يوئيل جوزانسكي و عوفير ونتر- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي -ترجمة الخليج الجديد-
خلال الأشهر الأخيرة، تحسنت العلاقات بين قطر والدول التي فرضت حصارا عليها حتى يناير/كانون الثاني 2021، ومن المتوقع أن يؤثر هذا التطور على مشاركة قطر في قطاع غزة وعلاقاتها مع حماس.
وتمثل طموحات قطر الإقليمية وعلاقاتها الوثيقة مع تركيا مشكلة لإسرائيل وبعض الأنظمة العربية بسبب دعم الدوحة وأنقرة للإخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في قطاع غزة.
وترى أبوظبي أن هذه السياسة تشكل تهديدًا جوهريًا ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن أولاً وقبل كل شيء على الساحة المحلية، حيث ترى أن قوى الإسلام السياسي تسعى لتقويض النظام السياسي القائم.
عملية المصالحة
بدأ حصار قطر بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى السعودية في مايو/أيار 2017، وأدى الحصار إلى تعزيز علاقات قطر مع تركيا التي لديها قاعدة عسكرية في الدوحة. وكان إغلاق القاعدة أحد المطالب الـ13 التي تم تقديمها لقطر من أجل رفع الحصار. وشملت المطالب الأخرى "وقف التحريض ضد الرباعية في شبكة الجزيرة وقطع العلاقات مع تركيا والإخوان المسلمين".
ولكن إدارة الرئيس "جو بايدن" رأت أن تداعيات حصار قطر أكثر من المزايا، مما دفع السعودية إلى تعزيز المصالحة وإنهاء حصار قطر في يناير/كانون الثاني 2021، بالرغم من عدم رضوخ الدوحة للشروط السابقة.
وتحسنت علاقات قطر مع مصر منذ انتهاء الحصار. وفي مايو/أيار التقى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني". وأفادت الأنباء أن الجانبين اتفقا على "تكثيف التشاور والتنسيق المشترك" من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي تصريحاته في ختام الزيارة، أشاد الوزير القطري بدور مصر في وقف إطلاق النار في غزة، مشيرًا إلى أن مصر لها "دور استراتيجي ومحوري في حماية الأمن القومي العربي". وجاء ذلك عقب تسليم "السيسي" دعوة من أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" لزيارة الدوحة.
وقبلت قطر خلال معركة غزة الأخيرة قيادة مصر للوساطة بين إسرائيل وحماس، ونسقت المواقف مع القاهرة، وهو دليل على تشكل تفاهمات بين الطرفين بشأن قطاع غزة وتنمية علاقات عمل طبيعية بينهما. وتعهدت مصر بمبلغ 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع (ليس بشكل مباشر ولكن من خلال شركات المقاولات المصرية والأدوات الهندسية والمواد الخام)، وسارعت قطر في تقديم مبلغ مماثل، بالإضافة إلى 360 مليون دولار التي تقدمها سنويا.
وقد سجلت قفزة أخرى في العلاقات منتصف يونيو/حزيران عندما استضافت قطر قمة جامعة الدول العربية الاستثنائية، بناء على طلب مصر والسودان، لمناقشة أزمة سد النهضة مع إثيوبيا. وقد التقى وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، خلال زيارته للدوحة، بأمير قطر وبحث معه تعزيز العلاقات الثنائية ودعاه لزيارة القاهرة.
وفي مقابلة غير تقليدية مع قناة الجزيرة، أشار "شكري" إلى أن رحلته إلى الدوحة لم تكن مقصودة فقط لحضور المؤتمر حول السد الإثيوبي ولكن أيضًا لجعل الصعوبات في العلاقات المصرية القطرية جزءا من الماضي. وفي يونيو/ حزيران، تم تعيين سفير مصري وآخر سعودي لدى قطر وذلك للمرة الأولى منذ 4 سنوات.
ويخدم التقارب مع قطر مجموعة من المصالح المصرية مثل: توحيد الموقف العربي حول قيادتها الإقليمية لا سيما بشأن القضية الفلسطينية التي من المفترض أن تعزز قيمة مصر في نظر إدارة "بايدن"؛ ودق إسفين في المحور التركي القطري، والحد من الانتقادات الواسعة للنظام المصري على شبكة الجزيرة منذ عام 2013؛ وتعزيز العلاقات الاقتصادية من خلال الاستثمارات القطرية في مختلف المجالات، بما في ذلك العقارات والسياحة والتمويل.
وفوق كل ذلك، أزمة سد النهضة التي تحتل حاليًا صدارة اهتمامات القاهرة بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود. وبسبب إحجام الإمارات والسعودية عن استخدام ثقلهما الكامل لدعم مصر في هذه القضية، تعلق القاهرة آمالها على قطر حيث تتمتع الدوحة بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا ولديها نفوذ اقتصادي عليها (أديس أبابا وجهة جذابة للاستثمارات القطرية). واستفادت مصر من انضمام قطر للجبهة العربية الموحدة، الأمر الذي يدعو إلى تدخل مجلس الأمن في الأزمة.
