جيورجيو كافيرو - ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، زار وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد" البحرين من أجل افتتاح سفارة في المنامة، والتقى خلال الزيارة بالملك "حمد بن عيسى آل خليفة" ووزير الخارجية البحريني "عبد اللطيف الزياني"، وغيرهم من المسؤولين البحرينيين رفيعي المستوى.
ومع ذلك، فإن قطاعا كبيرا من الشعب البحريني غير راض عن تلك التطورات، وقد شهدت شوارع المنامة وسترة عددا من المظاهرات احتجاجا على زيارة "لابيد".
وطالب المتظاهرون بإغلاق البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، وأظهرت بعض المقاطع حرق العلم الإسرائيلي. وأصدر حزب "الوفاق" الشيعي المعارض (الذي حلّته الحكومة في عام 2016) بيانا يدين فيه زيارة "لابيد".
تذكير باهتمام الشعوب بفلسطين
لم تكن هناك أي مفاجأة في هذه الاضطرابات والاحتجاجات في ظل دعم أقل من 20% من البحرينيين للعلاقات الرسمية مع إسرائيل، وفقا لما ذكره استطلاع استشهدت به قناة "ILTV" الإخبارية الإسرائيلية.
ومع ذلك، كانت الاحتجاجات تذكيرا لجميع الدول العربية الأخرى بأن فلسطين لا تزال مهمة للشارع العربي، وهي حقيقة يجب أن يراعيها قادة المنطقة قبل أن يواصلوا مسار التطبيع مع إسرائيل.
وباعتبارهما أول دولتين عربيتين تنضمان لاتفاقيات إبراهام، تواجه الإمارات والبحرين مستوى مختلف من التهديدات المحلية والإقليمية نتيجة قرار إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع تل أبيب، لكن المخاطر بالنسبة للبحرين أعلى بكثير من الإمارات التي تتمتع بثروة واستقرار سياسي أكبر من البحرين.
مخاطر داخلية تهدد البحرين
شهدت البحرين احتجاجات متقطعة مع استمرار المشكلات السياسية والاجتماعية منذ سنوات، وتعرض العقد الاجتماعي لضغوط كبيرة مع توجه الحكومة للاعتماد على المساعدة المالية والأمنية الخارجية (من الإمارات والسعودية).
ويعني ذلك أن موقف البحرين تحديدا أكثر حساسية لأن النظام الملكي غير شرعي بالفعل في أعين قطاع كبير من السكان، وفق ما قاله "ريان بول" محلل الشرق الأوسط في مؤسسة "ستراتفور".
ومقارنة بالإمارات، تتمتع البحرين بمجتمع مدني قوي اهتم طويلا بالقضية الفلسطينية.
واندلعت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في كل منعطف بدءا من قرار تقسيم فلسطين عام 1947 وخلال الحروب العربية الإسرائيلية في 1956 و 1967 و 1973، وخلال حصار وقصف بيروت عام 1982 وأثناء الاعتداءات الإسرائيلية المتعاقبة على قطاع غزة.
ووسط احتجاجات الربيع العربي عام 2011، ظهرت الأعلام البحرينية والفلسطينية جنبا إلى جنب، في إشارة على الوحدة العربية والنضال المشترك ضد الظلم.
وحتى قبل اتفاقات إبراهام، احتج المواطنون البحرينيون على ما رأوه تخليًا من حكومتهم عن النضال الفلسطيني عندما كانت المنامة تساعد إدارة "ترامب" على الترويج لـ"صفقة القرن" لدى جمهور أوسع في الشرق الأوسط.
وبعد انضمام البحرين لاتفاقيات إبراهام في عام 2020، وقّعت 17 منظمة من المنظمات السياسية والمجتمعية والمدنية التي تمثل شرائح واسعة من المجتمع البحريني (السنة والشيعة، العلمانيين والإسلاميين واليساريين، إلخ) بيانا يدين التطبيع.
