متابعات-
ما زالت الأزمة السورية على وضعها المعلق سياسياً، في ظل عدم جدية اللاعبين الدوليين في إجراء تغيير حقيقي على أرض الواقع، حيث أجرى النظام السوري انتخاباته الرئاسية التي ندد بها العالم، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من الأراضي السورية خارج سيطرته.
وفي ظل ذلك الجمود بالملف السوري على كثير من الأصعدة، وسط انهيار الاقتصاد وتراجع قيمة الليرة السورية لأدنى مستوياتها أمام الدولار، أكّدت قطر والسعودية بموقف متشابه دعم الحل السياسي للأزمة السورية وفق المقررات الأممية.
وتعتبر السعودية وقطر من أبرز الدول العربية التي دعمت الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد إبان الثورة التي قامت ضده، وتحولت إلى مسلحة بعد استخدام النظام لكافة أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوي، بدعم روسي إيراني، وباستقدام للمليشيات الطائفية اللبنانية والعراقية والأفغانية، ووجود قوات دول أخرى مثل تركيا والولايات المتحدة وغيرها.
حل سياسي في سوريا
قطعت السعودية وقطر علاقاتها مع النظام السوري في عام 2011، ثم سحبتا السفراء بعد قرار الجامعة العربية تجميد عضوية النظام السوري؛ بسبب عدم قبوله بالمبادرة العربية ووقف عملياته العسكرية تجاه الشعب.
وفي ضوء استمرار المعاناة السورية بعد أكثر من 10 سنوات، ومواصلة قطع الرياض والدوحة لعلاقتهما مع النظام، خرجت تصريحات موحدة من قبل الدولتين الخليجيتين في الاجتماع الوزاري حول سوريا في العاصمة الإيطالية روما، الذي أقيم يوم 28 يونيو 2021، حيث أكّدتا أهمية حل الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن "2254"، ومحادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة.
وحول ذلك قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني: إن "الوقت حان للعمل بطريقة مختلفة بعد أكثر من 10 سنوات من المآسي الإنسانية والمعاناة للشعب السوري، ولبحث الفرص والمبادرات التي يمكن أن تساعد في تسوية الأزمة السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254".
وشدد "آل ثاني" على ضرورة العمل على تحديد موعد محدد للانتهاء من صياغة دستور سوري جديد، وذلك للتمهيد للانتقال إلى المرحلة الثانية التي تتضمن إجراء الانتخابات وفقاً للدستور الجديد، مؤكداً أن تخفيف حدة القتال والتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم ومحاربة الإرهاب، إضافة إلى إيصال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق في سوريا، يمكن أن يسهم في تهيئة الأجواء للعملية السياسية والتوصل إلى حل ينهي معاناة الشعب السوري.
فيما جاء الموقف السعودي على لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان آل سعود، مؤكداً "أهمية التوافق الدولي لوقف المعاناة الإنسانية للشعب السوري، والتوصل إلى حل لأزمة المعابر الحدودية، بما يكفل تدفق المساعدات الدولية لمستحقيها، مطالباً بـ"عدم تسييس الشأن الإنساني في سوريا، وعدم إهمال الحاجات الإنسانية للشعب السوري".
وأضاف أن "غياب الإرادة الدولية الفاعلة في حل الأزمة السورية أسهم في إتاحة الفرصة لتنفيذ بعض الأطراف مشاريع توسعية وطائفية وديموغرافية تستهدف تغيير هوية سوريا، وتنذر بطول أمد الأزمة السورية وتأثيراتها الإقليمية والدولية".
كما شدد على أهمية توحيد الجهود لاستئناف العملية التفاوضية، ودعم جهود الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في هذا الشأن، وتقديم أوجه الدعم المطلوب كافة لإنجاح مهمته.
ويؤكد القرار "2254" الذي تطالب السعودية وقطر بتطبيقه في سوريا، بدء محادثات السلام بسوريا، وأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد، ودعا لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.
ويدعم مجلس الأمن -عبر القرار- ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في كافة المناطق السورية حال اتخاذ ممثلي النظام والمعارضة السورية الخطوات الأولى نحو الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة.
ويوصي القرار الدولي الصادر في ديسمبر 2015، جميع الأطراف في سوريا بـ"اتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار".
رفض التطبيع مع الأسد
وتأتي هذه التأكيدات في ظل سعي محموم من قبل نظام الأسد لإعادة تعويمه عربياً وإقليمياً بعد الانتخابات التي أجراها عبر مغازلات وبث الشائعات عن اقتراب تطبيعه مع دول الخليج، وبالأخص السعودية.
