الدوحة "تعمل على خفض التصعيد من خلال عملية سياسية ودبلوماسية".
ومن أجل هذه الغاية، تحدث الوزير القطري مؤخرًا إلى مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" والممثل الأمريكي الخاص لشؤون إيران "روبرت مالي".
وبالنظر لحجم قطر الصغير، قد تبدو خيارًا مثيرًا للفضول، والمنافسون الكبار الآخرون على التوسط هم إما دول لها ثقل دبلوماسي، مثل اليابان أو فرنسا، أو لديهم سجل حافل في هذا المجال، مثل عُمان، التي استضافت على مدار السنوات الأخيرة جولات متعددة من المحادثات الخلفية بين الولايات المتحدة وإيران.
لكن لدى القطريين أسباب وجيهة للقيام بذلك؛ حيث سيضع أي صراع مباشر بين إيران والولايات المتحدة قطر في الخطوط الأمامية، بما إنها موطن لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.
كما كان للقطريين أيضًا علاقات استخباراتية سرية مع نظرائهم الإيرانيين، على عكس العديد من الدول الأخرى، وهذه ميزة يمكن أن تكون ذات قيمة لكل من إيران والولايات المتحدة.
قطر بين أمريكا وإيران
من المؤكد أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران وقطر متعددة الأبعاد بقدر ما هي علاقة اختبرها الزمن، ففي يونيو/حزيران 2017، فرضت الدول العربية المجاورة لقطر حصارًا على الدوحة، حيث قادت السعودية والإمارات جهودًا لانتزاع تنازلات من قطر قبل رفع الحصار.
وكان من بين المطالب الـ13 التي تم تقديمها، أن تقلص الدوحة علاقاتها مع طهران وتقطع تعاونها العسكري والاستخباراتي مع إيران.
لكن قطر رفضت المطالب، بل إن علاقات قطر تعززت مع إيران في فترة الحصار، الذي انتهى رسميًا في أوائل يناير/كانون الثاني، حيث أصبحت إيران مصدرًا للغذاء والإمدادات وفتحت مجالها الجوي وموانئها أمام المشغلين القطريين.
وربما تكون إيران قد ظهرت كمنقذ لقطر في وقت الحاجة بالنسبة في أعين العالم الخارجي، لكن الدوحة ضمنت استمرار دورها في مواجهة طهران.
هذا التردد لا علاقة له بتهدئة مخاوف الدول العربية المجاورة، بل كان الأمر يتعلق برغبة قطر في تحقيق توازن دقيق بين حاجتها الفورية قصيرة المدى إلى يد العون من إيران مقابل طموحها طويل الأمد في جعل واشنطن تضمن استقلال قطر وأمنها.
وعلى سبيل المثال، ففي الوقت الذي أدى فيه الحصار إلى زيادة التجارة بين إيران وقطر خلال الفترة 2017-2020، كانت الدوحة لا تزال مترددة في السماح للبنوك الإيرانية بدخول سوقها، واشتكى رجال أعمال إيرانيون من عدم وجود تأشيرات.
كان من الواضح أن القطريين لا يريدون اتهامهم بخرق العقوبات الأمريكية على طهران، وأدت حملة "الضغط الأقصى" التي شنها الرئيس "دونالد ترامب" إلى تقليص مساحة سياسة قطر تجاه إيران.
تقبل الإيرانيون مأزق قطر وأولوياتها، وراقبت طهران الوضع بانزعاج ولكنها لم تتفاجأ عندما وافقت الدوحة على إنفاق 1.8 مليارات دولار لتحديث القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر ودعمت لاحقًا الاقتراح الأمريكي في الأمم المتحدة لتمديد حظر الأسلحة على إيران إلى ما بعد أكتوبر/تشرين الأول 2020، وأكد كل هذا بالنسبة لإيران، إعطاء قطر الأولوية لمصالح واشنطن.
ما يمكن أن تقدمه قطر
هناك حقيقتان لا يمكن إنكارهما بشأن العلاقات بين إيران وقطر. أولًا؛ على الرغم من أن العلاقات لم تخلُ من المشاكل مطلقًا، فلا أحد من الجانبين مهتم بتحويل الآخر إلى خصم صريح.
وثانيًا، سعت الدوحة وطهران إلى السعي وراء تعاون متبادل المنفعة عندما سنحت الفرص، وقد تكون إدارة "بايدن" التي تبحث عن طرق للتحدث مع طهران، بما في ذلك استخدام وسطاء طرف ثالث، إحدى هذه الفرص.
سيجيبنا الزمن عما قصده وزير الخارجية القطري عندما قال إن الدوحة "تعمل على تهدئة" التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
قد يكون مقصوده شيئًا ببساطة توفير ملتقى للمحادثات الدبلوماسية، مثلما فعلت الدوحة ذلك بالفعل في المسار الدبلوماسي بين واشنطن وحركة طالبان.
وربما تكون عُمان -التي وفرت مثل هذا الملتقى في وقت سابق- مشغولة جدًا حاليًا بشؤونها الخاصة، حيث يصارع السلطان العماني الجديد "هيثم بن طارق" جميع أنواع التحديات الاقتصادية في الداخل، ومن المحتمل أن تكون شهيته ونطاقه في العمل كوسيط مقيدان بشكل كبير مقارنة بسلفه السلطان "قابوس بن سعيد".
أما على النقيض من ذلك، فقطر التي تعد واحدة من أغنى البلدان في العالم، تمتلك قدرة مالية كبيرة لتسهيل عملية دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران.
هناك ميزة أخرى لقطر على عمان أو الوسطاء المحتملين الآخرين، حيث يُظهر التاريخ الحديث أن الدوحة لديها علاقة نشطة ليس فقط مع وزارة الخارجية في طهران، ولكن أيضًا مع ما يسمى بـ"الدولة العميقة" الإيرانية، أيّ الحرس الثوري الإيراني، الذي يعد دولة داخل دولة في إيران.
يسيطر الحرس الثوري على أجندة طهران الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وهما مجالان تحرص إدارة "بايدن" على إدراجهما في المحادثات المستقبلية مع الإيرانيين.
تجلى مثال حديث على وصول الدوحة إلى "الدولة العميقة" لإيران في عام 2015 عندما تم اختطاف مجموعة من 26 قطريًا في العراق من قبل رجال الميليشيات الموالية لإيران.
تطلب الأمر من قطر مفاوضات استمرت 16 شهرا قبل الإفراج عن القطريين، وشارك في المفاوضات الحرس الثوري الإيراني وشخصيات مثل "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، الذي اغتيل لاحقًا على يد الولايات المتحدة في العراق.
في النهاية، اضطر القطريون إلى دفع مئات الملايين من الدولارات كفدية للخاطفين وطُلب منهم الضغط على مجموعات المعارضة السنية المدعومة من قطر في سوريا، والتي كانت في ذلك الوقت تقاتل قوات الرئيس "بشار الأسد" المدعوم من إيران.
أظهرت العلاقة المنافسة القطرية الإيرانية وأيضًا القدرة على إبرام الصفقات عند الضرورة، ولم يفت بالتأكيد على فريق "بايدن" هذا السجل القطري في إبرام الصفقات مع الدولة الإيرانية، بما في ذلك "دولتها العميقة"، وفي الواقع، قد يكون هذا هو السبب وراء ذكر الدوحة كوسيط في مواجهة إيران والولايات المتحدة.