دول » قطر

هل تعمل مصر وقطر على صفقة في ليبيا؟

في 2022/10/06

 أندرياس كريج | ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد- 

عندما وصل الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" إلى الدوحة في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، سارع المعلقون إلى تفسير الزيارة على أنها مقترض يطير لمقابلة دائن مهم في الخليج، وقد يكون هذا في حد ذاته جديرًا بالملاحظة بالفعل، بالنظر إلى أن كلا البلدين كانت علاقتهما سيئة منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن كلًا من مصر وقطر خلقتا مساحة للعلاقات الثنائية تتجاوز الأبعاد المالية لتصل إلى الملفات الجيواستراتيجية، التي تعد ليبيا الشأن الأكثر إلحاحًا فيها في الآونة الأخيرة.

بالنظر إلى السجل المروع للنظام المصري في مجال حقوق الإنسان، فقد كافح لتقديم نفسه كشريك إقليمي لا غنى عنه بالنسبة للغرب. وحافظت مصر على الحياد في حرب أوكرانيا، وحافظت على العلاقات مع نظام "الأسد" في سوريا، في إطار حرصها في السنوات الأخيرة على تقديم نفسها كصانعة صفقات مهمة في المنطقة. وهنا، كانت قطر مهمة لقوة مصر، خاصة في غزة.

واتخذت قطر سياسة نشطة مؤيدة للربيع العربي منذ أن وصل الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" إلى السلطة في عام 2013، لكنها حولت مسارها ذلك منذ أن تذكرت أنها بارعة في الجمع بين الأطراف المتصارعة والتوسط في حلول سياسية للنزاعات العنيفة، وهنا أصبحت قطر جذابة بشكل خاص لمصر.

ومع انتهاء موجات الربيع العربي، تحولت قطر في نظر القاهرة من تهديد لأمن النظام إلى وسيط براجماتي يمكن لشبكاته أن تدفع مصالح مصر الإقليمية.

وتستمر الاختلافات بشأن موقف قطر المناهض للسلطوية، بالإضافة إلى مقاربة الدوحة الأكثر شمولية إزاء مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين، ولكن عندما يتعلق الأمر بليبيا فيبدو أن نهج قطر الهادئ إلى حد ما منذ عام 2014 يوفر درجة من البراجماتية اللازمة لتأمين مصالح مصر.

وتسمح علاقات قطر مع القاهرة وأنقرة بأن تلعب الدوحة دور الوسيط في الصدع بين شرق وغرب ليبيا، والذي تطور في السنوات الأخيرة إلى صراع ممتد ومتعدد الطبقات يتخطى مجرد الصدوع الأيديولوجية.

بحث مصر عن الاستقرار

يبدو أن المؤسسة العسكرية المصرية أعادت تقييم الوضع الأمني ​​في ليبيا بعد أن أعادت الاشتباكات العنيفة في طرابلس قبل بضعة أسابيع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية.

واستثمرت مصر لسنوات في البنية التحتية المناهضة للثورة والتي ساعدت الإمارات في إرسائها في شرق ليبيا. وكان الجيش المصري مقتنعًا منذ فترة طويلة بأن أفضل طريقة لتأمين المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا هو دعم رجل قوي يستطيع احتكار السلاح والسيطرة على المنطقة بشكل صارم، وبدا أن أمير الحرب "خليفة حفتر" هو الرجل المناسب لذلك.

ولكن بعد العديد من الانقلابات الفاشلة والعمليات العسكرية على مدار أكثر من 8 سنوات، بدا أن هذا الرجل الذي كان قوياً بما يكفي لإخضاع شرق ليبيا، أصبح ضعيفًا لدرجة أنه لا يستطيع منع المنافسين في غرب ليبيا من تحدي شرعيته حتى في شرق البلاد.

وأظهرت الإمارات (أقرب شريك لمصر) مرارًا محدودية قدرتها على السيطرة على وكيلها "حفتر" والجيش الوطني الليبي الذي يرأسه، وبينما لا توجد آثار مباشرة للملف الليبي على أمن الإمارات (كما هو الحال بالنسبة لقطر)، فإن مصر ليس لديها الرفاهية للتجربة في ليبيا، وهناك خوف حقيقي من تجاوز الاضطرابات للحدود.