وقبل أسابيع، أكدت الدوحة والرياض صعوبة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وأكدتا في تصريحات متزامنة أن الظروف الراهنة ليست ملائمة لعودته إلى مقعد بلاده في الجامعة العربية.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، في حديث نشرته صحيفة "كوميرسات" الروسية، إن الدوحة لديها قناعة بأن الظروف ليست ملائمة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، مؤكدة أن الموقف القطري لا يختلف كثيراً عن موقف جيرانها الخليجيين في هذا الشأن، وأن الأمور تحتاج إلى التريث والنظر إلى التطورات على الأرض.
وقالت الخاطر إن المسألة لا تتعلق باعتراف الدوحة أو غيرها من العواصم ببشار الأسد رئيساً شرعياً للبلاد، وإنما تتعلق باعتراف السوريين أنفسهم به، مشيرة إلى أن التقارير المتاحة تعكس انشقاقاً كبيراً بشأن النتائج الأخيرة للانتخابات التي فاز بها الأسد، وبطريقة إجرائها.
في حين نفى المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، السفير عبد الله المعلمي، الأخبار المتداولة بشأن تطبيع قريب للعلاقات بين المملكة ونظام الأسد، مؤكداً أن الحديث الدائر بشأن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما زال مبكراً.
وأشار المعلمي في حديث مع قناة "روسيا اليوم" إلى أن الوضع الراهن صعب في ظل مواصلة الأسد هجماته على المدنيين، متهماً النظام السوري بمواصلة عمليات التطهير العرقي والإثني في مناطق سيطرته بحق المدنيين، وقال إنه يضطهد المعتقلين في سجونه، وكذلك النازحين في مناطق سيطرته.
كما استبعد الدبلوماسي السعودي قبول الجامعة العربية بعودة النظام السوري إليها، مؤكداً أن الأمر يتطلب قراراً جماعياً، وأن معظم الدول ما تزال متحفظة على الوضع القائم في مناطق سيطرة الأسد.
هل من تنسيق قطري سعودي؟
وكان الملف السوري محل تنسيق بين السعودية وقطر حتى اندلاع الأزمة الخليجية، في يونيو 2017، التي أثّرت على العديد من القضايا العربية والإقليمية ومن ضمنها "الأزمة السورية"، ومع انتهاء الخلاف بإعلان المصالحة الخليجية في قمة العلا، يناير 2021، هل من الممكن أن يعود التنسيق بين الدوحة والرياض بما يخص سوريا، مع الرؤية المتشابهة للحل فيها؟
وحول ذلك قالت الصحفية السورية راما الحسام: إن "موقف السعودية وقطر من ضرورة السير بالحل السياسي وفق مقررات الأمم المتحدة والمفاوضات التي جرت في جنيف، مهم؛ لأنه يؤكد أن البلدين لا يريدان عودة العلاقات مع نظام الأسد قبل حدوث تغيرات فعلية على الأرض".
وأضافت الحسام في حديث مع "الخليج أونلاين" أن "غياب التنسيق الخليجي والعربي حول الملف السوري خلال الأزمة الخليجية قد أثر سلباً عليه، باعتبار أن سوريا دولة مركزية في المنطقة، وذات موقع جغرافي استراتيجي؛ ما دفع الدول الأخرى مثل روسيا وإيران وتركيا للاستفراد بها".
ولفتت الصحفية إلى أن "اختلاف وجهات نظر السعودية وقطر حول الأزمة السورية قبل سنوات ضيع الكثير من أوراق الضغط بالملف في مرحلة من المراحل، وأظن أن توحد الموقف بين الجانبين في إطار التقارب الجديد (بعد المصالحة) قد يؤدي إلى تغيرات مهمة وتحريك للمياه السورية الراكدة دولياً".
وتعتقد أن "الدبلوماسية القطرية اليوم نشيطة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة (برئاسة جو بايدن)، والتي جددت موقفها من نظام الأسد وأهمية استمرار العقوبات المفروضة عليه، وهذا يدعم الموقف القطري السعودي الثابت حيال النظام السورية وطريقة التعاطي معه".
كما تتوقع الحسام أن تنسق السعودية وقطر بخصوص عدة ملفات من بينها سوريا في المراحل المقبلة؛ لعدم وجود موانع، في إطار عودة العلاقات لسابق عهدها بين الطرفين، مؤكدة أن سوريا لا تقل تأثيراً عن اليمن بما يخص علاقة إيران مع الولايات المتحدة، "لذلك ستستثمر السعودية القضية للضغط على الإيرانيين قبيل توقيع الاتفاق النووي في ظل محادثات فيينا".