متابعات-
تتوالى رسائل الود بين قطر ومصر، خلال الأسابيع الأخيرة، محملة بآمال من الجانبين نحو تسريع تطبيع العلاقات، وتجاوز نقاط الخلاف، وربما عودة العلاقات إلى سابق عهدها قبل سنوات.
ويعزز تسارع الود بين القاهرة والدوحة، رغبة الجانبان في طي صفحة الماضي، مدفوعين بتفاهمات اتفاق المصالحة الخليجية، في محافظة العلا السعودية، 5 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي أنهى قطيعة دامت أكثر من 3 سنوات ونصف.
وعلى أكثر من مستوى، يتسلل الود السياسي والاقتصادي، والغزل الدبلوماسي، باتجاه العودة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية والتجارية، والتنسيق السياسي والأمني، بعد انتهاء أزمة الحصار يونيو/حزيران 2017.
رسالة اقتصادية
بالنظر إلى تتابع تطور العلاقات بين البلدين، خلال الأسابيع الأخيرة، يمكن القول إن الرسالة القطرية الأولى كانت ذكية وعميقة، بتزامنها مع توقيع اتفاق العلا، وإيفاد وزير المالية القطري "علي شريف العمادي"، في اليوم ذاته، لزيارة القاهرة، وافتتاح فندق "سانت ريجيس" المملوك لشركة الديار القطرية.
وحملت الرسالة الأولى طابعا اقتصاديا، كونها تحوي محفظة استثمارية تبلغ أكثر من 1.3 مليارات دولار، وهو ما يفتح شهية الحكومة المصرية الساعية لجلب رؤوس أموال خليجية وأجنبية للسوق المصري؛ ومحاولة تجاوز تداعيات جائحة "كورونا".
لاحقا ردت القاهرة برسالة أولى تتعلق بإعادة فتح الأجواء المصرية أمام الطيران القطري، الثلاثاء 12 يناير/كانون الثاني الماضي، وبعدها بأيام قررت وزارة النقل المصرية، في الشهر ذاته، استئناف أنشطة الشحن والملاحة البحرية بين البلدين.
وفي 23 فبراير/شباط الماضي، أجرى وفدان رسميان من قطر ومصر مباحثات في الكويت حول آليات تنفيذ "بيان العلا" الخاص بالمصالحة.
وتناول الاجتماع السبل الكفيلة والإجراءات اللازم اتخاذها بما يعزز مسيرة العمل المشترك والعلاقات الثنائية بين البلدين، وبما يحقق تطلعات شعبيهما في الأمن والاستقرار والتنمية، وفق بيان صادر عنهما.
وفي 9 مارس/آذار الجاري، أوفدت الدوحة وفدا قطريا هو الأول من نوعه إلى العاصمة المصرية، برئاسة مدير إدارة الشئون القانونية بوزارة الخارجية القطرية، "محمد بن حمد بن سعود آل ثاني"، في زيارة لمدة يومين بهدف "تسريع استئناف العلاقات"، وفق صحف مصرية.
ونقلت صحيفة "الأهرام" (مملوكة للدولة)، عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أن الزيارة "تأتي في إطار جهود مصرية قطرية حثيثة للإسراع في عودة العلاقات المصرية القطرية لطبيعتها قبل الأزمة مع قطر منتصف عام 2017".
تقارب وزاري
في خضم الترتيبات الجارية لإحداث نقلة في العلاقات القطرية المصرية، انتقل التقارب بين الدوحة والقاهرة إلى مستوي وزاري رفيع، توج بلقاء وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، مع نظيره القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، في القاهرة، على هامش الاجتماعات الوزارية لجامعة الدول العربية، مطلع الشهر الجاري.
وصرح حينها، وزير الخارجية القطري، مؤكدا على سعي بلاده لعودة العلاقات مع مصر إلى دفئها الطبيعي وأن تكون "طيبة ومتينة".
وفي خطوة لافتة، أجرى رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية القطري، الشيخ "خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني"، اتصالاً هاتفيا، قبل أيام، مع وزير الداخلية المصري "محمود توفيق"، تناول خلاله العلاقات بين البلدين الشقيقين وسبل تطويرها، خاصة في المجال الأمني، بحسب وكالة الأنباء القطرية "قنا".
وعزز تلك الخطوات -وفق مراقبين- تهدئة إعلامية نسبيا من شبكة "الجزيرة" في معالجة الملف المصري، مقابل تراجع وتيرة الهجوم على قطر من قبل الإعلام المصري، والإفراج عن صحفي القناة المعتقل منذ أكثر من 4 سنوات "محمود حسين"، فبراير/شباط الماضي، وهو ما اعتبر بداية لإذابة أجواء الخلاف والتحريض بين البلدين.