وقد يكون ثقل المصالح المشتركة كافياً لتنحية التوترات التي ما زالت تعصف بالعلاقات المصرية القطرية، وعلى رأسها الدعم السياسي والإعلامي والمالي واللوجيستي الذي تقدمه قطر لجماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها القاهرة منظمة إرهابية.
ومن الملاحظ أن المصالحة المصرية القطرية تتقدم بوتيرة أسرع من الجهود الموازية للمصالحة المصرية التركية. ويبدو أن القاهرة تفضل تسريع تقاربها مع الدوحة في ضوء دورها الحالي كرئيس للجامعة العربية، والقوة الاقتصادية الهائلة التي تمتلكها، والنهج البراغماتي لقادتها المتحررين من الأيديولوجيات الجامدة.
التداعيات بالنسبة لإسرائيل
منذ العملية الأخيرة في غزة، عمّقت إسرائيل وقطر تعاونهما على أساس نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة والوساطة مع حماس. ولدى إسرائيل مصلحة واضحة في استمرار هذه المساعدات، طالما أنها لا تستخدم لبناء البنية التحتية لحماس. من وجهة نظر إسرائيل، فإن تحسين الوضع الإنساني في غزة سيساعد على منع المواجهة مع حماس.
وقد أفادت الأنباء أن رئيس الموساد السابق" يوسي كوهين" زار الدوحة لضمان استمرار المساعدة المالية التي تقدمها قطر لغزة.وقبل العملية الأخيرة، دعت إسرائيل إلى زيادة دور قطر في قطاع غزة بما يتجاوز دورها كقناة مالية، وأن تصبح رائدة في الترتيبات مع حماس.
وحتى الآن، يوجد توتر بسبب اهتمام إسرائيل باستمرار الدور القطري في غزة مع ضرورة الحفاظ على علاقات طبيعية مع مصر والسعودية والإمارات التي تشعر بالقلق من النفوذ القطري في غزة.
وقد يساعد التقارب المدروس بين تلك الدول وقطر على تنمية التعاون الإسرائيلي مع قطر في القضايا المتعلقة بقطاع غزة، مع تعزيز قدرة إسرائيل في الوقت نفسه على "كبح الجوانب السلبية لسياسة قطر" من خلال القاهرة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يمكن لإسرائيل أن تتوقع أن التعاون المصري القطري في قطاع غزة لن يأتي على حسابها. ويعتمد هذا الأمر على طبيعة التنسيق الإسرائيلي مع كلا البلدين.
ولدى إسرائيل مصلحة واضحة في تعميق دور الإمارات في قطاع غزة على حساب قطر. ومع ذلك، تفتقر الإمارات حاليًا إلى النفوذ في الساحة الفلسطينية بسبب رؤيتها لحماس كعدو وبسبب الخلاف مع قيادة السلطة الفلسطينية، ويرجع ذلك أساسًا إلى الدعم الإماراتي لـ"محمد دحلان". بالإضافة إلى ذلك، تنظر القاهرة بعين الريبة إلى تدخل أبوظبي خشية أن تسعى لتقويض دور مصر في قطاع غزة.
وفي مثل هذا الواقع، ستحتاج إسرائيل إلى خدمات الوساطة القطرية، وستواصل الدوحة الاستفادة من ذلك لترسيخ موقعها الإقليمي.
ويعد الانخراط في الساحة الفلسطينية أداة مهمة في صندوق أدوات قطر لترسيخ مكانتها الإقليمية. كإمارة صغيرة وغنية تشعر بالتهديد من جيرانها، فهي تنظر إلى ذلك على أنه أحد ضمانات الحفاظ على وجودها. لذلك من المهم أن يُنظر إليها على أنها ضرورية في أعين اللاعبين الإقليميين المهمين، بما في ذلك إسرائيل. والأهم من ذلك، الحفاظ على القرب الضروري من الولايات المتحدة.
ولدى إسرائيل مصلحة في تقديم مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة لمنع تجدد الاشتباكات ولكنها تخشى استفادة حماس عسكريا لذلك تصر إسرائيل على ضرورة مرور الأموال عبر القاهرة أو رام الله (وليس مباشرة إلى حماس) كجزء من آلية مراقبة جديدة.
من جانبها، فإن قطر تريد الاستمرار في تحويل الأموال مباشرة إلى قطاع غزة، لذلك قد تكون القضية مصدر خلاف في المناقشات بشأن ترتيب الأوضاع في قطاع غزة.
وتوفر الديناميكيات العربية الجديدة مزايا إضافية لإسرائيل، بما في ذلك احتمال دق إسفين بين تركيا وقطر، مما قد يضعف "محور الإخوان المسلمين".
وسيؤدي ذوبان الثليج بين الدوحة ودول الرباعية أيضًا إلى إبعاد تركيا عن الساحة الخليجية، والإضرار بمكانة أنقرة الإقليمية، وتقليص المساعدات الاقتصادية المتدفقة من قطر إلى تركيا والإخوان المسلمين. وقد يؤدي تآكل مكانة تركيا إلى تبني سياسة أقل تصادمية مع إسرائيل.