الخليج أونلاين-
منذ قيام المصالحة الخليجية في 5 يناير 2021 تحسنت العلاقات الدبلوماسية بشكل ملموس في المنطقة بعد أكثر من 3 سنوات من اندلاع أزمة البيت الخليجي ( يونيو 2017) التي انعكست سلباً على عموم منطقة الشرق الأوسط.
ونتيجة للمصالحة وإعادة اللحمة الخليجية إلى وضعها السابق بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب، وقطر من جانب آخر، بدأت بعض هذه الدول باعتماد سفراء جدد لها، للبدء بإعادة العلاقات الدبلوماسية للأوضاع الاستراتيجية السابقة، والعمل على تعزيز التعاون المشترك بما يحقق مصالح جميع الأطراف.
وخلال هذا التقارب عينت بعض الدول سفراء يحملون رتبة "فوق العادة" إلى عواصم الدول التي أرسلوا إليها ممثلين رسميين عن الحكومات، فما هو هذا المنصب وهل يدعم تطور العلاقات بين الدول؟
تقارب بوتيرة متسارعة
وشهدت الأشهر الماضية حالة من التقارب السياسي بين قطر وعدة دول عربية من أبرزها السعودية ومصر، انطلاقاً من المصالحة الخليجية التي قربت وجهات نظر الطرفين، وبدأت استئناف العلاقات القديمة القائمة على احترام سيادة الدول والحوار.
وقد عقدت لجنة المتابعة القطرية السعودية عدة اجتماعات في الدوحة والرياض لتنفيذ مخرجات قمة العلا (2021)، بما يعزز أواصر العلاقة بين البلدين بمختلف المجالات، إلى جانب الزيارات الرسمية التي قامت بين كبار المسؤولين بالدولتين.
واستكمالاً لهذه الجهود عينت المملكة العربية السعودية، في (21 يونيو 2021)، الأمير منصور بن خالد بن فرحان آل سعود سفيراً لها في قطر لأول مرة منذ 2017.
وفي 11 أغسطس 2021، أصدر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قراراً بتعيين بندر محمد عبد الله العطية سفيراً فوق العادة مفوضاً لدى السعودية.
كما سبق للدوحة أن عينت كذلك في (29 يوليو 2021) سفير قطر السابق لدى أنقرة، سالم مبارك آل شافي، سفيراً فوق العادة مفوضاً لدى القاهرة، بعد أن عينت مصر، في (23 يونيو 2021)، عمرو كمال الدين بري الشربيني سفيراً فوق العادة لدى الدوحة بإطار تحسن العلاقات الدبلوماسية المصرية القطرية.
ماذا يعني "سفير فوق العادة"؟
ويحمل السفير "فوق العادة المفوض" مرتبة دبلوماسية تعد الأعلى في مراتب السفراء، وتمنح لشخص مكلف بمهام خاصة لبلده لدى عواصم أخرى أو هيئات دولية، ويحمل صلاحيات واسعة أكثر من كونه مجرد سفير، حيث تمكنه بالغالب من القيام بمهام استثنائية لأداء مهمته.
ويبرز الفرق الأساس بين منصبي "سفير فوق العادة" و"سفير" في كون الأخير يؤدي وظيفة محددة، أما الأول فيتمتع بصلاحيات موسعة، وفق المهام المسموح له بها، مثل عقد اتفاقيات أو التوقيع على مذكرات تفاهم باسم الدولة أو الهيئة التي يمثلها.
وتعين بعض الحكومات دبلوماسييها برتبة "سفير مفوض فوق العادة"، وتكلفهم بمهام خارجية محددة دون إقامات طويلة في الخارج، ويعملون كمستشارين لحكوماتهم أو رؤساء الدول وزعمائها.
كما يتمتع "السفير فوق العادة" بنفس الامتيازات القانونية للسفير العادي فيما يخص الإقامة بعاصمة الدولة الأجنبية الموفد إليها، وسماح حكومة البلد المُضيف له بالسيادة على قطعة أرضية محددة وبناء مقر للسفارة فوقها، إضافة إلى تمتعه، رفقة الموظفين الذي يشرف عليهم ومبنى السفارة وبريدها والسيارات الخاصة بها، بالحصانة الدبلوماسية.
في المقابل يعد السفير دبلوماسياً من مرتبة رفيعة، وتحدد مهامه في التمثيل الرسمي لرئيس أو ملك البلاد، ويتمتع عادة بصلاحيات "المندوبين المفوضين"، ويتصف معظم السفراء بصفة "رؤساء بعثة"، ويحظون بصلاحيات "السفير فوق العادة والمفوض".
على غرار "السفير العادي" يجب أن يتصف "السفير فوق العادة" بدرجة عالية من الثقافة والتجربة السياسية والحكمة في التعامل، إضافة إلى إتقان لغات أجنبية.
ويعين السفراء برتبة "فوق العادة" وفق عدة معايير، من أبرزها المسار المهني الدبلوماسي الذي يتمتع به الشخص، ومناصبه التي سبقت ذلك، حيث يشكل المنصب تتويجاً واستفادة من عمله المتدرج لسنوات داخل السلك الدبلوماسي لبلده.
وقد يعين من طرف سلطات بلاده من خارج السلك الدبلوماسي بهدف تمثيلها لدى حكومة أخرى، ويظل اللقب الذي يحمله رهيناً فقط بالمدة التي يمارس فيها تلك المهام.
ودأبت حكومات في الماضي على تعيين دبلوماسيين بمراتب وأسماء أخرى على غرار "وزير مفوض"، وتمنحهم بموجب ذلك صلاحيات "سفير فوق العادة" لتمثيل البلاد لدى حكومات أجنبية، لكن هذا التقليد الدبلوماسي أصبح محدوداً.
وعلى سبيل المثال؛ تعين دولة الفاتيكان موظفاً يحمل لقب "المبعوث الرسولي" بمرتبة "سفير فوق العادة" يتمتع بصلاحية مطلقة لتمثيل البابا في الخارج، كما أن بلدان الكومنولث تتبادل فيما بينها مبعوثين يحملون لقب "مندوب سامٍ" بمرتبة توازي مرتبة "سفير".
وتاريخياً أطلق مصطلح "سفير فوق العادة" على الأشخاص الذين كانوا يمثلون بلدانهم في الخارج، وفي مؤتمر فيينا عام 1815 اعتمد نظام المراتب الدبلوماسية بمقتضى القانون الدولي، ومن ضمنها التمييز بين السفير Ambassador، و"السفير فوق العادة والمفوض" Ambassador Extraordinary and Plenipotentiary، حيث كان هناك سفارات أو قنصليات كبرى لها امتيازات أكثر من سفارات أو قنصليات صغيرة.
ثم طور "مؤتمر فيينا" التاريخي إلى "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية" بموجب معاهدة دولية وُقعت عام 1961 وتحدد إطاراً للعلاقات الدبلوماسية بين الدول المستقلة، وتحدد امتيازات البعثة الدبلوماسية التي تُمكّن الدبلوماسيين من أداء وظيفتهم دون خوف من الإكراه أو المضايقات من قِبل البلد المضيف، وتشكل الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، وتعد موادها حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة.