أندرياس كريج - ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-
في حين أن سيطرة "طالبان" السريعة على أفغانستان أدت إلى صدمة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فقد خلق ذلك فرصا غير مسبوقة بالنسبة لقطر.
وفي أعقاب الانسحاب الأمريكي، أثبتت الدوحة أنها الوسيط الأكثر أهمية في أفغانستان، مع إمكانية الوصول ليس فقط إلى أصحاب المصلحة الدوليين، ولكن إلى "طالبان" أنفسهم.
ويبدو أن قطر تحصد ثمار استضافة "طالبان" لما يقرب من عقد من الزمان بناء على طلب واشنطن، وكان الاستثمار في تسهيل المحادثات بين الولايات المتحدة و"طالبان" أفضل استثمار قامت به قطر منذ أن استثمرت أموالها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وبالرغم أن الخصوم والمنافسين، خاصة أبوظبي والرياض، استخدموا علاقة قطر مع "طالبان" لمهاجمة سمعتها، يبدو أنه لا يتحرك شيء في كابل الآن دون مشاركة قطر.
والسؤال الذي يطرحه معظم المحللين وصانعي السياسات حاليا هو إلى أي مدى سيُترجم موقع قطر الاستراتيجي في أفغانستان إلى نفوذ على الحكام الجدد في كابل. وتعد الإجابة على هذا السؤال معقدة، لأن "طالبان" أبعد ما تكون عن كونها جهة فاعلة موحدة.
العدو المشترك
أدت عقود من التمرد إلى دمج مجموعة متنوعة من الجماعات والمصالح والأيديولوجيات المختلفة في حركة تماسكت حتى الآن لمواجهة عدو مشترك. ومع رحيل هذا العدو الآن، تكشف عملية الانتقال من التمرد إلى الحكم عن بعض خطوط الصدع داخل حركة "طالبان".
ووضعت عملية تشكيل الحكومة أعضاء حركة "طالبان" الأكثر تحفظا وتشددا في مواجهة أولئك الذين يؤمنون بمقاربة أكثر براجماتية لكل من الحكم الداخلي والمشاركة الخارجية. ويبدو أن اختيار الملا "محمد حسن آخوند" رئيسا للوزراء هو بمثابة حل وسط لصالح المكونات الأكثر أصولية وعسكرية في الحركة.
وكانت قطر منخرطة مع الأعضاء الأكثر براجماتية واعتدالا في حركة "طالبان"، المتجمعين حول الملا "عبدالغني برادر"، الذي يعيش هو نفسه في قطر منذ عدة أعوام. وعلى مر السنين، تمكنت الدوحة من بناء علاقات شخصية جيدة مع ممثلي "طالبان" الذين كانوا يديرون المكتب في الدوحة وأظهروا استعدادا للتحول من شبكة متمردة فضفاضة إلى حركة سياسية في أفغانستان.
وأثبت "برادر"، على وجه الخصوص، أنه شريك موثوق للقطريين، حيث أظهر قبولا لدعوات الدوحة لحكومة أكثر شمولا واحتراما لحقوق المرأة والعفو عن موظفي الحكومة السابقين، حتى لو كان ذلك بدافع البراجماتية البحتة.
والسبب هو أن العودة إلى استراتيجية التسعينيات، عندما حكمت "طالبان"، لا تبدو ممكنة، بالنظر إلى أن 80 ألف مقاتل قد يجدون صعوبة في قمع أكثر من 35 مليون أفغاني من خلال القوة المطلقة وحدها.
ويتشارك هذه المشاعر وزير الخارجية في حكومة "طالبان" "أمير خان متقي" والمتحدث باسم الحركة "ذبيح الله مجاهد"، وكلاهما لا يثق في القطريين فحسب، بل يرى في الدوحة شريان حياة لا غنى عنه من أجل الوصول إلى العالم الخارجي.
دبلوماسية مكوكية
وعلى الجانب الآخر من الانقسام في "طالبان"، هناك مسلحو "شبكة حقاني" المرتبطون بباكستان، والذين تحملوا الكثير من أعباء الصراع في الأعوام الأخيرة. وكانت الشبكة قد تم تصنيفها كمنظمة إرهابية بسبب صلاتها بالقاعدة. وتسيطر الشبكة الآن على شوارع كابل، لذلك ليس من المستغرب أن يشغل "سراج الدين حقاني" منصب وزير الداخلية بالوكالة.
ولطالما عارضت "شبكة حقاني"، التي كانت أكثر أصولية وأقل براجماتية، أي تواصل مع الغرب أو مفاوضات مع الحكومة الأفغانية السابقة، ما جعلها في مواجهة المعتدلين حول "برادر". لذلك ليس من المستغرب أن تكون منافذ قطر على الشبكة ورموزها محدودة إلى حد ما.
وتعتمد الدوحة هنا على شريكها في إسلام أباد لكبح جماح أتباع "حقاني"، وهو أمر غالبا ما كانت المخابرات الباكستانية إما غير قادرة عليه أو غير راغبة في القيام به.
وشهدت الدبلوماسية المكوكية القطرية في الأيام الأخيرة لقاء وزير خارجيتها مع نظرائه في إسلام آباد وطهران وأنقرة قبل الاجتماع بأعضاء مهمين في حكومة "طالبان" المشكلة حديثا في كابل.
وبينما دعت قطر حركة "طالبان" مرة أخرى إلى بناء دولة جديدة تقوم على الشراكة والعدالة الاجتماعية، فإن الكثير من قوة الإقناع التي تتمتع بها الدوحة مرتبطة باعتماد "طالبان" على الدولة الخليجية كبوابة لها إلى العالم.
وكلما أصبحت قطر لا غنى عنها بالنسبة للحركة، زاد احتمال قبول أعضائها الأصوليين بمشاركة الدوحة. ومع ذلك يرتبط نفوذ قطر حاليا بالمعتدلين حول "برادر" وبقائهم فيما يبدو أنها حكومة مواءامات تفضل المتشددين.