كامل جميل - الخليج أونلاين-
قدرة على أداء أدوار وساطة ناجحة، واستغلال مثالي لقوتها الاقتصادية بالاعتماد على الغاز، الذي تملك منه النسبة الكبرى بين دول العالم، في بناء علاقاتها الدولية، واعتمادها خريطة طريق للعلاقات الخارجية مبنية على احترام سيادة الدول، كان وراء تحول قطر لشريك دولي موثوق به.
علاقات متينة أسستها قطر خلال سنوات ليست طويلة، خاصة منذ تولي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الحكم، في 2013؛ إذ أظهر قدرة كبيرة في بناء علاقات متميزة مع كبريات دول العالم وأكثرها قوة.
تنامى الدور القطري على مدار سنوات، من خلال نجاحه في تهدئة الأوضاع في غزة، والمفاوضات مع إيران بهدف إحياء الاتفاق النووي، ونجاح الوساطات القطرية في أزمات عدة على صلة بدول مثل السودان وليبيا ولبنان وجيبوتي وإرتريا.
وزاد من تنامي هذا الدور الأداء القطري في أفغانستان، ودور الدوحة المركزي في تسهيل إجلاء الرعايا الأجانب بعد سقوط العاصمة كابل في يد حركة طالبان، منتصف أغسطس الماضي.
حليف للناتو
زيارة كانت أكثر من مهمة تلك التي أجراها أمير قطر للولايات المتحدة، مطلع العام الجاري، ناقش فيها مع جو بايدن ملفات دولية عديدة.
لكن الأبرز فيها كان إعلان بايدن إبلاغ الكونغرس رسمياً بتصنيف قطر حليفاً رئيسياً من خارج "حلف شمال الأطلسي" (الناتو).
بايدن لفت إلى أن ذلك يعني "اعتراف بمصلحتنا الوطنية في تعميق التعاون الدفاعي والأمني مع قطر"، مؤكداً أن "الدوحة كانت عاصمة مركزية للعديد من مصالحنا الحيوية".
الخبير العسكري "ديفيد دي روش"، الأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة لـ(البنتاغون)، يرى هذا التصنيف دليلاً على المكانة والهيبة التي تكتسبها الدولة.
روش الذي تحدث لـ"الجزيرة" يعتقد أن هذا التصنيف "يرفع قطر إلى مرتبة دول مثل اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، ويجعلها تنضم إلى الطبقة المميزة من الشركاء العسكريين للولايات المتحدة".
شريك استراتيجي
"شريك استراتيجي" عبارة أطلقها العديد من الزعماء والسياسيين الأوروبيين يصفون بها قطر، وعلاقة بلدانهم معها؛ وهي تأكيد لمكانة قطر التي تبوأت مراكز عليا دولياً.
فرئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون أكد، في مايو الماضي، أن دولة قطر تُعد شريكاً استراتيجياً مهماً لبلاده في الشرق الأوسط.
وأضاف جونسون، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية، من لندن، أن الروابط بين البلدين لها جذور عميقة وتساعد على توفير الأمن والرخاء لشعبي البلدين.
وأوضح أنه في ظل هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها العالم "هناك الكثير مما يمكن أن نقوم به معاً لتعميق هذه الشراكة، من تعزيز الاستثمار إلى تنويع إمدادات الطاقة ودفع التكنولوجيا الخضراء".
وكان ميغيل أنخيل غوتيريز، عضو البرلمان الإسباني، أكد للوكالة نفسها، في يونيو الماضي، أن دولة قطر تعد الشريك الاستراتيجي ليس فقط لبلاده بل لكافة دول الاتحاد الأوروبي، مشيداً بجهود دولة قطر في إحلال السلام بالعالم، وأن الجميع يشهد لها بذلك، وفق قوله.
كما أن قطر سجلت حدثاً تاريخياً مهماً حين منحت صفة "شريك في الحوار" ضمن منظمة شنغهاي للتعاون، في يوم 17 سبتمبر 2021.
وهذه الصفة تمكن قطر من المساهمة بفاعلية والاستفادة المتبادلة في تعزيز الشراكات بشتى المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية والثقافية وغيرها بين دول المنظمة.
