جوناثان فنتون هارفي/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
تتجه الأنظار إلى الإمارات مع تزايد تدخلها في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى بالرغم من ادعائها المتكرر بالانسحاب العسكري من البلاد. ويشكل ذلك تحديًا لحليفتها التقليدية السعودية في وقت يتسع فيه الخلاف بين البلدين.
ومرة أخرى يتراجع اليمن في قائمة أولويات المجتمع الدولي بالرغم من الحرب التي يدفع ثمنها اليمنيون. وفي الشمال، تواصل قوات الحوثي هجومها على مدينة مأرب في محاولة للاستيلاء على المحافظة وتعزيز هيمنتها على البلاد.
وفي فبراير/شباط الماضي، وعد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بإنهاء حرب اليمن ووقف مبيعات الأسلحة للسعودية لكن فشلت واشنطن منذ ذلك الحين في وضع حد لآلة الحرب. وبالرغم أن واشنطن ضغطت إلى حد ما على المملكة، لكن الزيارات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين إلى الخليج فشلت في إبرام تسوية بين الحوثيين وحكومة "هادي"، كما أن تراجع التركيز على دور الإمارات شجعها علي مواصلة سياستها في اليمن من أجل تعزيز مصالحها.
وواجهت الإمارات انتقادات بسبب انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان والتي تجلت في السجون التي تديرها وشهدت أساليب تعذيب ترجع للعصور الوسطى.
لذلك تبنت الإمارات استراتيجية مختلفة، فقد واصلت دعم "المجلس الانتقالي الجنوبي" وشكلت معه علاقة تبادل منفعة، بحيث تسيطر أبوظبي على موانئ جنوب اليمن وموارده الطبيعية، فيما تدعم "المجلس الانتقالي الجنوبي" في إقامة دولة جنوبية مستقلة وفق حدود ما قبل التوحيد عام 1990.
تعزيز التدخل الإماراتي
في 29 أغسطس/آب، أصاب هجوم قاتل بالصواريخ والطائرات المسيرة معسكرا لحكومة "هادي" في مدينة عدن الساحلية الجنوبية، حيث يخوض "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات معارك مع حكومة "هادي" المدعومة من السعودية، وألقيت المسؤولية في الحادث (الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 جنديًا من الموالين لهادي) على الحوثيين.
لكن الحوثيين لم يعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم بالرغم أنهم عادة ما يتباهون بهجماتهم الناجحة التي تستهدف خصومهم اليمنيين أو الأراضي السعودية.
وأشار مراقبون يمنيون مختلفون إلى احتمال تورط الإمارات في الغارة، خاصة أن الطائرات الحربية الإماراتية هاجمت بالفعل القوات الحكومية في الماضي، مثلما حدث في أغسطس/آب 2019 عندما تمكنت قوات "هادي" بالكاد من منع محاولة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الاستيلاء على السلطة.
وبغض النظر عن هذه التكهنات، فمن الواضح أن الإمارات لا تنسجم بشكل كامل مع حكومة "هادي". وفي 6 سبتمبر/أيلول، أفادت تقارير أن طائرات حربية إماراتية كانت تحلق فوق محافظة شبوة الجنوبية بعد احتجاجات شعبية ضد شحن معدات عسكرية إماراتية إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي".
وتصاعدت التوترات بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" وقوات "هادي" حول محافظة شبوة الغنية بالنفط منذ يناير/كانون الثاني 2020، على الرغم من اتفاقية الرياض (اتفاقية تقاسم السلطة بين الطرفين).
ويقول مراقبون مختلفون إن أبوظبي و"المجلس الانتقالي الجنوبي" ينظران إلى شبوة كمكون حاسم في أي دولة يمنية جنوبية مستقبلية، بسبب مواردها الطبيعية.
وعلاوة على ذلك، ذكر موقع "ميدل إيست آي" أن مسؤولي "المجلس الانتقالي الجنوبي" يحرضون مرة أخرى ضد حزب "الإصلاح" (وهو حزب الإخوان المسلمين في اليمن المتحالف مع حكومة هادي) حيث انتقدوا الفصيل باعتباره العقبة الرئيسية أمام السلام في شبوة وادعوا أنهم يريدون استغلال أصول المحافظة.
ولدى "المجلس الانتقالي الجنوبي" كراهية شديدة لـ"الإخوان المسلمين" - مثل رعاته الإماراتيين - ما يعني أن المصالحة بشأن شبوة ستكون تحديًا صعبًا.