وفي 14 مارس/آذار الجاري، وجه "شكري" رسالة شديدة الوضوح، مشيدا بقطر أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، قائلا إن "هناك رسالة إيجابية من الأشقاء في قطر بأنهم يرغبون وعازمون على استعادة زخم العلاقة في كافة النواحي السياسية والاقتصادية".
ملفات عالقة
وعلى الرغم من التكتم القائم حول ترتيبات القاهرة والدوحة للانتقال من الود المشوب بالحذر، إلى الغزل، وصولا ربما إلى التطبيع الكامل، فإن ملفات بعينها يجري التفاوض بشأنها، ووضع خارطة طريق بشأن معالجتها، ضمن رؤية سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية يجري بلورتها.
ووفق مصادر دبلوماسية في القاهرة، فإن الطرفين "اتفقا على استئناف عمل البعثتين الدبلوماسيتين على مستوى القائمين بالأعمال قبل تعيين السفير المصري لدى الدوحة والسفير القطري لدى القاهرة".
وأضافت المصادر في تصريحات خاصة نقلتها وكالة "تاس" الروسية، أن الطرف المصري اشترط خلال محادثاته، كأولوية في مسار تسوية العلاقات بين البلدين، "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر"، وهو شرط يتعلق في الأساس بتغطية "الجزيرة" للشأن المصري، واستضافة معارضين لنظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، ودعم جماعة "الإخوان" التي أطيح برئيسها الراحل "محمد مرسي" من الحكم، في انقلاب يوليو/تموز 2013.
ويرى مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق "محمد نور الدين"، أن الاتصال الذى جرى بين وزيري الداخلية المصري والقطري، يتعلق بتنسيق أمني ومعلوماتي، ولا بد أن يتطرق إلى تسليم العناصر المطلوبة قضائيا فى مصر، في إشارة إلى معارضي "السيسي" من جماعة "الإخوان المسلمون"، بحسا ما نقلته عنه "روسيا اليوم".
ويتفق معه القيادي الإخواني " قطب العربي"، في أن النظام المصري سيطلب من الدوحة تسليم رموز إخوانية مطلوبة أمنيا أو قضائيا، لكنه سيفاجأ أن هذه الرموز لم تعد مقيمة في قطر، في إشارة إلى قدرة الدوحة على التحرر من الالتزام بهذا الشرط، عبر الطلب من أية عناصر مطلوبة مصريا بنقل إقامتها إلى عاصمة أخرى.
في المقابل ستطالب الدوحة بإطلاق اثنين من صحفيي قناة "الجزيرة مباشر"، وهما "هشام عبدالعزيز"، و"بهاء الدين إبراهيم"، وربما المطالبة بإعادة فتح مكتبها المغلق في القاهرة عقب الانقلاب العسكري منتصف 2013.
البيزنس وأشياء أخرى
يمكن اعتبار بوابة البيزنس نافذة لتذويب الخلافات القائمة، وحلحلة الملفات العالقة، في ظل حاجة مصرية لقروض وودائع وهبات واستثمارات من قطر، خاصة بعد تراجع الدعم الإماراتي والسعودي لنظام "السيسي".
ولدى قطر استثمارات ضخمة في مصر، وهناك حوالي 220 شركة قطرية تعمل في البلاد، كما يستحوذ بنك قطر الوطني على حصة كبيرة من القطاع المصرفي المصري الخاص، إضافة إلى كون قطر وجهة مفضلة للعمالة المصرية، وهي تحتضن بالفعل قرابة 350 ألف وافد مصري، وفق بيانات صادرة عن شعبة إلحاق العمالة بغرفة القاهرة التجارية.
وتسعى القاهرة للاستفادة من إعادة تشغيل حركة الطيران بين البلدين، وتدفق السياح القطريين على منتجعاتها، ونيل أي حصة من كعكة الاستثمارات الثمينة التي تقدمها قطر مع قرب استضافتها مونديال كأس العالم لكرة القدم 2022.
أما استراتيجيا، فإن قطر باتت لاعبا رئيسا في ملفات إقليمية كانت في الماضي حصريا للدبلوماسية المصرية، وهي ملفات حساسة تقع في النطاق الأول للأمن القومي المصري، مثل الملف الليبي، والقضية الفلسطينية، والوضع في السودان.
ولا تنفي رسائل الود المشار إليها أن التوجس ربما يكون قائما، لكنها مسألة وقت، في انتظار إتمام ترتيبات أخرى، وربما تجميد قضايا عالقة أو تجاوزها في المرحلة الراهنة، مع فقدان "السيسي" حليفه الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، وخسارة حليفه في ليبيا "خليفة حفتر"، والتوتر المكتوم مع الرياض، ورضوخه تحت وطأة أزمة "سد النهضة" مع إثيوبيا، إضافة إلى جدول ديون صعب السداد (نحو 21 مليار دولار خلال 2021)، ما يعزز حاجته إلى تبادل الود والمصالح مع قطر.