وقال "كريستيان كوتس أولريشسن"، وهو زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر: "الاحتجاجات والمظاهرات السياسية في البحرين ليست جديدة، لكن السلطات لن تكون سعيدة بالطبع من إضافة مصدر آخر للاحتجاجات إلى المزيج القابل للاشتعال بالفعل، خاصة أن العنصر الجديد قادر على إحداث العديد من الانقسامات في البلاد".
وأضاف: "لطالما كان لدى البحرين تيار قوي مهتم بالعروبة والأمة الإسلامية، وهو ما تجلى في المراحل الأولى من الصراع العربي الإسرائيلي، وتشير الاحتجاجات الأخيرة إلى أن القضية لا تزال قادرة على حشد المواطنين البحرينيين من ذوي الخلفيات المتعددة".
البحرين لن تتراجع عن التطبيع
وبالرغم من المخاطر الداخلية، فمن الصعب أن تتراجع المنامة عن التطبيع مع إسرائيل. وباعتبارها الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي امتنعت عن تقديم أي مبادرات دبلوماسية لإيران هذا العام، تظل البحرين تشعر بقلق بالغ إزاء ما يراه المسؤولون في المنامة تهديدًا خطيرًا تمثله طهران على الأمن البحريني.
وبما أن البحرين ترى إسرائيل كشريك مهم في مناهضة أجندة السياسة الخارجية الإيرانية، فإنها تراها لاعبًا مهمًا ينبغي أن تتقرب إليه، خاصة مع تصاعد المخاوف بشأن التزام واشنطن بالمنطقة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وبالرغم أن المسؤولين الأمريكيين سيواصلون مناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، فإن التطبيع مع إسرائيل والتواصل مع المنظمات اليهودية في أمريكا سيعزز سمعة النظام البحريني في واشنطن.
وحتى قبل أزمة الربيع العربي لعام 2011 التي سلطت الأضواء الدولية على انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، بدأت القيادة في المنامة في تسليط الضوء على تسامح البحرين مع اليهود وتاريخ هذه الأقلية الدينية في البلاد.
ورأى بعض المراقبين مثل هذه الجهود كجزء من حملة علاقات عامة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية وتتمتع بوضع أحد الحلفاء الكبار من خارج الناتو منذ عام 2002.
توسيع اتفاقيات إبراهام
مع عمل الولايات المتحدة وإسرائيل على ضم المزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات إبراهام، فإن حكومات المنطقة تواجه معضلة، فهل عليها الانضمام إلى الإمارات والبحرين في محاولة لدفن القضية الفلسطينية في مقابل العلاقات الطبيعية مع إسرائيل؟ أم هل ينبغي عليهم التمسك بمبادرة السلام العربية (ربط التطبيع مع إسرائيل بالعودة لحدودها عام 1967 وقبول دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية)؟
وبغض النظر عن إرادة الشعوب ومفهوم الدولة الفلسطينية، فمن المفهوم لماذا اختارت بعض الحكومات العربية طريق التطبيع ولماذا ستنضم لها أخرى.
فسواء كانت هذه الدول تركز على العلاقات العسكرية أو التجارة أو الاستثمار أو التكنولوجيا والطاقة أو الزراعة أو السياحة أو التعليم أو مجالات أخرى، فيمكن لها الاستفادة من شراكات رسمية مع إسرائيل.
ولكن تظل هناك مشكلة بالنسبة لبعض هذه الحكومات على الأقل، حيث من المستبعد أن تتجاهل شعوبها القضية الفلسطينية تماما، وهو الواقع الذي تجلى في البحرين بعد زيارة "لابيد" الأخيرة، كما تجلى في شهر مايو/أيار عندما وقعت احتجاجات مناهضة لإسرائيل في 46 مدينة مغربية على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة.
ونظرا لأن الولايات المتحدة تعمل على ضم المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى طريق التطبيع، فمن المرجح أن تساعد واشنطن حكومة البحرين والحكومات الأخرى على احتواء أي عواقب مزعزعة للاستقرار لقرارها إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.