الهيمنة على البحر الأحمر
تضيف السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية أفضلية كبيرة لسعي أبوظبي للسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب. وذكرت تقارير أن السفن الإماراتية شوهدت وهي تشحن أسلحة إلى الجزيرة، كما قال سكان سقطرى ومحللون يمنيون إن الإمارات تحاول استخدام الجزيرة كقاعدة لمشاريع جيوسياسية في القرن الأفريقي وباب المندب.
ومع ذلك، يبدو أن الإمارات لا تتطلع إلى سقطرى فقط. ففي مايو/أيار، دق المسؤولون اليمنيون ناقوس الخطر بشأن وجود قاعدة عسكرية جديدة مشبوهة في جزيرة مايون اليمنية والتي تقع في موقع استراتيجي داخل خليج عدن.
وأكد "طارق صالح"، وهو زعيم ميليشيا متحالفة مع الإمارات وابن شقيق الرئيس اليمني الراحل "علي عبد الله صالح"، لاحقًا أن قواته تتمركز بالفعل في الجزيرة.
وبالإضافة إلى ذلك، قال موقع "ديبكا" الإسرائيلي إن الإمارات أنشأت قاعدة هليكوبتر هجومية في الجزيرة للسيطرة على ناقلات النفط والشحن التجاري عبر نقطة الاختناق الجنوبية للبحر الأحمر وحتى قناة السويس.
وذكر الموقع أن القاعدة ستمنح الإمارات أيضًا منصة انطلاق لقوات الانتشار السريع للوصول إلى اليمن، على الرغم من انسحابها من الصراع هناك خلال الفترة 2019-2020.
وأضاف "ديبكا" أن سفنًا إماراتية محملة بمعدات هندسية ثقيلة ومواد بناء وقوات دخلت الجزيرة في مايو/أيار.
تعمق الشرخ السعودي الإماراتي
يأتي تعزيز النفوذ الإماراتي في وقت تبتعد فيه الإمارات عن السعودية وتعيد توجيه سياستها الخارجية لترسيخ نفسها كقوة إقليمية مهيمنة. ويعني ذلك أن هذه التحركات تخاطر بتعميق الشقاق بين القوتين الخليجيتين بالرغم أنهما أدارتا في السابق خلافاتهما بشأن اليمن.
ويبدو أن القوات السعودية ألغت رحلة طيران إماراتية إلى سقطرى في 21 سبتمبر/أيلول، ما يشير إلى أن تنافس هادئ قد يكون له تداعيات ملموسة.
وفي السابق، استخدمت الإمارات موقف السعودية الأكثر عدوانية كستار دخان كثيف لتعزيز نفوذها الإقليمي. ومع ذلك، فإن النهج الإماراتي المتباين بشأن اليمن يشير إلى أنها كانت حريصة دائمًا على تحدي الهيمنة التقليدية للرياض بالرغم أنها اتخذت نهجًا محسوبًا أكثر بعد أن انكشفت نواياها في أغسطس/آب 2019 عندما قصفت قوات "هادي".
أما الآن بعد أن أصبحت الإمارات ترى السعودية في وضع أكثر ضعفًا - لا سيما وأن إدارة "بايدن" حاولت تقليص التدخل العسكري للمملكة في اليمن – فقد أصبح لدى الإمارات مساحة أكبر لتعزيز نفسها.
لكن حرب اليمن ليست القضية الوحيدة التي تثير الخلاف بين السعودية والإمارات. ففي يوليو/تموز، تحدت أبوظبي خطط السعودية لخفض إنتاج النفط مما أثار حالة من الفوضى داخل "أوبك +"، كما نمت المنافسة الاقتصادية بين الجانبين هذا العام. ويمكن أن تكون هذه الخلافات دافعًا وراء العمليات الإماراتية الحالية في اليمن وتحديها للسعودية.
في غضون ذلك، سعت أبوظبي إلى تقديم وجه أكثر قبولا لدى المجتمع الدولي وقد شمل ذلك التقارب مع خصميها اللدودين "تركيا وقطر" مما دفع بعض المراقبين للاعتقاد أنها تتبنى موقفًا أكثر دبلوماسية بعد سنوات من العداء الجيوسياسي.
وفضلا عن ذلك، عززت الإمارات علاقاتها مع الصين وإيران مع تراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن التدخل الإماراتي المستمر في اليمن يشير إلى أنها لا تزال تطمح إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وأن إنقاذ صورتها العالمية المتدهورة كان من الأهداف الرئيسية لمصالحتها مع خصومها السابقين.