وفي الوقت نفسه، أصبحت قطر بمرور الوقت لاعبًا أقل إثارة للجدل بالنسبة لمصر فيما يتعلق بالملف الليبي. وبالرغم أن قطر لم تنخرط أبدًا في ليبيا لفرض رؤيتها على البلاد (على عكس الإمارات)، لكن دعم الدوحة للثوار عبر الطيف السياسي - خاصة الإسلاميين - كان يمثل شوكة في خاصرة الجيش المصري المهووس بأمن النظام.

ومع وصول الشيخ "تميم" إلى السلطة في عام 2013، طورت قطر استراتيجيتها في ليبيا واتجهت لدعم الأمم المتحدة وغيرها من اللاعبين الإقليميين الذين يبحثون عن حل سياسي متعدد الأطراف، فيما أصبحت تركيا أكثر نشاطًا على الأرض.

وكما أشار أمير قطر خلال خطابه أمام الجمعية العامة الـ77 للأمم المتحدة، فإن الدوحة مهتمة حاليًا ببناء إطار سياسي يعتمد على الإجماع والشرعية التي من شأنها توحيد جميع الجماعات المسلحة تحت سيطرة مدنية في جيش وطني واحد. وصحيح أن هذا هدف طموح للغاية، لكنه يمس قلب الأزمة السياسية.

منافسة معززة للاستقطاب

مع إدراك مصر أن انخراطها مع الفصائل الليبية في شرق البلاد فشل حتى الآن في تحقيق الاستقرار المستدام على طول حدودها الغربية، فقد تكون الآن أكثر ميلًا لبناء العلاقات مع غرب ليبيا. 

وبقدر ما بدا رئيس الوزراء البديل في شرق ليبيا "فتحي باشاغا" ضعيفًا في محاولته الفاشلة للاستيلاء على طرابلس قبل بضعة أسابيع، أثبت "عبدالحميد الدبيبة"، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الأمم المتحدة، أنه أكثر مرونة مما توقعت مصر.

وما زال الأمر الأكثر إثارة للجدل هو الإمارات وشبكاتها التي تعد أكبر المفسدين في ليبيا. ولدى شبكات أبوظبي نفوذ يتجاوز المجالات الأمنية والسياسية ليشمل وسائل الإعلام وأصحاب المصلحة القبليين، كما تجلب الإمارات بُعدًا جيواستراتيجيًا إلى الطاولة لا يمكن لمصر ولا قطر محاكاته. وفي نهاية المطاف، كانت الإمارات هي التي سهلت دخول روسيا إلى الصراع.

وبالنسبة إلى أبوظبي، لا تزال شبكة الميليشيات الفضفاضة (التي تعتبر نفسها الجيش الوطني الليبي تحت قيادة "حفتر") هي جوهرة التاج بالنسبة لانخراط الإمارات في ليبيا.

في غضون ذلك، فإن أي حل سياسي تناقشه قطر ومصر لن يكون مستدامًا إلا إذا تم تمثيل "حفتر" - أو على الأقل أحد من أبنائه -  وهو أمر تعمل عليه قطر. والسؤال الرئيسي هو إلى أي مدى ترغب شبكة رعاة "حفتر" في خضوع جيشه للسيطرة المدنية.

ويجب ألا ننسى أن الرعاة الرئيسيين للجيش الوطني الليبي في القاهرة وأبوظبي هم أنظمة أمنية وعسكرية، وستكافح قطر من أجل بناء آلية لسيطرة مدنية ذات مغزى، حتى لو وافقت مصر والإمارات على إطار سياسي.

لهذا فمن السابق لأوانه التحدث عن صفقة في ليبيا، ويرجح أن تتأنى كل من مصر وقطر قبل الإعلان عن صفقة أخرى قد تتحول لسراب بمجرد أن تلمس أرض الواقع.

ومن أجل حل الأزمة، يجب أن يجتمع كافة الوسطاء الرئيسيين وأصحاب المصلحة معًا، ومع ذلك فإن رؤية قطر ومصر تجلسان على طاولة الحوار لمناقشة مسألة ليبيا يمكن أن تكون خطوة أولى حيوية للتقريب بين الرعاة الخارجيين.