خريطة طريق
الجولة الأوروبية التي أجراها أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في عدد من العواصم الأوروبية، خلال شهر يونيو الماضي، أثبتت نجاحاً كبيراً؛ خاصة مع تودد الغرب للدوحة مع حاجتها إلى الطاقة تحت ظل العقوبات التي فرضتها على روسيا، بما يجعل من قطر شريكاً مهماً لدى هذه الدول.
ضمن الجولة الأوروبية، شارك أمير قطر في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس، تحت شعار "التاريخ في نقطة تحوُّل".
وألقى أمير قطر كلمة كانت عرضاً تفصيلياً لرؤية بلاده محليّاً وإقليميّاً ودوليّاً، كما تحدث فيها عن الأوضاع التي يمر بها العالم، والتحديات الحقيقية التي تواجه شعوبه، وقضايا منطقة الشرق الأوسط.
وتطرق في كلمته أمام المشاركين في المنتدى إلى عدد من التساؤلات التي تؤرق العالم اليوم في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن.
وشرح مواقف دولة قطر تجاه تلك التحديات، كما أشار إلى ما يمثله مونديال 2022 لقطر والمنطقة والعالم، ورؤية وجهود قطر في تحقيق أمن الطاقة العالمي، والحفاظ على البيئة، ودعم التعليم والتوظيف، ومكافحة الإرهاب.
وطرح أمير قطر في كلمته خريطة طريق لتطويق تفاقم تلك الأزمات والصراعات؛ عبر الوحدة والوساطة والحوار، للوصول إلى الحلول السلمية، مؤكداً أن "المصلحة والمسؤولية، والمصير المشترك للبشرية جمعاء، تتطلب الشراكة؛ حتى يتسنى لنا جميعاً العيش في سلام".
شريك دولي موثوق به
ماجد الأنصاري، مستشار المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية القطرية، أكد أن دولة قطر تراجع سياساتها باستمرار عندما يتعلق الأمر بكيفية تأثيرها في العالم، وكيفية الحفاظ على أمنها القومي.
وقال الأنصاري، خلال جلسة رئيسية بمؤتمر "لندن – القرن الثاني" الذي نظمه المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" في لندن، الجمعة (1 يوليو 2022)، إن دولة قطر قامت بمراجعة الأحداث الإقليمية والدولية في سياساتها من حولها؛ ما أنتج شعاراً جديداً للسياسة الخارجية القطرية هو "شريك دولي موثوق به"، وهو شعار يعتمد فلسفياً على نظرة دولة قطر إلى العالم والتغييرات التي تحدث فيه اليوم.
وعن سبب استخدام دولة قطر لكلمة "شريك" في شعارها للسياسة الخارجية بيّن الأنصاري أنه منذ فترة طويلة كانت دول كثيرة تعمل بمفردها عندما يتعلق الأمر بالمبادرات الدولية الإيجابية والسلبية، وأصبح التفرد في السياسة الخارجية هو القاعدة في السنوات الـ15 الماضية، مؤكداً أن هذا يُعد أمراً خطيراً للغاية، وأن الطريقة الوحيدة للتغلب عليه هي بناء الشراكات.
وشدد على أنه "يجب أن تتعامل الشراكات مع الشكل الذي سيبدو عليه العالم في المستقبل"، مؤكداً أهمية التحرك نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وفيما يخص نهج دولة قطر في التعامل مع الشراكات كوسيلة لتحقيق السلام والأمن في المنطقة، قال الأنصاري: إن "هذا أحد الخيارات القليلة جداً التي لدينا الآن، وإن فترة ما بعد الحرب كانت سوقاً حرة شديدة القيود".
وأضاف: "هذا يعني أنه كان هناك نظام دولي يعمل بشكل فعلي حول حقيقة أن لكل دولة سيادتها؛ ولها صوت في الأمم المتحدة، ولكن هذا يتم تنظيمه بشكل كبير من قبل سلطات مجلس الأمن الدولي، وفيما بعد من قبل الولايات المتحدة".